تحقيق: إيمان النجار
الإقبال على الجنس ليس فقط فى فتاوى المشايخ الشاذة أو فى فضائيات الفتنة الجنسية وإنما أيضا فى عيادات العلاج الجنسى التى زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية لدرجة أنها أصبحت ظاهرة بسبب كثرة الإقبال عليها.
«علاج الضعف الجنسي.. علاج الاضطرابات الجنسية.. استشارى الصحة النفسية، واستشارى العلاقات الزوجية» مصطلحات كان يتم تردديها على استحياء لسنوات طويلة، بل ويخجل حتى الأفراد من التوجه لعيادات الأطباء لاستشارتهم، غير أنه بمرور السنوات تغير الوضع بشكل ملحوظ، فالحديث عن الجنس، والأزمات المرافقة له، لم يعد من الممنوعات أو المحرمات، فمعدلات التردد على العيادات فى ازدياد، الأطباء أنفسهم بدأو ا يعلنون عن تخصصهم فى العلاقات الزوجية، فبدأنا نرى لافتة تشير إلى عيادة أخصائى الصحة الجنسية، ولافتة أخرى تخبرنا بـ «استشارى العلاقات الزوجية»، وما إلى ذلك.
الزيادة الملحوظة فى التردد على العيادات للبحث عن السعادة الزوجية والعلاج الجنسى فسرها الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، بقوله: «بداية بالنسبة للمجتمع المصرى هذه ظاهرة جديدة أن تنتشر عيادات لعلاج الضعف الجنسي، حيث كان قبل ذلك علاجه مقتصرًا على تخصص أمراض وجراحات الذكورة، والسيدات أقرب إلى تخصص أمراض النساء، والطب النفسى يعتبر أحد التخصصات الدقيقة بعد أن أصبح يشمل تخصصات كثيرة منها تخصصات الأمراض النفسية والأمراض العضوية التى لها علاقة بالحالة النفسية مثل اضطرابات القلب النفسية واضطرابات العلاقة الجنسية النفسية واضطرابات الجنس النفسية.
ويتداخل فى المجال أيضا تخصص علم النفس بكليات الآداب والتربية على أساس دراستهم النظرية على الإنسان والعلاقات الشخصية والعلاقات الزوجية والإرشاد النفسي، وهذه التخصصات يكون لها دور جزئى أو مساعد فى تناول موضوع الاضطرابات الجنسية، وهناك تخصص أمراض الباطنة، لأن أمراض السكر والضغط وغيرها من الأمراض العضوية تؤثر على النواحى الجنسية، أيضا تخصص الأمراض العصبية له اتصال فى حال تأثر الأعصاب الواصلة للمناطق الجنسية خاصة لو إصابة فى الحوض، أو العمود الفقري، أيضا تخصص جراحات التجميل خاصة عندما يتعلق الموضوع بما هو منتشر حاليا فى العالم من حالة عدم الرضا عن الجنس أو النوع، كل هذه التخصصات تدخل فى موضوع الجنس، كل تخصص له مدخل، وبالتالى كثرة التخصصات المتصلة بالموضوع أصبح يتكرر مسألة عيادة أو دكتور يعالج الضعف الجنسى أو العلاقات.
«د.سعيد» أضاف: ان المايسترو من بين هذه التخصصات فى موضوع العلاقات والعلاج الجنسى الطبيب النفسي، لأنه فى الأصل طبيب درس الطب، وبالتالى يكون على دراية بالنواحى العضوية والنفسية والاجتماعية المحيطة بالحالة، وهو الذى يستعين بأى تخصص اخر من هذه التخصصات، فالطبيب النفسى يرسل لطبيب أمراض الذكورة الحالة مثلا لمعرفة هل أعصاب الجنس سليمة أم لا؟ أو مدى الاستجابة الجنسية للعقاقير المتخصصة، أو لقياس سرعة تدفق الدم الشريانية والوردية فى العضو وهكذا، مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليس كل الأطباء النفسيين يتقنون النواحى الجنسية، و قد تخصصت فى الطب النفسى الجنسى وكنت رئيس الجمعية العالمية للطب النفسى الجنسى لفترة طويلة، وعلى مدار عشرين سنة فى وحدة الطب النفسى الجنسى بقصر العينى وهى أول وحدة متخصصة لم يكن هناك إقبال على هذا التخصص، لكن بدأ فى السنوات الأخيرة نحو خمسة أساتذة يتجهون لهذا التخصص ويهتمون بدراسته، وتستقبل الوحدة طلابًا للحصول على درجات علمية من أقسام الطب النفسى والذكورة وأعدادهم فى تزايد، فيصل عددهم فترة الدراسة من ٧ إلى ١٠ طلاب دراسات عليا، ولم نكن نرى هذا العدد من قبل، والتخصص مهم.
وعن انتشار الأماكن التى تعلن عن تقديم حلول للأزمات والأمراض الجنسية، قال: ما نراه للأسف يؤكد أن الحابل اختلط بالنابل، وبدأنا نسمع ونرى على وسائل الإعلام فتاوى ومعلومات لأشخاص وهم ليسوا على درجة كافية من التخصص والعلم، وبعضهم يسيء للمرضى ويضيع وقته وأمواله دون إفادة حقيقية، وبعضهم للأسف ينقل أفكاره الخاصة وقد تكون غير علمية.
الأمر الثانى - والحديث لا يزال لـ”د.سعيد”- يتمثل فى وجود مشكلة حقيقية، فنسبة الضعف الجنسى الكامل فى الذكور تصل لنحو ١٠بالمائه، وهذه نسبة عالمية وموجودة فى مصر، وبحسبة بسيطة بين الرجال فى سن الزواج نجد أن ٣٠٠ ألف رجل يعانى من عجز جنسى كامل، وهذه مشكلة كبيرة جدا فى حياته فلا يستطيع الارتباط أو الزواج وتتأثر كل حياته، والنسبة الواقعية ترتفع إلى ٥٠بالمائة تشمل العجز الكامل بنسبة الـ١٠ بالمائة ويتدرج من عجز بسيط بنسبة ٢٠ بالمائة وعجز متوسط بنسبة ٢٠بالمائة، وقد شاركت من سنوات فى هذه الدراسة العالمية وهذه النسب كانت موجودة فى إفريقيا وآسيا وفى دول أوربية، ووصلت نسبة العجز الكلى والجزئى فى مصر إلى ٥٢ بالمائة وفى تركيا ٥٠بالمائة، إذن هى مشكلة عالمية وليست فى مصر فقط، والأرقام الكبيرة تعكس أنها مشكلة كبيرة تخص فئة لا يستهان بها، مشكلة حياتية، تقلل من قيمته فمن يعالج هؤلاء؟، فالتخصص مهم جدا، ومن المهم أيضا المهارة والتشخيص الجيد والعلاج الصحيح، وليس المهرجين، وهم كُثر فى الملعب، دون فهم ويضحكون على المرضى ويفتون فى الإعلام دون علم.
الأمر الثالث، كما يرى الدكتور عبدالعظيم، هو أن الحديث فى الجنس لم يعد من الممنوعات أو المحرمات، فالمرأة كانت تظل صامتة ولا تتحرك للسؤال، لكن فى السنوات الأخيرة بدأت تظهر على الفتيات المقبلات على الزواج والسيدات رغبة فى أن تفهم وتريد الاستمتاع بالعلاقة ولا تريد أن تكون سلبية، وهذا يوصف بـ”التغيير المجتمعي”، فعندما يكون الطرفان على فهم بدورهم تكون العلاقة جيدة، وهنا دور الطبيب أن يصل بهم لدرجة التفاهم والتفاعل، وأن يفهم الرجل أن المسألة تحتاج إلى تمهيد، فكثير من الرجال لا يفهمون أن المرأة تحتاج لوقت ليتحقق استعداد فسيولوجى لها، وهذا يسبب مشكلات للزوجة وقد يصل بها الأمر أن تكره الجنس أو العلاقة وتعتبرها “علقة” وليس متعة، وهذه أيضا قيم مجتمعية، فالرجل حر يفعل ما يريد، وهنا الوضع مختلف فليس حرا فى هذه العلاقة حتى دينيا، فلابد من تبادل للمشاعر والمتعة.
وتابع: أصبحنا نرى على مواقع التواصل الاجتماعى محادثات فى المسائل الجنسية، فالموضوع لم يعد سرا، فالكل يتحدث مع الكل، لكن للأسف جزء من المعلومات يكون مغلوطًا أو يقال بطريقة غير صحيحة، وعندما يعانى أحد من المشكلة، قد لا يلجأ إلى المتخصص فيتخبط وقد تزيد مشكلته، فالمشكلة فى التشخيص الجيد والتوجيه السليم.
وعن أسباب المشكلات الجنسية كما يرى الدكتور سعيد ووفق دراسات تبين أن تقريبا ٥٠٪ لأسباب عضوية و٥٠٪ لأسباب نفسية، وكنا قبل ذلك نقول إن ٩٠٪ لأسباب نفسية و١٠٪ لأسباب عضوية، لكن فى السنوات الأخيرة ونتيجة لتزايد الأمراض العضوية التى تؤثر على الحالة الجنسية مثل السكر، القلب والضغط، والآثار الجانبية لبعض العقاقير، كل هذا جعل النسب تتقارب، ومن الممكن أن يعانى المريض الواحد من الجانبين النفسى والعضوي، بمعنى أنه مريض سكر، والسكر أثر على الحالة الجنسية، ولدية أيضا مشكلة نفسية قلق أو أى مرض نفسي، ومن الممكن أن تكون علاقته بزوجته غير جيدة بمعنى يقل الحب أو الاحترام أو الانسجام بينهم أو التفاهم.
مصادر بلجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء كشفت: «زيادة العيادات التى يعالج الأطباء بها المشكلات الجنسية، ترجع لكثرة التخصصات المتصلة بالموضوع، فمنها جلدية وتناسلية ومسالك بولية ونفسية وأمراض ذكورة و نساء وجراحة وباطنة وتخصصات أخرى، والطبيب فى أى من هذه التخصصات يمكنه العلاج الجنسى ويقدم أثناء الترخيص ما يفيد حصوله دورات تدريبية أو شهادات علمية، سواء ماجستير أو دكتوراه فى هذا التخصص أو شهادات خبرة من وحدات عمل بها وهكذا الوضع هنا لا يجب تفسيره على أنه ظاهرة سلبية، فموضوع العلاقات الزوجية والجنسية موضوع حيوى ويهم الكثيرين ويتداخل به تخصصات كثيرة، ومع العلم والتوعية بدأ الأفراد يبحثون عن حل مشكلاتهم وعدم الصمت، كما كان يحدث فى سنوات قبل ذلك.
وعن موقف نقابة الأطباء، ولجنة آداب المهنة، من الشكاوى التى تصل إليها حول موضوع “العلاج الجنسى”، كشفت المصادر أن النقابة وردت إليها شكاوي، من مرضى فى موضوع العلاج الجنسي، منها نماذج تعرضت لضرر أو لأعراض جانبية أو لأطباء يكتبون على اللافتات أنهم معالجون للعلاقات الزوجية أو الجنسية وهم غير متخصصين فى ذلك، ويتم اتخاذ الإجراءات التأديبية، مشيرا إلى أن الشكاوى لا تزال فى المعدل الطبيعى.
فى حين قال الدكتور أشرف مكاوي، عضو مجلس نقابة الصيادلة: الملاحظة ليست فقط فى تغير الثقافة والتوجه للأطباء، لكن أيضا فى التردد على الصيدليات، فأصبح أمرًا عاديا وطبيعيا أن يدخل رجل ويطلب مقوى أو منشط جنسى دون حرج، لكن الغريب فى الأمر أن سن المترددين على الصيدليات لطلب منشط جنسى انخفض لسن الشباب حديثى الزواج، أيضا بدأنا نرى زوجات يطلبن مقويات ومنشطات بلا طعم واضح ليضعنها لأزواجهن، وهذا تغير واضح فى المفاهيم، وأوجد سوقًا ضخما للمحتويات الجنسية لتسجل ثلاثة أصناف مرتبة متقدمة ضمن العشرة أصناف الأدوية الأكثر مبيعا فى مصر، وأسعارها تبدأ من ٢,٥ جنيه وتصل إلى ٢٠ جنيها للقرص لتناسب كل الفئات “.