نشر النص الكامل كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، في الإجتماع رفيع المستوى، بشأن الأزمة الليبية
قبل ست سنوات من الآن، أُعطي الشعب الليبي وعداً بفترة انتقالية أمدها 18 شهراً. إلا أن هذه الفترة الانتقالية لا تزال مستمرة، وإذا لم يتم إتخاذ أي إجراء، فلا نهاية في الأفق.
ومنذ تعييني، بذلت قصارى جهدي للإلتقاء بالليبيين من جميع أنحاء البلاد بهدف الاستماع إلى أفكارهم والإطلاع على أمور حياتهم. لم تكن هناك سوى رسالة واحدة واضحة لا لبس فيها. لقد سئم الليبيون من المرحلة الانتقالية.
فالفترات الإنتقالية المتعاقبة لم تقدم للشعب الليبي ما يريده أكثر من أي شيء آخر؛ ألا وهو الحكم الرشيد المستقر والفعال والشفاف ومستوى معيشي كريم.
بدلاً من ذلك، فهم يعانون من تدهور الأوضاع. اقتصادهم في حالة إنتكاس ملحوظ. والبنية التحتية والخدمات العامة تشهد تدهوراً سريعاً. ونادراً ما يتم اتباع القانون والنظام، وطيلة الوقت ليست هناك سلطة حكومية واحدة يمكن للشعب في هذه البلاد أن يتطلع إليها. وبينما كانت هناك نجاحات هنا وهناك ويتحتم البناء عليها، إلا أنها قاصرة على نحو مثير للأسى.
فالليبيون يريدون وضع حد لحالة عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بالأمور.
ولذا فمن أجل إنجاح أية عملية سياسية، لا بد من الإفراج عن المؤسسات المرتهنة؛ ولا بد من إعادة توحيد المؤسسات المتشظية؛ ولا بد من إحياء المؤسسات الخاملة. ويجب أن يحدث ذلك في جميع مجالات الحكم: السياسية والأمنية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية.
ليبيا بلد يتمتع بإمكانية كبيرة ويمكن لمواطنيه أن يحظوا بمستقبل مشرق.
إن الوفاء بهذا الوعد لليبيا سيكون في صالحنا جميعاً هنا. فليبيا الأكثر قوة ستكون أكثر قدرة على محاربة الجماعات الإرهابية التي تعمل على أراضيها. وسوف تكون أكثر قدرة على السيطرة على حدودها. وسوف تكون شريكاً فاعلاً لجميع أولئك الذين يسعون للعمل معها لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.
هذا المستقبل ليس ببعيد. والليبيون يعرفون ذلك، والدول الأعضاء المجتمعة هنا تعرف ذلك، والأمين العام يعرف ذلك - وأكده بشكل صريح. ولهذا السبب طلب مني الأمين العام في أول اجتماع لنا أن أعمل معه لوضع خطة عمل لهذا البلد.
لم أكن أنا الذي رسم خطة العمل الخاصة بليبيا بل هو الشعب الليبي الذي جُبت البلدات والمدن والبلدان للتحدث إليه. وهي، في جوهرها، توليفة من آماله وأهدافه.
فالشعب الليبي يريد عملية شاملة. يريد سبيلاً للمضي قدماً عبر مراحل وأهداف محددة بوضوح، حيث تستجلب كل مرحلة المرحلة التي تليها ضمن إطار زمني صارم.
يريد الليبيون عملية يمتلكونها ويقودونها بأنفسهم. ونقف نحن، الأمم المتحدة، على أهبة الاستعداد لتيسيرها ودعمهم، ونأمل أن تعملوا أنتم، الدول الأعضاء، معنا من أجل القيام بذلك.
يبقى الاتفاق السياسي الليبي هو الإطار الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية. إذ إن الاتفاق السياسي الليبي ضروري، إلا أنه في حالته الراهنة غير ملائم.
لذا يجب أن تكون المرحلة الأولى في هذه العملية تعديل الاتفاق. حيث ثمة توافق واسع في الآراء بشأن المسائل التي تتطلب التعديل. وسوف أقوم في الأسبوع المقبل وبناءاً على المادة 12 من الاتفاق السياسي الليبي بعقد إجتماع في مكاتب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للجنة الصياغة للعمل على صياغة هذه التعديلات.
وبمجرد اعتماد التعديلات، تبدأ المرحلة الثانية المتمثلة في مؤتمر وطني. إذ يهدف مثل هذا المؤتمر إلى فتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الإنضمام إلى العملية السياسية. وستمثل هذه اللحظة تجسيداً للمصالحة الوطنية بينهم. ولكي يكون هذا المؤتمر شاملاً، من الضروري أن يجمع بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكثيرون غيرهم ممن لا يحظون بتمثيل كافٍ أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين. وسيكون من دواعي الشرف للأمم المتحدة استضافة هذا المؤتمر تحت رعاية الأمين العام.
وسيجري في هذا المؤتمر تحديد واختيار أعضاء مؤسسات البلاد التنفيذية التي تمت إعادة تشكيلها وذلك على أساس توافقي.
وبعد المؤتمر، يتعين على مجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور العمل بصورة متوازية.
وسيكون من المتوقع من مجلس النواب إيلاء الأولوية لإصدار تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية. وأدعو جميع اعضاء البرلمان إلى الإضطلاع بمسؤولياتهم كممثلين عن الأمة الليبية وإعادة تفعيل صلاحيتهم التشريعية.
وستكون الفرصة متاحة أمام هيئة صياغة مشروع الدستور لمراجعة وتنقيح عملها، مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات والاقتراحات التي قُدمت أثناء المؤتمر.
ويجب أن يرتكز هذا التسلسل السياسي على إحراز تقدم ملموس في عدد من المجالات وهي:
يجب على المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن تستعد للأحداث الانتخابية. وتقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم المطلوب.
يجب إقامة حوار مع الجماعات المسلحة، بهدف إدماج أفرادها في نهاية المطاف في العملية السياسية والحياة المدنية.
يجب أن تكون هناك مبادرة لتوحيد الجيش الوطني.
يجب مواصلة جهود المصالحة المحلية وتكثيفها.
يجب اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة قضية النازحين داخلياً الهامة، بما في ذلك من خلال آلية تمويل مكرسة لهذا الأمر.
وفي الوقت ذاته، ستعمل أسرة الأمم المتحدة برمّتها، السياسية والإنسانية والإنمائية، على تكثيف عملها لتحسين حياة الشعب الليبي. وأدعو الدول الأعضاء إلى المشاركة في جولة جديدة من التمويل لصندوق الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار، كي يتسنى له توسيع نطاق خدماته بدرجة كبيرة.
وفي غضون سنة من الآن، يجب أن نصل إلى المراحل النهائية للعملية. وهذه المراحل تشمل إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، يلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، مؤشرين بذلك وبكل وضوح نهاية المرحلة الانتقالية.
وهذه العملية، في جميع مراحلها، ترمي في الواقع إلى تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، الأمر الذي سيعدّ إيذاناً بدخول ليبيا في الحياة المؤسسية والسياسية الطبيعية.
هناك الكثير مما ينبغي عمله، وهذه الخطة بالتأكيد خطة طموحة. ومع ذلك، إذا كان بإمكان الشعب الليبي أن يجتمع معاً بروح من التراضي وأن يصوغ معاً منظوراً وطنياً مشتركاً جديداً، فإن هذه الخطة قابلة للتحقيق.
وللمجتمع الدولي دور حاسم يؤديه هنا. معاً، يمكننا دعم الليبيين وذلك بأن نتوحد حول عملية واحدة، عملية تقودها ليبيا ونساعد جميعاً في تحقيقها.
إن المبادرات السابقة التي قدمتها الدول أو المجموعات الأعضاء لهي مبادرات قيّمة ويجب علينا الاستفادة منها. مع ذلك، نحن الآن في منعطف. فإما أن نعمل معاً ونمنح ليبيا أفضل فرصة لها، أو أن نعمل منفردين ونبث الفوضى. ثمة خطر حقيقي من أن تزايد المبادرات سوف يسلب الليبيين فرصتهم، وأنا واثق من أننا يمكن أن نعمل جميعاً معاً لمنح ليبيا الفرصة لتحقيق الإنتعاش والرخاء الذي تحتاجه وتستحقه بالتأكيد