رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإنسان عدو نفسه

10-6-2023 | 13:45


حسين عثمان

حَتمًا تُصَادِف سجال السوشيال ميديا حول حب وكره الشتاء والصيف، والذي يَشتَد مع ذروة موجة باردة شتاءً أو حارة رطبة صيفًا، ولعل زمام الأمور يفلت من بين يديك فلا تكتفي بالمتابعة وإنما تُشَارِك بقوة تحت ضغط تجربة شخصية سيئة متزامنة مع هذه أو تلك، فقط يفوت على هؤلاء جميعًا وقفة تأمل أصبحت ضرورية هذه الأيام على وجه التحديد، في ظل موجات مناخية متلاحقة هي في الحقيقة هجين مسخ لا هي شتوية خالصة أو صيفية بحتة.

أدعوكم بصرف النظر عن هواكم الشتوي أو الصيفي وعلى اختلاف أعماركم، لتأمل ملامح الموسمين في السنوات الأخيرة مقارنة بنفس الملامح على مدار خبراتكم العُمرية معهما، وقتها سوف تُلاحِظ أن شتاءنا لم يعد هو الدافئ المُشمِس المُمطِر مَطرًا مُحببًا إلى القلب، كما أن صيفنا لم يعد هو الحار بلُطف قليل الرطوبة الواهب نسمات هواء خاصة جدًا في صباحه الباكر أو مساءه الممتد حتى فجر اليوم التالي، كلاهما ذهب ولم يعد منذ سنوات ولعل العودة باتت مستحيلة.

توقيت السنة حتى لم يعد مُنضَبِطًا على مواسم أربعة كل منها ثلاثة شهور، فموسم الربيع مثلًا المتزامن مع احتفالنا بعيد الأم غابت ملامحه تمامًا لسنوات طويلة ماضية، لم تَعُد الدنيا "ربيع" ولا الجو "بديع" ولا حتى أوضاع الحياة الصعبة الضاغطة تقبل بوصية السندريلا سعاد حسني "قفلي على كل المواضيع" احتفالًا بنسمة هواء وسط خضرة تزينها ورود تتجدد بها الأرواح وتتعافى الأبدان، الدنيا والجو والهواء والخُضرَة والورود والأرواح والأبدان في حالة يُرثى لها يا ست سعاد.

موسم الخريف أيضًا المُمتد فَلكيًا من سبتمبر حتى ديسمبر، المُصَنَف تاريخيًا أفضل مواسم الطقس في مصر بوسطية شمسه وهوائه الخاصة جدًا، لم يَعُد في الآونة الأخيرة بذات ملامحه المُمَيزَة، وإنما صار امتدادًا لصيفٍ حار خانق برطوبة تغطي الجسم بطبقة سميكة لزجة في واقع الأمر، يُمَهِد بدوره لشتاء قارص البرودة عاصف الأمطار إلى حد تساقط الثلوج، يأتي فجأة على غير موعد ضيفًا ثقيلًا يعصف بالأبواب ويقلق الراحات قبل أن يُنهِك الأجساد ويُظلِم الأرواح إلى حد العتمة.

ملامح المناخ تغيرت أو بالأحرى تشوهت إلى حد المسخ في العالم كله وليس في مصر وحدها، والفاعل في كل مكان هو الإنسان على اختلاف أنماطه، هو الجاني الحقيقي الذي فعل فعلته وذهب يسخر منها على صفحات السوشيال ميديا، هو عدو نفسه الذي أخذ على عاتقه ضرب الطبيعة في مقتل، أهدر المياه إلى حد الجفاف ولوث الهواء إلى حد التسمم، وكلما منحه الله قدرةً اجتهد في تجبره طامعًا في سطوة لم تَأتِ إلا على حساب الفِطرَة.

ناصر بسلامته ثورات صناعية متجددة آمِلًا في راحة ورفاهية غاب عنه أنها لم تُكتَب له في الدنيا من الأصل.. (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا – الأحزاب 72).. وفي موضع آخر يقول سبحانه وتعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ - البلد 4).. لم نكن نملك لحياتنا إذًا إلا التحسين المستمر على ما خُلِقنا وفُطِرنا عليه، ولكن خلافة الله في أرضه كانت خدعة الإنسان الكبرى.

أوهمته أنه يملك الدنيا بما ومن فيها، فاجتهد بقوة طوال الوقت في التحكم فيما يتصور خطأ أنه يملك، الماء والهواء، السموات والأرض، النجوم والكواكب، الحجر والبشر، وعاث فيها جميعًا باعتبارها ماله ولكنه ظلم، ظلم نفسه أول ما ظلم حين لم يقنع بفطرته وفطرة الكون التي خلقهما الله عليهما، فآمن بنفسه وصار دينه المقولة الفرنسية الشهيرة "أنا ومن بعدي الطوفان"، وهي في حقيقتها عقيدة إبليس أول من رفع لواء "أنا"، والطوفان آتٍ على يديه لا محالة.