د. علي عبد النبي,
بدأ استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء في عام 1954، واليوم ينتشر حوالي 440 مفاعلا في العالم، مما يوفر ما يقدر بنحو 11% من الكهرباء في العالم. على عكس الوقود الأحفوري، يمكن أن توفر الطاقة النووية مصدرا مستقرا نسبيا للطاقة وصديقا للبيئة. ولكن عندما تسوء الأمور، فإن النتائج ليست أقل من كارثية.
نظرا لأن محطات الطاقة النووية كبيرة ومعقدة، فإن حوادث المحطات النووية تميل إلى أن تكون باهظة الثمن نسبيا. حادثة محطة فوكوشيما النووية عام 2011 في اليابان، ألقت بظلال من الشك على ما إذا كان حتى الاقتصاد المتقدم مثل اليابان يمكنه السيطرة على أمان المحطات النووية.
على المستوى العالمى، خلال الفترة من عام 1952 إلى عام 2011، كان هناك ما لا يقل عن 100 حادث مسجل لمحطات طاقة نووية مدنية وعسكرية.
تحدث أخطاء، فلم يتوقع مصممو مفاعلات محطة فوكوشيما في اليابان، أن سونامي بارتفاع 15 مترا، ناتج عن زلزال كبير غير متوقع، سيعطل أنظمة مولدات الكهرباء الاحتياطية التي كان من المفترض أن تغذى نظم التبريد بالكهرباء بعد الزلزال.
بعد حادثة فوكوشيما طورت صناعة الطاقة النووية من أمان وأداء المفاعلات النووية، وهناك تصميمات مفاعلات جديدة أكثر أمانا (ولكن لم يتم اختبارها بشكل عام). وليس هناك ما يضمن أن المفاعلات سيتم تصميمها وبناؤها وتشغيلها بشكل صحيح.
وقعت العديد من الحوادث النووية والحوادث الخطيرة قبل وبعد كارثة تشرنوبيل عام 1986. نسبة كبيرة من حوادث المفاعلات النووية كانت نتيجة أخطاء بشرية. ونستطيع أن نقول: مهما ارتقت تكنولوجيا الأمان فى المفاعلات النووية، لا يمكن أن تمنع 100% من مخاطر الأخطاء البشرية في تشغيل المفاعلات النووية. كما أن معايير أمان المحطات النووية المطورة لا يمكن أن تصل إلى الأمان المطلق.
الأحداث Events النووية والإشعاعية أحداث غير مخطط لها وغير متوقعة، ويتم قياس شدتها وفقا لمقياس الأحداث النووية والإشعاعية الدولية INES، هذا المقياس أنشئ عام 1990 من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا المقياس يصنف الأحداث فى سبعة مستويات: تسمى المستويات من 1 إلى 3 "حوادث خفيفة" incidents سواء كانت إيجابية أو غير سارة، لكنها لا تنطوى على أى ضرر، والمستويات من 4 إلى 7 "حوادث شديدة" accidents وهى نوع من الأحداث الشديدة أو الخطيرة، ولها دلالة سلبية، وعادة ما تؤدى إلى إصابات جسدية أو تلف فى الممتلكات. تم تصميم المقياس بحيث تكون شدة الحدث أكبر بحوالي عشر مرات لكل زيادة في المستوى على المقياس. في حالة عدم وجود مخاوف كبيرة تتعلق بالأمان النووى، تسمى الأحداث Events بـ "الانحرافات" deviations وتصنف على أنها مستوى 0.
سوف نسرد أمثلة لأعداد بعض الحوادث النووية والإشعاعية التي وقعت في بعض دول العالم. في بلجيكا وقعت 5 حوادث منها حادثة في المستوى 4؛ وفي كندا وقعت 10 حوادث منها حادث في المستوى 5؛ وفي فرنسا وقعت 12 حادثة منها حادثتان في المستوى 4؛ وفي ألمانيا وقعت 3 حوادث؛ وفي الهند وقعت 6 حوادث؛ وفي اليابان وقعت 20 حادثة، منها حادث فى المستوى 4 وحادث فى المستوى 7؛ وفي روسيا وقعت 7 حوادث منها حادث فى المستوى 4 وحادث فى المستوى 6؛ وفي أوكرانيا وقعت حادثتان، منها حادث فى المستوى 7؛ وفي المملكة المتحدة وقعت 8 حوادث، منها حادث فى المستوى 5؛ وفي الولايات المتحدة وقعت 54 حادثة، منها حادثتان في المستوى 4 وحادث في المستوى 5.
أشد الحوادث خطورة في المفاعلات النووية تحدث عندما تتوقف عملية تبريد الوقود النووي داخل قلب المفاعل، مما يؤدى إلى انصهار قلب المفاعل. هذه الحادثة حدثت في مفاعلات نووية مثل، حادثة المفاعل التجريبى الكندى "إن آر إكس" NRX عام 1952، وحادثة المحطة النووية الأمريكية "ثرى مايل آيلاند" عام 1979، وكارثة المحطة النووية الأوكرانية "تشرنوبيل" عام 1986، وحادثة المحطة النووية اليابانية "فوكوشيما" عام 2011.
أولا، حادثة المفاعل التجريبى الكندى "إن آر إكس" NRX، كانت نتيجة خطأ بشرى.
أول انصهار لقلب مفاعل نووى في العالم حدث للمفاعل "إن آر إكس" NRX، فى 12 ديسمبر عام 1952، وكان انصهارا جزئيا لقلب المفاعل. هذا المفاعل موجود في مختبرات تشوك ريفر Chalk River، في مقاطعة أونتاريو، في كندا. تم تصنيف الحادثة في الخطورة عند المستوى 5.
تم تصميم "إن آر إكس" لإنتاج 20 ميجاوات من الطاقة، ولكن في كثير من الأحيان تم تشغيله على مستوى أقل بكثير لأغراض تجريبية.
في مفاعل "إن آر إكس" (ومفاعلات كاندو)، يتم استخدام اليورانيوم الطبيعي، ولكى يتم إبطاء النيوترونات سريعة الحركة المنطلقة من انشطار اليورانيوم-235، يستخدم الماء الثقيل كمهدئ. الماء الثقيل هو أحد أكثر المهدئات كفاءة لأن النيوترونات سريعة الحركة تتصادم بسهولة مع نوى الديوتيريوم في جزيئات الماء الثقيل.
يوم الحادث، كان المفاعل يعمل على مستوى طاقة منخفض. كانت هناك مجموعة من الصمامات تتحكم في تشغيل نظام قضبان التحكم الهوائي. وكان البعض منهم قد تمت إزالة مقابضهم بالفعل لمنع فتحها. ومع ذلك، فتح المشغل ثلاثة أو أربعة منهم عن طريق الخطأ.
حدث انفجار هيدروجين-أكسجين داخل الكالاندريا (قلب المفاعل). لم تعاني الكالاندريا من تدمير هيكلى كامل، ولم يتمزق أكثر من 150 من أنابيب الكالاندريا.
الحادث بدأ الساعة 15:07، حوالي الساعة 15:27، تم قياس النشاط الإشعاعي البالغ 5000 مللي ريم في الساعة في الطابق السفلي حيث يتم تصريف مياه التبريد. في الساعة 15:47، صدر الأمر بإخلاء المحطة بأكملها.
لم يمت أحد أو أصيب بجروح خطيرة كنتيجة فورية للحادث. على الرغم من تعرض بعض الأفراد لمستويات إشعاع عالية أثناء الحادث نفسه.
ثانيا، كارثة موقع تخزين للنفايات النووية السائلة "كيشتيم" Kyshtym في الإتحاد السوفييتى، كانت نتيجة خطأ بشرى.
يشار إليها أحيانا باسم كارثة محطة معالجة الوقود النووي ماياك Mayak، وقعت في 29 سبتمبر 1957، فى موقع لإنتاج البلاتنيوم للأسلحة النووية ومحطة إعادة معالجة الوقود النووي الواقعة في مدينة أوزيورسك، في الاتحاد السوفييتي.
الكارثة تم تصنيفها في الخطورة عند المستوى 6، وتعتبر هي ثالث أسوأ كارثة نووية طبقا لشدة النشاط الإشعاعي بعد كارثة تشرنوبيل وكارثة فوكوشيما.
موقع تخزين النفايات النووية السائلة يتألف من خزانات من الفولاذ تحت الأرض. بسبب المستوى العالي من النشاط الإشعاعي، كانت النفايات تسخن نفسها من خلال حرارة الاضمحلال. لهذا السبب، تم بناء نظام تبريد حول الخزانات.
بسبب عدم إصلاح عطل حدث في نظام التبريد، ارتفعت درجة حرارة النفايات السائلة، وحدث انفجار في أحد الخزانات، الذي يحتوي على أكثر من 70 طنا من النفايات المشعة السائلة عالية المستوى الإشعاعى. وقدرت قوة الانفجار بما لا يقل عن 70 طنا من مادة "تي إن تي".
تشير التقديرات إلى أن الكارثة قد أطلقت 800 بيتا بيكريل من النشاط الإشعاعي، أي 800 ×1015 بيكريل. استقر معظم هذا التلوث بالقرب من موقع الحادث.
بعد عشر ساعات من الحادث، تحركت سحابة مشعة نحو الشمال الشرقي تحتوى في المقام الأول على السيزيوم-137 والسترونتيوم-90، ووصلت إلى مسافة 350 كم من الحادث. تداعيات سقوط السحابة أدى إلى تلوث طويل الأمد لمساحة تتراوح من 800 إلى 20000 كم مربع.
بعد أسبوع، فى 6 أكتوبر 1957، بدأت عملية إجلاء 10000 شخص من المنطقة المتضررة. العدد الحقيقي للوفيات غير مؤكد لأن السرطان الناجم عن الإشعاع لا يمكن تمييزه سريريا في كثير من الأحيان عن أي سرطان آخر.
ثالثا، حريق مفاعل محطة "ويندسكيل" Windscale في المملكة المتحدة، نتيجة خطأ في التصميم، أي خطأ بشرى.
كان أسوأ حادث نووي في تاريخ المملكة المتحدة، وواحدا من الأسوأ في العالم، حيث تم تصنيفه في الخطورة عند المستوى 5. هذه المفاعلات كانت جزء من مشروع القنبلة الذرية البريطانية بعد الحرب.
الحريق حدث يوم 10 أكتوبر 1957 في الوحدة-1 فى موقع "ويندسكيل" المكون من مفاعلين، تبرد بالهواء. الجرافيت يستخدم كمهدئ في المفاعلين، وكان لدى البريطانيين خبرة قليلة في سلوك الجرافيت عند تعرضه للنيوترونات. عند قصف الجرافيت بالنيوترونات، يعاني من اضطرابات في بنيته البلورية، مما يتسبب في تراكم الطاقة الكامنة. هذه الطاقة، إذا سمح لها بالتراكم، يمكن أن تتسرب تلقائيا في اندفاع قوى للحرارة.
لإنتاج التريتيوم الخاص بالقنبلة الهيدروجينية، ولم تكن هناك فرصة لبناء مفاعل جديد لإنتاج التريتيوم المطلوب، لذلك فى المفاعل-1 تم تعديل أحمال الوقود، بإضافة اليورانيوم المخصب والليثيوم والمغنيسيوم، والذي سينتج الأخير التريتيوم أثناء القصف النيوتروني. تتطلب ذلك ادخال تعديلات جديدة داخل قلب المفاعل، مما يسمح بمزيد من الوقود. تحذيرات الطاقم الفني على هذه التعديلات تم تجاهلها.
نتيجة هذه التعديلات تم تغيير التوزيع الطبيعي للحرارة في قلب المفاعل، مما تسبب في ظهور نقاط ساخنة في مفاعل-1. لم يتم الكشف عن هذه النقاط لأن المجسات المستخدمة لقياس درجات الحرارة الأساسية، تم وضعها بناء على تصميم توزيع الحرارة الأصلي، ولم تكن تقيس أجزاء المفاعل التي أصبحت أكثر سخونة.
يوم الحادث استمرت درجة حرارة قلب المفاعل في الارتفاع ووصلت في النهاية إلى 400 درجة مئوية. في صباح يوم 11 أكتوبر، عندما كان الحريق في أسوأ حالاته، اشتعلت النيران في أحد عشر طنا من اليورانيوم. أصبحت درجات الحرارة شديدة، حيث سجلت درجة الحرارة 1300 درجة مئوية. استخدمت خراطيم المياه، في عمليات الإطفاء.
تلاشى الحريق أخيرا في 12 أكتوبر، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت سحابة مشعة تنتشر بالفعل في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا.
أطلق الحريق ما يقدر بنحو 740 تيرا بيكريل من اليود-131، بالإضافة إلى 22 تيرا بيكريل من السيزيوم-137 و12000 تيرا بيكريل من الزينون-133، ونويدات مشعة أخرى.
في حين لم تحدث عمليات إجلاء، منع المسؤولون بيع الحليب من المنطقة المتضررة لمدة شهر تقريبا. العدد الحقيقي للوفيات غير مؤكد لأن السرطان الناجم عن الإشعاع لا يمكن تمييزه سريريا في كثير من الأحيان عن أي سرطان آخر.
رابعا، حادث مفاعل "ثرى مايل آيلاند" في الولايات المتحدة، نتيجة خطأ بشرى.
تقع محطة "ثري مايل آيلاند" للطاقة في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية. الموقع يضم مفاعلين يعملان بالماء الخفيف المضغوط، الوحدة-2 قدرتها 880 ميجاوات صافي.
الحادث كان يوم 28 مارس 1979، وبدأ الساعة 4 صباحا في الوحدة-2، ونتيجة فقدان مياه التبريد، حدث انصهار لقلب المفاعل. تم تصنيف الحادث في الخطورة عند المستوى 5.
قبل الحادث بـ 11 ساعة، كانت هناك أعمال صيانة لإصلاح انسداد في أحد أجهزة مرشحات الراتينج التي تقوم بتنظيف مياه الدائرة الثانوية التي تغذى مولدات البخار. مرشحات الراتينج تمنع المعادن والشوائب الموجودة في الماء من التراكم في مولدات البخار، وتقلل من معدلات التآكل في الدائرة الثانوية.
لم تنجح الطريقة المعتادة لاستخدام الهواء المضغوط في تسليك الانسدادات في مرشحات الراتينج، فقرروا نفخ الهواء المضغوط في الماء والسماح لقوة الماء بإزالة الانسدادات في مرشحات الراتينج. تسربت كمية صغيرة من الماء، وأدت إلى توقف الأجهزة التي تعمل بالهواء في الدائرة الثانوية، مما أدى إلى إيقاف تشغيل طلمبات مياه تغذية مولدات البخار، وتسبب في ارتفاع درجة الحرارة والضغط في الدائرة الابتدائية، وهذا بدوره تسبب في إغلاق المفاعل تلقائيا، وتوقفت التوربينة تلقائيا.
الخطأ القاتل تمثل في أن الصمامات المسؤولة عن توصيل المياه لمولدات البخار في حالة الطوارئ بواسطة طلمبات التغذية المساعدة كانت في الصيانة، والتي بموجبها يجب إغلاق المفاعل، وهذا لم يحدث. وهو ما يعتبر انتهاكا لقواعد ومعايير الأمان النووي. بمجرد توقف طلمبات مياه التغذية الرئيسية لمولدات البخار، اشتغلت ثلاث طلمبات تغذية مساعدة تلقائيا، ولكن لم يتمكن النظام من ضخ المياه لتبريد مولدات البخار لأن الصمامات كانت في الصيانة، وبالتالي لم تتمكن من تبريد الدائرة الابتدائية.
توقف المفاعل تلقائيا، وأصبحت جميع قضبان التحكم في قلب المفاعل لإيقاف التفاعل النووى المتسلسل، لكن الحرارة والضغط استمرّا في الارتفاع نتيجة حرارة الاضمحلال لنواتج الانشطار الموجودة في الوقود النووى. ولتقليل ضغط مياه الدائرة الابتدائية فُتَحَ صمام التنفيس الموجود في الجزء العلوى من الضاغط تلقائيا.
وبسبب عدم وجود جهاز مخصص لقياس مستوى المياه في قلب المفاعل، كان حُكم المشغلين على مستوى المياه في قلب المفاعل من خلال مستواه في الضاغط فقط. ونظرا لارتفاع مستوى المياه في الضاغط، افترضوا أن قلب المفاعل مغطى بماء التبريد بشكل مناسب. لم يدرك المشغلون أن الحادث هو حادث فقدان مياه تبريد الوقود النووي، وقد أدى هذا الارتباك إلى إيقاف طلمبات حالات الطوارئ لتبريد قلب المفاعل، التي بدأت تعمل تلقائيا، وذلك بسبب مخاوفهم من أن وعاء الضغط مُلء بشكل زائد بمياه التبريد.
نتيجة لعطل ميكانيكى ظل صمام تنفيس الضغط مفتوحا، ولم يغلق بعد انخفاض الضغط، مما أدى إلى تسرب مياه تبريد الدائرة الابتدائية الملوثة بالإشعاع إلى داخل وعاء الاحتواء، وتسبب في فقدان مياه تبريد الوقود النووي، وأدى إلى انصهار قلب المفاعل.
تم إطلاق بعض الغازات المشعة في البيئة، وفي غضون أيام، ارتفعت مستويات الإشعاع فوق المنطقة، وتم إجلاء النساء الحوامل والأطفال الصغار من المنطقة.
على الرغم من عدم الإبلاغ عن وفيات أو إصابات رسمية، كان هناك جدل مستمر حول ما إذا كان الإشعاع المنطلق من الحادث أدى إلى زيادة معدلات السرطان ووفيات الرضع في المنطقة.
خامسا، كارثة مفاعل "تشرنوبيل" في أوكرانيا، نتيجة خطأ بشرى.
كارثة تشرنوبيل تعتبر واحدة من أسوأ الحوادث النووية المدنية على الإطلاق في العالم، تم تصنيف الحادث على أعلى مستوى للحوادث النووية، وهو المستوى 7. الكارثة وقعت يوم 26 أبريل 1986 في المفاعل رقم 4 في محطة "تشرنوبيل" للطاقة النووية، في جمهورية أوكرانيا في الاتحاد السوفييتي.
محطة تشرنوبيل النووية تتكون من 4 مفاعلات نووية من نوع RBMK، وهو صناعة روسية قدرة المفاعل 1000 ميجاوات. هذا النوع من المفاعلات يستخدم "الجرافيت" مهدئ للنيترونات السريعة، والمنطلقة من التفاعل النووي المتسلسل داخل قلب المفاعل.
يرجع سبب الكارثة إلى العامل البشرى، ويرجع سبب تفاقمها إلى وجود مادة الجرافيت داخل قلب المفاعل، وكذا إلى عدم وجود وعاء احتواء للجزيرة النووية بالمعنى الهندسي والمتعارف عليه في منظومة الأمان النووي.
أسفرت تجربة فاشلة قام بها عمال المناوبة الليلية الذين كانوا شباباً لا يملكون خبرة كبيرة إلى انفجار دمر قلب المفاعل وإلى حدوث الكارثة. وأعقب الانفجار انطلاق موجات من المواد والغازات المشعة في الهواء. وبعد ثانيتين، حدث انفجار ثانٍ، وسببه تولد الهيدروجين بشدة وبكثافة نتيجة تفاعل بخار الماء مع مادة الزركونيوم، وهى المادة المصنع منها أنابيب الوقود النووي، مما أدى إلى تطاير شظايا من قنوات الوقود والجرافيت الساخن في الجو، وأدى إلى اشتعال حريق استمر عشرة أيام. ترك انفجار تشرنوبيل بصماته على التاريخ باعتباره واحداً من أسوأ الكوارث النووية على الإطلاق.
توفي اثنان من عمال مفاعل تشرنوبيل في ليلة الحادث، وتم تشخيص متلازمة الإشعاع الحادة في 134 شخصاً في الموقع كانوا يعملون في عمليات الإطفاء والتنظيف. من هؤلاء، توفى 6 من رجال الإطفاء و22 من العاملين بالمحطة، وذلك في غضون أسابيع قليلة من الحادث نتيجة للتسمم الإشعاعي الحاد، وعلى مدار العشرين سنة التي تلت الكارثة توفى 19 من البالغين بسبب الإشعاع، و9 من الأطفال نتيجة للإشعاع بسبب سرطان الغدة الدرقية. بالإضافة إلى ذلك، ما يقرب من ألف من عمال الطوارئ كانوا قد واجهوا النيران المشتعلة في الأيام الأولى للحادث حيث تلقوا جرعات عالية من الإشعاع، وتوفي منهم حوالي 50 من السرطان وغيرها من المشاكل الصحية.
بعد وقوع الكارثة تم تهجير حوالي 115 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل - هؤلاء الأشخاص تلقوا جرعات إشعاعية متوسطة مقدارها حوالي 3 ريم - وبعد فترة تم تهجير حوالي 220 ألف شخص من روسيا البيضاء وروسيا الاتحادية وأوكرانيا.
ملحوظة: الجرعة الإشعاعية التى يحتمل أن تسبب السرطان مقدارها يزيد عن 10 ريم.
سادسا، كارثة مفاعل "فوكوشيما" في اليابان، نتيجة كارثة طبيعية.
عاشت اليابان واحدة من أصعب أيامها في 11 مارس عام 2011 عندما ضرب زلزال فى الساعة 14:46 الساحل الشرقى لليابان. أصابت اليابان ثلاثية كارثية مدمرة، تمثلت فى زلزال (قوته 9.1 ريختر) وأمواج سونامى (14 مترا) وعيوب فى تصميم بعض أجزاء من المحطات، أدت إلى تدمير ثلاثة من مفاعلات محطة فوكوشيما دياتشى النووية. المفاعلات هي من نوع الماء الخفيف المغلى. المفاعل-1 قدرته 439 ميجاوات، المفاعلان 2 و3 قدرة كل منهما 784 ميجاوات.
تعد كارثة محطة فوكوشيما النووية أسوأ كارثة نووية في التاريخ بعد كارثة محطة "تشرنوبيل". تم تصنيفها على أعلى مستوى للحوادث النووية، وهو المستوى 7. لكن كارثة فوكوشيما دايتشى تعتبر كارثة مركبة، فهى تتضمن زلزالاً وسونامى و6 مفاعلات نووية، فهي تعتبر أكثر تعقيداً من كارثة تشرنوبيل.
مع بداية الزلزال وأثناء حالة الطوارئ، تم إغلاق كل من المفاعلات النووية الثلاثة العاملة في المحطة بنجاح، لكن السونامى عطل أنظمة الطاقة الاحتياطية "مولدات الديزل"، وبذلك توقفت نظم التبريد في المحطة. نتيجة لذلك، تسببت الحرارة المتبقية في ذوبان قضبان الوقود في جميع المفاعلات الثلاثة جزئيا. وانفجرت المنشآت التي يوجد بها المفاعلان 1 و3 في 12 و14 مارس، وأدى ذلك إلى إطلاق إشعاع، مما دفع الحكومة إلى إجلاء جميع من كان داخل دائرة نصف قطرها 20 كم. فى 15 مارس أدى انفجار آخر في المبنى الذي يضم مفاعل 2 إلى إطلاق المزيد من الإشعاع.
أصبح النطاق الكامل للتداعيات واضحا خلال الأشهر التالية، حيث قامت الحكومة في النهاية بإجلاء جميع السكان داخل دائرة نصف قطرها 30 كم من المحطة. لم تنسب أي وفيات في البداية إلى الحادث، على الرغم من أن 18 ألف شخص فقدوا حياتهم نتيجة للزلزال والسونامي.