في ذكرى أول مشاركة لمصر في مهرجان «كان».. «سر أول خناقة»
كتب ـ خليل زيدان
سبعون عامًا تحل اليوم على أول مشاركة رسمية لمصر في مهرجان «كان» السينمائي، حيث شاركت مصر للمرة الأولى عام 1947، واليوم يوافق الذكرى الـ71 على إقامة مهرجان كان السينمائي ، أي أن مصر شاركت في المهرجان في العام التالي لنشأته، وتلك المشاركة لم تكن إنصافا لمصر وسمعتها السينمائية، حيث كانت مصر في أوج مجدها السينمائي، لكن قصور الحكومة وما فعلته الفنانة راقية إبراهيم أساء إلى مصر بشكل بالغ، وفي التقرير التالي التفاصيل كاملة مع نوادر الصور.
الحكومة تهمل الدعوة
بدأت الدورة الأولى لمهرجان كان السينمائي في مثل هذا اليوم من عام 1946، وكان من المفترض أن تكون أول دورة له عام 1939 لولا أن تسببت الحرب العالمية الثانية في تأجيله.. وقد شاركت مصر في العام التالي مباشرة لنشأة المهرجان ، حيث تلقت الحكومة المصرية عام 1947 دعوة من فرنسا للمشاركة في المهرجان قبل إقامته بشهرين، وقد أهملت الحكومة الدعوة ولم تتذكرها إلا قبل بدء فعاليات المهرجان بخمسة عشر يوما .. فكلفت الحكومة لجنة لاختيار فيلمين للمشاركة بهما، وأتمت اللجنة عملها قبل بدء المهرجان بأربعة أيام، وأرسلت الحكومة موافقتها على الاشتراك في المهرجان قبل إقامته بيوم واحد، أي بعد أن اتخذت جميع التدبيرات لتنظيم اشتراك الدول وتحديد أيام عرض الأفلام.. ومن المؤسف أيضا أن الحكومة لم تختر مندوبا رسميا يمثلها في المهرجان إلا بعد افتتاح المهرجان بيوم واحد.
القنصل يفعل المستحيل
أرسلت الحكومة آنذاك إلى قنصل مصر في مرسيليا تطلب منه تمثيل مصر في المهرجان ، وسارع القنصل بالسفر وحاول التغلب على الصعاب التي واجهت اشتراكنا في المهرجان، واستطاع أن يحصل على الموافقة بعرض فيلم واحد لنا فقط بعد عرض الأفلام المشاركة، وطلب القنصل من المنتج عبد الحليم محمود على الذي سافر لتمثيل السينما العربية هناك، اختيار أحد الفيلمين المرشحين من الحكومة للعرض ، واستقر الرأي على اختيار فيلم «سيف الجلاد» الذي أنتجه ستوديو مصر وقام ببطولته يوسف وهبي ومحمد فوزي وعقيلة راتب، وتم استبعاد الفيلم الثاني وهو «دنيا» إنتاج وبطولة راقية إبراهيم .
راقية إبراهيم تقلب الموازين
سافرت الفنانة راقية إبراهيم لحضور فعاليات المهرجان ، وما كادت تعلم بخبر استبعاد فيلمها حتى ثارت وغضبت، وسعت إلى أن يعرض فيلمها بدلاً من «سيف الجلاد»، ففي اليوم الذي تقرر فيه عرض الفيلم المصري اتصلت راقية بسكرتارية إدارة المهرجان مدعية أن مندوب مصر الرسمي قرر عرض فيلم «دنيا» بدلاً من فيلم «سيف الجلاد»، وأعدت سكرتارية المهرجان برنامج العرض على أساس أن «دنيا» هو الفيلم المقرر عرضه.. وما أن رأى القنصل برنامج العرض حتى ثار وغضب ، وراجع سكرتارية المهرجان فأخبروه بمكالمة راقية إبراهيم ، وأخبروه أيضاً أنها لم تكتف بذلك ، بل أرسلت خطاباً إلى رئيس المهرجان تخبره أن الحكومة المصرية اختارت فيلمها للعرض بالمهرجان، وأن عدم عرضه سيحملها مصاريف الشحن والسفر، وطلبت معرفة من قام باستبعاد فيلمها، إلا أن إدارة المهرجان لم تهتم بخطابها لأنه لم يصدر عن جهة رسمية.
القنصل يطالب بمحاكمة راقية
عُرض فيلم «سيف الجلاد» رغم محاولات راقية إبراهيم، التي لم تهدأ حتى شحنت النقاد وهيأت أذهانهم للهجوم على الفيلم، فما إن عرض الفيلم حتى حضر عدد كبير من رواد المهرجان وأعضاء لجنة التحكيم والنقاد ، وما كاد الثلث الأول من الفيلم ينتهي حتى بدأ المتفرجون يتسللون واحدا وراء الآخر، لأنهم لم يفهموا اللغة العربية، ولم تساعدهم الترجمة الفرنسية على معرفة أحداثه، إلى جانب رداءة النسخة المقدمة للعرض.. وهاجمت الصحف الفرنسية السينما العربية هجوماً عنيفاً ، وطالبت الحكومة تحقيقاً فيما حدث ، فأرسل قنصل مصر في مرسيليا ـ وهو ممثل مصر في المهرجان ـ تقريراً طالب فيه تقديم راقية إبراهيم إلى المحاكمة ، لأنها أساءت بتصرفاتها إلى سمعة الفيلم المعروض ، وهيأت أذهان النقاد للهجوم عليه .. وقال أن كل دولة شاركت في المهرجان حصلت على جائزة عدا مصر التي تعتبر ثالث دولة في الإنتاج آنذاك.
معركة صحفية في مصر
دافعت راقية إبراهيم عن نفسها قائلة: أنها ليست مسئولة عن مهاجمة النقاد لفيلم «سيف الجلاد»، لأنه منقول عن أصل أجنبي ، ولم تكن قصته مصرية ، وأنها عرضت فيلم "دنيا" عرضاً خاصاً وأشاد به النقاد ، وقالوا أنه كان من الأفضل أن يمثل هذا الفيلم السينما العربية في المهرجان.. وما كادت أنباء هذا الفشل تصل إلى أسماع السينمائيين في مصر حتى ثاروا وقاموا بمهاجمة راقية إبراهيم ويوسف وهبي في الصحف والمجلات ، وكانت معارك صحفية ضارية.
بقي أن نرصد أن السبب الرئيسي فيما حدث كان بسبب إهمال الحكومة آنذاك لدعوة المهرجان مما نتج عنه تلك الأحداث، ووجب التنويه أيضا بأن فيلم «دنيا» هو الفيلم الوحيد الذي ظهر فيه الموسيقار محمود الشريف وغنى من ألحانه أغنية «مطرح ما ترسي دق لها».