يعتبر كامل الخلعي أحد أهم أعلام الموسيقى البارزين في القرن العشرين، حيث كان له الاهتمام البارز بالموسيقى العربية وتطورها، وكان متابعًا لأثر الموسيقى التركية فيها.
وُلد محمد كامل الخلعي في عام 1881، بمدينة كوم الشقافة، بمحافظة الإسكندرية،حيث قضى فيها سنوات صباه الأولى، إلى أن انتقل مع والده "محمد سليمان الخلعي" إلى القاهرة.
وتعلم الموسيقى على يد أعلام الموسيقى البارزين الذين كانوا يتردّدون على شارع محمد علي، بينما كان يعمل في كتابة اليفط في الشارع، حيث التقى الخلعي بالشيخ محمد توفيق البكري الذي كان يهوى الفن، فقدمه في ندواته التي كان يقيمها في قصره بالخرنفش.
ثم تصادف أن جاء من دمشق إلى مصر "أبو خليل القباني"، فأعجب بموهبة كامل الخلعي في الموسيقى والتلحين، واصطحبه معه إلى الشام، وهناك، تنقل بين المدن السورية المختلفة، وزار بغداد وإسطنبول وتونس، ودرس الموشحات الأندلسية، ولكنه -في الوقت نفسه- كان شديد التمسك بالموسيقى الشرقية وتراثها.
عرف عن كامل الخلعي عبقريته الفذة في التلحين، ونظمه للشعر، وكتابة المقال في الأدب والموسيقى إلّا أنه كان صاحب شخصية متمردة، وطباع غريبة.
وفي مقال للكاتب الكبير توفيق الحكيم، يقول عن علاقته بكامل الخلعي: "أما أنا، فقد عرفته 1923، إذ كلّفته فرقة عكاشة أن يلحّن رواية لي، وهي أوبريت (خاتم سليمان)، فكان من الضروري أن ألقاه من حينٍ إلى حين، وأن أصغي إليه، وقد وضع على رأسه كلبوشًا من الصوف، وارتدي معطفًا قصيرًا مرتفعًا فوق سروال ينتهي بقبقاب في قدمه من خشب، وفي صدره العود يضرب عليه بأنغام رائعة لا يفسده إلّا صوته الأجش الذي لا يقطعه سعال التبغ الرخيص يخرج من حنجرته كأنه خارج من ماسورةٍ خربة في ماكينة طحين".
ويتحدث الحكيم عن صوت الخلعي الأجش وعبقرية ألحانه، راصدًا المستوى المعيشي الذي كان يحياه، قائلًا: "إذا انتهى من بعض الألحان، طرح العود، وهبّ واقفًا ليذهب معي إلى التياترو لتحفيظ الجوقة، ونهبط ذلك من السلم من منزله حتى القلعة الذي كان يخيّل إليّ في كل مرة أنه سينهار بنا في أثناء النزول لرقة خشبه، وطقطقته تحت أقدامنا”.
ويكمل الحكيم مقالته، مشيرًا إلى طباع الخلعي وفوضويته، فهو الفنان الذي لا يعنيه سوى تفاصيل فنه: “ألتفت إلى صديقي الموسيقي، فألاحظ العجب أنه ينزل بثياب المنزل، ويسير إلى التياترو في أهم شوارع القاهرة، ولكني لم أنزعج، ولم أخجل من مصاحبته.. إنه كامل الخلعي وكفى".
ويستطرد الحكيم في مقاله، ساردًا مواقف الخلعي التي تنم عن شخصية فنان لا يعبث بالعالم: "يقف سي كامل بائع كيزان صفيح لزوم المطبخ أو الزير، ويشتري بكل ما معه نحو عشرة كيزان، وربطها له البائع، ووضعها فوق كتفه، واستأنفنا السير وأنا أقول له: أنذهب بها إلى التياترو؟، فيقول على الفور: وماله هو أنا سارقها".
ولكن من أغرب المواقف التي ذكرها الحكيم، حينما صادفه الشيخ سلامة حجازي ذات يوم، وقد طرح عوده وفنه، وحمل صندوق لمسح الأحذية، حيث أخذ يطوف به خلال المقاهي، وناداه الشيخ متعجبًا قائلًا: “جرى إيه يا سي كامل؟، وأراد أن يعطيه مبلغًا من المال، فقال الفنان وكأنه لا يعرفه: قرش تعريفة واحد ثمن المسحة، ولم يأخذ غيره، ومسح له حذاءه، ومضى رافعًا رأسه.
توفي كامل الخلعي في عام 1931، وشُيّعت جنازته من منزله الكائن بإحدى حارات شارع محمد علي بالقلعة بعد أن وضع الألحان للكثير من المسرحيات منها: كارمن، وكان زمان، والتلغراف، وتاييس، وروزينا، وإكسير الحب، والتالتة تابتة، وآه يا حرامي، والشرط نور، وقيصر وكليوباترا، والشرف الياباني، والإيمان، ومبروك عليك، والسعد وعد، والبدر لاح، كما ان له كتاب بعنوان"الموسيقى الشرقي".