رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سندباد الألحان (2)

24-9-2017 | 12:06


بقلم: الموجي الصغير

كانت هناك مرحلة أخرى اكتشف فيها بليغ حمدى الأصوات الجديدة حيث قدم هذه الأصوات في برنامج بعنوان (جديد فى جديد) منها سوزان عطية ومحمد الحلو وتوفيق فريد وعلي الحجار، كما أعاد من خلال هذا البرنامج المطربة الكبيرة ليلى مراد إلى الغناء بعد فترة توقف لتقديم بعض الأغانى فى هذا البرنامج مثل «مسا الجمال علي حبايبنا» والتي قدمتها بعد ذلك الفنانة التونسية لطيفة ثم عادت الفنانة ليلي مراد واعتزلت مرة أخرى.

لم تقتصر إبداعات بليغ حمدي علي ألحانه لكبار المطربين والمطربات فقط ولكنه أيضا تعاون مع جيل الشباب وكان من أبرزهم المطرب الكبير أمير الغناء العربي هاني شاكر الذي لحن له من خلال أفلامه الأولي مثل «عندما يغني الحب وعايشين للحب» وتعاون معه أيضا من خلال الحفلات، حيث قدم له «أيام بتدور بينا» كلمات الشاعر محمد السيد محمد وأغنية «هو ياقلبي اللي اختار» للشاعر الكبير محمد حمزة والتي كان من المفترض أن يغنيها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ولكن العندليب أجلها لانشغاله مع الموسيقار الكبير محمد الموجي في رائعتهما «قارئة الفنجان» وبسبب هذا التأجيل تصدعت العلاقات بين بليغ وحليم وبعد وفاة العندليب اعطاها بليغ لهاني شاكر الذي غناها باقتدار كعادته.

ومروراً بالأصوات التي لحن لها كان التعاون بين بليغ والكينج محمد منير في أغنية «اشكي لمين» وبعد عودته من باريس إلي مصر لحن أغنية «أنا م البلد دي» التي جمع فيها معظم المطربين الشباب وقتها «عماد عبدالحليم وأنغام وإيهاب توفيق ومني عبدالغني وطارق فؤاد وشيرين وجدي ووائل سامي وغادة رجب» وكانت الأغنية كلمات الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد وكانت آخر أعمال بليغ حمدي الفنية من خلال مسلسل «بوابة الحلواني» كلمات الشاعر الكبير سيد حجاب وغناها المطرب علي الحجار.

وبالنسبة للأصوات التي اكتشفها كان من أبرزها صوت المطربة الكبيرة عفاف راضي حيث قدم لها أعمالاً كثيرة منها (ردوا السلام) (هوا يا هوا) (وحدي قاعدة في البيت) وغيرها من الألحان الناجحة الكثيرة التى ثبت بها صوت هذه المطربة الكبيرة وجعلها من كبار المطربات فى العالم العربى.

واكتشف بليغ أيضاً صوت الفنان علي الحجار ... وبهذه المناسبة أتذكر أنني أول من اكتشف صوت الفنان علي الحجار قبل بليغ حمدي حيث كان أخي وحبيبي الفنان أحمد الحجار زميلي في كلية التربية الموسيقية وقال لي ذات يوم: إن أخي علي الحجار طالب في كلية الفنون الجميلة وهو صوت جميل ويريد التعرف عليك وكنت قبلها قد شاهدته في برنامج «كاميرا9» مع المذيعة أماني ناشد بعدما كنت أنا أيضا ظهرت في نفس البرنامج وقد رحبت بالتعرف علي علي الحجار وسمعته وتحمست لصوته الذي أبهرني بإمكانياته الجبارة وإحساسه العالى وقد عرفت منه أنه يغني في فرقة التخت العربي التي كان يديرها رجل الأعمال حسين الإتربى فكلانا أنا وعلى كنا في بداية المشوار نتحسس طريقنا الفني معاً وعند استماعي له وجدت أن صوته جميل ورائع ولحنت له وقتها لحنين هما مشوار الدنيا كلمات د. سامي عبد العزيز "وكل شيء في الدنيا حلو" كلمات الأخ والصديق عادل غالي وتوجهت بصوت علي إلى الوالد الموسيقار محمد الموجي ليستمع إلينا ليقول رأيه في صوت علي الحجار ورأيه في ألحاني له فكان رأيه جميلاً ومشجعاً لنا حيث قال أنتما رائعان وصوت علي الحجار به إمكانيات رائعة ويصلح أيضاً للمسرح الغنائي وتوجهنا بعد ذلك إلي الموسيقار أحمد فؤاد حسن بمكتبه في الفرقة الماسية في شارع عدلي لنجد أمامنا الموسيقار حلمي بكر الذي استمع إلينا بدوره وكان رأيه مشجعاً جدا.. وقال لنا أحمد فؤاد حسن في أقرب وقت سوف أرسل لكما لتقديمكما في أقرب حفل وتأخر علينا ولم يرسل لانشغاله في بعض الأعمال فلم ننتظره واتجهنا إلي الإذاعة والتليفزيون لعمل بعض اللقاءات التليفزيونية وكان برنامج "النادي الدولي" الذي كان يقدمه الفنان والإعلامي الكبير سمير صبري عام 1976 وشاهدنا واستمع إلينا الفنان عبدالحليم حافظ وكان رأي العندليب مشجعاً لنا حيث قال "انتم الاثنين حلوين جداً" وصوت علي جميل وهذا الرأي قاله لي الفنان العندليب عبدالحليم حافظ عند حضوري لإحدى بروفات قارئة الفنجان وبعد هذا التشجيع الجميل الذي كان من العملاقين .. الموجي وحليم بدأنا نتجه للإذاعة في لقاءات كثيرة مثل برنامج (الليل والفن والسهر) الذي كان يقدمه الاعلامي الكبير محمد أنور. وهكذا كنا معاً نسعى لتقديم أعمالنا إلى أن قابلت مستشارة الإذاعة السيدة إليس عبد الملك بمبنى الإذاعة وأخذت منها ميعاداً وأخبرتها أن معي صوتاً جميلاً أريد أن أسمعه لك فذهبت أنا وعلي إلى منزل السيدة أليس عبد الملك بشارع رمسيس واستمعت إلينا وإلى الألحان التي لحنتها لعلي وغناها بصوته وأعجبت جداً بنا وتحمست لصوت علي وقالت سوف أرتب موعداً لمقابلة وردة وبليغ بعلي الحجار، حيث إنها كانت صديقة مقربة لهما.

وبالفعل كان الميعاد واللقاء وذهب علي الحجار لمقابلة الموسيقار بليغ حمدي وفضلت ألا أذهب معه لإعطائه الحرية في الحديث مع بليغ وقد أسمعه علي ألحاني وأعجب بها ولكنه قال له أجل هذه الألحان إلى حفلة أخرى لأنني سأقدمك في حفلة بأغنية من ألحاني وكانت أغنية (على قد ما حبينا) كلمات الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور وكان هذا في مطلع عام 1977 وبالفعل غنى علي الحجار الأغنية ونجح نجاحاً كبيراً وبعدها وقع عقد احتكار مع الموسيقار بليغ حمدي لمدة ثلاث سنوات بأن لا أحد غيره يلحن له لحين الانتهاء من مدة العقد. وتعطلت مسيرتي الفنية بهذا العقد مع علي الحجار ولكن الأهم عندي كان نجاح علي الحجار وتألقه لأنه بالنسبة لي الأخ والحبيب والصديق والصوت الجميل الذي كنت ومازلت متحمساً له وأحبه وأحب أن ألحن له ، وهكذا كان الموسيقار بليغ حمدي سبباً في نجاح وشهرة علي الحجار.

بليغ حمدي كان يمتلك شخصية متفردة في عالم الموسيقى والغناء ولم يترك لوناً من ألوان الغناء إلا وكان بارعاً فيه ويضع عليه بصمته المميزة والواضحة مثل مشواره مع الفنان محرم فؤاد الذي قدم له أعمالاً كبيرة منها «آدي حالك ياهوى- تعب القلوب - كله ماشي - سلامات ياحبايب» وغيرها من الأغاني الناجحة ، كما أضاف لمشوار فايزة أحمد الفني علامات مميزة منها أغانى «علشان بحبك أنا، اتحسدنا ولا إيه، ما تحبنيش بالشكل ده ، وحسادك علموك، وحبيبي يامتغرب» وكان سندباد الألحان الذي يسافر لجميع البلاد العربية والأجنبية ليتعرف على ألوانهم الموسيقية والغنائية وإيقاعاتهم ويبحث عن كل ما هو حديث وجديد بالمغرب العربي وشبه الجزيرة العربية ليستخدم إيقاعاتهم ونغماتهم وموسيقاهم ويضفي عليها الجديد والجميل ببصمته الشرقية وشخصيته الموسيقية المتطورة.

بليغ حمدي هو الصديق الثالث للموجي والطويل رغم أنهما سبقاه بثمانية أعوام ولكن استطاع بليغ اللحاق بهما والوقوف بجانبهما كما قال الموجي والطويل. وأصبح مثلث التجديد في الموسيقى والغناء وكانت الصداقة هي السمة الرئيسية لهذا المثلث الرائع وكان الحب هو الأساس لهذه الصداقة وكان العندليب عبد الحليم حافظ هو القلب الكبير الذي جمع بين الأصدقاء الثلاثة الذين جمعت بينهم الصداقة والحب والوفاء والفن الجميل.

وبمناسبة الصداقة والحب أذكر أنهم كانوا دائمي السؤال عن بعضهم البعض والاستفسار عن أحوالهم والاطمئنان بين الحين والآخر.

وأذكر عندما كان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ يجري عمل المونتاج في الاستوديو على قصيدة (رسالة من تحت الماء) لحن الموسيقار محمد الموجي وشعر الشاعر الكبير نزار قباني كان موجوداً في الاستوديو الموسيقار بليغ حمدي مع عبد الحليم حافظ وسهرا معا لعمل المونتاج على القصيدة في غياب الموجي، حيث كان يمر بوعكة صحية وبعد الانتهاء من المونتاج طلب حليم وبليغ الموجي هاتفياً للاطمئنان عليه وليطمئناه أن المونتاج تم بنجاح وقالا له كأنك موجود يا محمد- وقال حليم للموجي إن بليغ حمدي قعد معايا ساعتين لاجراء المونتاج على القصيدة بتاعتك.. وشكر الموجي صديقه بليغ على ما بذله من جهد مع حليم. هذا هو الحب وهذه هي الصداقة التي كانت تجمع بينهم في زمن الحب والفن الجميل.

وأذكر أيضاً عندما حدثت الحادثة المؤسفة التي ابتعد على أثرها بليغ حمدي عن أرض الوطن وسافر إلى باريس لمدة خمسة أعوام - كان بليغ لا يكف عن السؤال عن أصدقائه وكان لا يتوقف عن الإبداع وهو بعيد عن وطنه الذي كان يعشقه فأبدع بعض الألحان منها أغنية "رغم البعد عنك" وغنتها الفنانة عفاف راضي "وبودعك" غنتها المطربة وردة الجزائرية «وخليك ياقمر سهران» كلمات الشاعر الكبير رضا أمين وغناء المطربة الكبيرة نجاة وتوزيع الفنان العبقري يحيي الموجى والكثير من الأعمال الناجحة التي كان يرسلها إلى القاهرة للتنفيذ وكان لها الأثر الكبير على الجماهير. وكان دائم السؤال عن صديقه الموسيقار محمد الموجي وكان يسأله عن مصر وماذا يجري فيها من أحداث ومن موسيقى وألحان وغناء وكان يرد الموجي عليه بأن كل شيء مستقر ولكن ينقصنا وجودك يا بليغ.

وحدث ذات يوم أن اجتمع الرئيس الأسبق حسني مبارك بفناني ومبدعي مصر بمعرض الكتاب ليتناقشوا في بعض الأمور الفنية في جميع المجالات من موسيقى وغناء وسينما ومسرح وماذا سيقدمون لمصر من إبداعاتهم وفنونهم وأيضاً لمناقشة بعض المشاكل التي تواجههم وفي نهاية الاجتماع قال الرئيس السابق هل لكم طلبات أنفذها لكم فقام على الفور المطرب الكبير محمد رشدي رافعاً يده فقال له الرئيس : ماذا تطلب يا رشدي؟ قال له المطرب الكبير أنا عايز بليغ يرجع يا ريس ووقف الموجي بعده رافعاً يده أيضاً وقال له وانت يا موجي ماذا تطلب؟ قال له الموجي أطالب بالعفو عن بليغ حمدي وأطالب بعودته إلى مصر وضجت القاعة بالتصفيق الحاد عندما طلب رشدي والموجي عودة بليغ حمدي إلى مصر التي كان يعشقها ويعشق ترابها. قال لهم الرئيس السابق : أنا عارف أنكم بتحبوه خلاص سأرجعه إلى مصر ولم يمر شهران على هذا الاجتماع حتى عاد بليغ إلى مصر وكان أول بيت زاره هو بيت الموسيقار محمد الموجي بعد أن علم أن الموجي طالب بعودته إلى مصر في الاجتماع وبالفعل كلنا كنا في استقباله، ولن أنسى عندما فتحت الباب لاستقباله فتح ذراعيه وقال لي «ازيك ياموجي يا صغير» وأخذني في أحضانه وقال لي المفروض أنك كبرت بقي ويبقي اسمك الموجي الكبير.. فرددت عليه طيب والوالد الموجي الكبير؟! فبادرني بقوله: لا الوالد هو الموجى العظيم وضحكنا علي خفة دمه المعهودة ودخل البيت ممسكا بذراعي واستقبلناه جميعا، والدي وأنا وأخوتي ووالدتي الحاجة أم أمين التي زغردت له عندما رأته داخل البيت ومع الزغاريد كان العناق بين الموجي وبليغ وكانت الدموع والأحضان هي عنوان الحب والصداقة والوفاء بينهما.

بليغ حمدي هو هرم من أهرامات الموسيقى العربية وكل من جاء من بعده تعلم منه الكثير من الموسيقيين والملحنين والمبدعين لأنه كان مدرسة التجديد في الموسيقى العربية وكان أيضاً طوفان الألحان، حيث أبدع أكثر من 1500 عمل غنائي ما بين الأغنية العاطفية والدينية والرومانسية والدرامية والوطنية والاستعراضية والشعبية وأغاني الأطفال.

فى أغانى المجاميع مثل «صدق وعده وبسم الله»، بليغ حمدي هو علامة مميزة في المسرح الغنائي رغم قلة أعماله المسرحية ولكن كان لها تأثير كبير وكانت علامات بارزة في تاريخ المسرح الغنائي مثل : (مهر العروسة - تمر حنة - ياسين ولدي - ريا وسكينة - ست الكل) ولحن لمسرح العرائس (مسرحية عروسة المولد) وأضاف أيضاً إلى الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية بعداً درامياً شرقياً جميلاً مثل أفلام (شيء من الخوف - أضواء المدينة - آه يا ليل يا زمن - نار الشوق - صوت الحب) وأيضاً في الموسيقى التصويرية والمسلسلات التليفزيونية منها (أوراق الورد - بوابة الحلواني - إلا الدمعة الحزينة - بعد الضياع - المشربية) وبعض المسلسلات الإذاعية منها (حب ونغم - سماح والبنات الملاح - الحب الضائع - حبي أنا - سنة أولى حب) وأيضاً أبدع المقطوعات الموسيقية وقدم موسيقى (هانم - دندش - سمر - صحراء وهي بالطابع الهندي) ومقطوعات أخرى كثيرة وشارك بألحانه في أفلام كثيرة منها (آه يا ليل يا زمن - امرأة قتلها الحب - ابنتي العزيزة - الشيماء - نحن لا نزرع الشوك - حكايتي مع الزمن - صوت الحب - أبي فوق الشجرة) ولحن لمعظم مطربي مصر والعالم العربي وكانت ألحانه لهم علامة بارزة في مشوارهم الفني ساعدت على انتشارهم ونجاحهم وشهرتهم.

حصل الموسيقار الكبير بليغ حمدي على وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم عام 1965 وميدالية يوم الإعلاميين عام 1984 وشهادة تقدير من البيت الفني للفنون الشعبية بوزارة الثقافة عام 1985 وشهادة تقدير من الجمعية المصرية لفن السينما عن دوره في إثراء الموسيقى التصويرية عام 1990 وميدالية طلعت حرب من نقابة المهن التمثيلية ليتوفى أخيراً فى 12 سبتمبر 1993.

رحم الله غواص الألحان

رحم الله طوفان الألحان

رحم الله بلبل الألحان

رحم الله سندباد الألحان

رحم الله أحد أهرامات الموسيقى العربية

رحم الله الموسيقار الكبير بليغ حمدي والذى سافر من غير وداع.

وحقول إيه .. رحم الله عمالقة الفن والموسيقى والغناء ورحم الله زمن الفن الجميل.