رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


99 عاماً على ميلاد قيثارة الغناء ليلى مراد .. صعوبات البداية وسنوات العزلة

17-2-2017 | 11:33



كتب خليل زيدان:
في مثل هذا اليوم من 99 عاماً ولدت ليلى مراد ، الظاهرة التي لم ولن تتكرر ، ظاهرة فريدة في عالم الطرب ، أسعدت الدنيا بصوتها الملائكي وحيرت بأغنياتها عقول محبيها ولم  يعرف هويتها الدينية فقد سحرهم إبداعها فتهاهت من ألسنتهم التساؤلات .

وكأن مولدها في السابع عشر من فبراير جاء مع فجر ربيع مصر ، فحسب وصف الكاتب والمؤرخ أشرف غريب في كتابه "الوثائق الخاصة لـ ليلى مراد" رصد بحرفية شديدة حالة بدايات النهضة وقت مولد ليلى ، فقد كانت مصر في حالة مخاض في عدة نواحِ على المستوى السياسي كانت فترة الإعداد لثورة 1919 وما تلاها من حصول مصر على استقلالها حتى ولو كان صورياً متمثلاً في حصول مصر على تصريح 28 فبراير 1922 ودخول مصر الحياة البرلمانية ، وأيضاً على المستوى الاقتصادي ظهور نخبة من المصريين الوطنيين على رأسهم طلعت حرب توشك أن تصبح كيانا اقتصادياً يغمر مصر بروائع المشروعات التي ينعم بها الشعب .. وأيضاً من الناحية الاجتماعية فواكب مولدها دعوة قاسم أمين ورفاقه لتحرير المرأة ، وعلى المستوى الفني فكانت بدايات النهضة في حركتي المسرح والموسيقى على يد الشيخ سلامة حجازي ومن بعده منيرة المهدية ، تزامناً مع بزوغ نجم فنان الشعب سيد درويش ليبدأ نقلته الموسيقية بتحرير الأنغام من العثمانية إلى الشرقية المصرية بمساعدة نجيب الريحاني .. إذن مما سبق نستشف أن ميلاد ليلى جاء كوردة تفتحت مع قدوم الربيع.

ويؤكد غريب أنه لولا تلك النهضة والتطورات التي طالت مصر لظلت الفنون والموسيقى أسيرة فئة معينة وما ظهر عبد الوهاب أو أم كلثوم ومن بعدهما ليلى مراد .. وأيضاً ذلك الجو المفعم بالحركة والتطورات هو الذي جعل الشعب نسيجاً واحداً وأعطى لوالد ليلى مراد المطرب زكي مراد المساحة في الإبداع دون أي حساسية تجاه ديانته اليهودية ، وأيضاً تتلمذه على يد سيد درويش وداوود حسني ، وهو ما وفر مناخاً فنياً تشبعت منه ليلى مراد من سنوات الطفولة إلى بداية الشباب.  

ورثت ليلى مراد جمال الصوت عن أبيها وتشبعت منه بالقدرة على الغناء ومع بداية الثانية عشرة من عمرها بدأت تجوب معه قرى ونجوع مصر مما جعل صوتها أكثر نضجاً حسب وصف غريب الذي يؤكد على منح فرصة من الفنان مدحت عاصم للموهبة الجديدة ليلى مراد عند افتتاح الإذاعة عام 1934، وحقق هذا لها قدرا من الانتشار وهي في سن السادسة عشرة من عمرها .

وتأتي نقطة التحول الكبيرة في حياة ليلى مراد وهي بداية عملها بالغناء فقط في فيلم الضحايا عام 1932 مع الممثلة بهيجة حافظ.

ويضيف المؤرخ أشرف غريب أن بهيجة كانت قد أنتجت فيلم "الضحايا" صامتاً مع بدء السينما الناطقة بفيلم "أولاد الذوات" ثم فيلم "أنشودة الفؤاد" بطولة المطربة نادرة ، فشعرت بهيجة بالمأزق فقامت بإضافة شريط صوت للفيلم بعد عامين مع نجاح الفكرة في تحويل فيلم "كشكش بك" إلى فيلم ناطق ، ولم تكتف بذلك بهيجة بل أرادت أن تتميز فأضافت ثلاث أغنيات لفيلم "الضحايا" منها أغنية لـ ليلى مراد وهي أغنية "يوم الصفا" ، وقد صدمت ليلى من عدم ظهورها في الفيلم ولكن والدها طمأنها بأنها البداية فقط وقد تكون بداية الشهرة والمجد لها وقد عرض الفيلم في الثالث من يناير عام 1935 .

وبعد ثلاث سنوات تأتي لـ ليلى مراد فرصة من ذهب على يد صديق والدها المطرب محمد عبد الوهاب حيث رشحها للقيام بدور البطولة أمامه في ثالث أفلامه "يحيا الحب" .. هنا تظهر عدة صعوبات رصدها أشرف غريب منها أن العمل مع عبد الوهاب كان سلاحا ذي حدين ، وهما صعوبة الوقوف  أمامه وأيضاً مقبرة أفلامه !! نعم فقد توقع النقاد مصير تلك النجمة الشابة بنت العشرين عاماً وهي أن يلحق بها ما لحق ببطلتي فلميه السابقين وهما سميرة خلوصي في الوردة البيضاء ونجاة علي في دموع الحب ، حيث توارت النجمتان ولم تحققا أي مجد بعد العمل مع عبد الوهاب ، والصعوبة الأكبر كانت في عدم اقتناع محمد كريم مخرج الفيلم بها حيث يرى بها جمالاً يقتله الخجل ويؤثر في قدرتها على التمثيل ولكن تحت إصرار عبد الوهاب ومساندته لـ ليلى مراد تمكنت من إتمام دورها في الفيلم ، بعد أن أصابها الإغماء خمس مرات أثناء تصوير مشاهد الفيلم وإصرار محمد كريم على إعادة مشهد واحد تسع مرات متتالية مما أعطاها شعوراً بقسوة المخرج وكادت تعتذر عن تكملة الفيلم لولا كلمات عبد الوهاب التي كانت تطيب خاطرها .. وعرض الفيلم يوم 24 يناير 1938 وقد حققت نجاحاً باهراً والمثير في الأمر أن ليلى مراد خيبت ظنون من كانوا يعتقدون أنها ستنال مصير الأخريات من بطلات عبد الوهاب بل انطلقت في عالم السينما لتقوم ببطولة 26 فيلماً بعد ذلك ويكفي أنها المطربة الوحيدة التي اقترن اسمها بسلسلة من الأفلام منها "ليلى بنت مدارس" و"ليلى بنت الريف" و"ليلى" و"ليلى في الظلام" و"ليلى بنت الفقراء" و"ليلى بنت الأغنياء" وسيظل فيلم "غزل البنات" خالداً في وجدان جمهور السينما ومحبي صوت ليلى مراد.

 وتختتم ليلى مشوارها الفني بفيلم "الحبيب المجهول" مع حسين صدقي عام 1955 وهي في قمة الشباب والعطاء تحت وطأة دوافع مازالت مجهولة حتى الآن.

 ومن عام 1955 حتى رحيلها عام 1995 ظلت ليلى مراد في عزلة وقد حاولت العودة عدة مرات للفن لكن كانت هناك حجج واهية من المؤسسة العامة للسينما مرة بسبب زيادة وزنها ومرة أخرى بسبب عدم توافر ميزانية لعمل أفلام غنائية واستعراضية مثل أفلامها السابقة وكأن أيد خفية جعلت ليلى مراد في عزلة عن عالم الفن لمدة أربعين عاماً ، وعزاؤنا ما تركته لجمهورها ومحبيها من روائع الأفلام والأغنيات التي مازالت أصداؤها في وجدان العرب من المحيط إلى الخليج.