حظر «الاستغفال».. أم السلع؟!
يحلو للبعض في هذه الأيام استدعاء القدر قبل وقوعه وارتداء نظارة سوداء يرون بها كل ما يحيطهم بل ويريدون من الجميع أن يرتدوها وبالطبع يقترب هبوب موسم الشائعات مع ذكرى ثورة 25 يناير وسيزداد عصفا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث يحاول عشاق الفوضي أن يمارسوا قدرا من الإبداع في صياغة عدد من الشائعات والتي تختار لها خلفية مقبولة منطقيا كي تسرى كالنار في الهشيم ويتلقفها المجتمع بالقبول إزكاءً لروح الإحباط المطلوب رواجها وكان آخر تلك المحاولات التي ستتعاظم أشبهاها في المستقبل المنظور هو حظر استيراد السلع وهي شائعة نفيت على المستوى الرسمي لكنها ستتحول لحقيقة لدى البعض بما تحمله من وجاهة خاصة مع أزمة توفير الدولار فكما يقولون "العيار اللي ما يصيبش يدوش" وعلى أقل تقدير ستعمل على زيادة الأسعار وبالتالي رفع حالة السخط المطلوبة من عشاق الفوضى.
وللحقيقة أن إطلاق مثل هذا النوع من الشائعات ليس موجها للداخل فقط بما يترتب عليها من زيادة البطالة وإغلاق المحال بل يراد بها أيضا أن تسد جميع الأبواب أمام الدولة في التعامل مع الأزمة الدولارية ومنها على سبيل محاولة وقف قرض الصندوق وقروض البنك الدولي وخفض التصنيف الائتماني للدولة لعدم احترام اتفاقية التجارة الحرة العالمية.
ويدرك مطلق الشائعة جيدًا ما يفعله فهو يعلم جيدا أن مصر تسعى لاستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعطيل أي فرص ممكنة لدخول شركات جديدة بل وتهديد القائمة بالتعطل أيضا خاصة أن مصر تسعى وبقوة لتوطين الصناعات ولا يمكن لعاقل أن يفكر في حظر الاستيراد في وقت لا يوجد فيه بديل محلي يسهم في إحلال بعض السلع المستوردة والذي يمكن من خلاله تخفيف الضغط على العملة الأجنبية بل وزيادة معدل التصدير وتنمية موارد النقد الأجنبي.
ولكي ندرك عمق النذالة الكامنة في نفس مطلق الشائعة يجب أن نتساءل: لماذا لم يفكر في بدائل أخرى لحظر أو تقنين الاستيراد إن كان محبا مخلصا للوطن كما يزعم فلم يتحدث عن تقنين شعبي مثلا لاستهلاك بعض السلع المستوردة الملقبة بالترفيهية وغير الأساسية في حياة الناس لفترة حتى الخروج من الأوضاع الراهنة فهل يصعب علينا أن نبقى عاما دون تغيير موديل الموبايل أو نوع السيارة أو أو.. أو...هل هذا صعب لكيلا نفكر فيه؟!
لماذا لم يحدثنا مثلا عن بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتشجيع المصريين العاملين في الخارج لبيع حصيلتهم من النقد الأجنبي في البنوك سواء عبر طرح شهادات ادخار دولارية بسعر فائدة مغرٍ أو يحدثنا مثلا عن تقديم تسهيلات وبرامج للتمويل العقاري تخاطبهم.
لماذا لا يدعو مثلا لوقف تدبير الدولار لأغراض السياحة أو التعليم في الخارج لتقليل الضغط على العملة لماذا لا يدعو هؤلاء المتلبسون بثوب الخوف المزيف على الوطن إلى تعظيم الصناعات المحلية البديلة والقائمة طويلة وتستحق حشد الجهود ..تساؤلات كثيرة لا تمنح الإجابة عنها إلا التأكد من خبث نوايا هؤلاء وسوء ما يبطنونه لنا.
إن البدائل لحظر الاستيراد وتبعاته الخطيرة دوليا كثيرة لكن غيابها على أجندة هؤلاء المرجفين يؤكد أنهم لا يأملون إلا في رؤية مصر عاجزة مدمرة لشفاء أمراض دفينة داخل صدورهم وهنا أستدعي صورة مشابهة فالولايات المتحدة مثلا لا تكترث لمقتل المئات من الأوكران يوميا في حرب عبثية تفترض إمكانية هزيمة روسيا القوة النووية الأولى عالميا أمام الجيش الأوكراني المنهار ومن أجل ذلك لا تجد الولايات المتحدة غضاضة في أن يقتل جميع الأوكرانيين في سبيل ذلك وكذلك أيضا لا يكترث مطلقو مثل هذه النوعية من الشائعات بالمصريين أوبحياتهم وتعريض مستقبلهم للخطر فهدفهم بالأساس هو إسقاط مصر اقتصاديا بعد أن فشلوا في إسقاطها عبر ثورات الربيع العربي والإرهاب.
من هنا يجب أن نتعامل مع مثل تلك الشائعات فحظر استيراد السلع لن يكون الشائعة الأخيرة بل هي حلقة في سلسال متصل متلاحق من حملة مسعورة ستتفاقم لتصوير الأوضاع في مصر أنها غير قابلة للحل وأن الفوضى وبعثرة الأوراق من الممكن أن ينفض عن جديد يستحق ما يدعون إليه من خراب وبات من الضروري إعلان حالة الاستنفار المعلوماتي لزيادة الوعي وإيقاظه للموجة الهائلة التي نترقبها بالتزامن مع انتخابات رئاسية مقبلة والتي اسأل الله ألا يخون فيها الناس الأمين ويأتمنون الخائن وأقوى أسلحتنا ونحن نواجه هؤلاء أن نفرض حظرا للاستغفال ونستبدله بكثرة العمل فلم تنهض أمة يوما على مدى التاريخ بكثرة الكلام والجدل والتشكيك والتدليس بل تنهض الأمم بكثرة العمل وبدونه لا شئ يتغير فلنعلن "شعبيا" حظرا على كل ما يدفع إلى اليأس والخوف والتراجع والانهيار ولنلقِ بكل ذلك خلف ظهورنا وأظن أن المصريين رغم أنينهم من أوضاع اقتصادية منهكة وبعد تجربة 25 يناير وما أسقطته من أقنعة باتوا أوعي وأشد فطنة من أن يتخذوا المضلين عضدا.