- الحوار آلية لحلحلة الأزمات وبناء جسور الثقة بين عناصر الطيف السياسي والمجتمعي لبناء دولة مدنية حديثة، ولانفتاح المجال العام أمام تعدد الآراء وحرية الممارسة السياسية في إطار الدستور والقانون
- أعلن الرئيس السيسى حل ثلاث قضايا محل توافق، وهي؛ التعديلات الجوهرية فى مسائل الوصاية على المال، ومشروع قانون يتيح تداول المعلومات، وتفعيل الالتزام الدستورى بإنشاء مفوضية عدم التمييز
يُعرف الحوار عمومًا، بأنه عملية تشاور متبادلة هدفها السعي وراء تحقيق التفاهم المشترك عبر بوابة الاستماع النشط أو الإصغاء المتعاطف من أجل اكتشاف أوجه التشابه وفهم الاختلافات في وجهات النظر المتنوعة، وهذا يدفعنا للخوض في قراءة متأنية لدعوة الحوار الوطنى في مصر التي جاءت بتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي للمؤتمر الوطني للشباب (الذي يتم تنظيمه تحت مظلة الأكاديمية الوطنية للتدريب) خلال إفطار الأسرة المصرية بالتنسيق مع كل تيارات وفئات المجتمع لإدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، على أن يتم رفع نتائج هذا الحوار إلى رئيس الجمهورية لتحويل التوصيات والمخرجات الناتجة عنه إما إلى سياسات وقرارات تنفيذية، أو إلى مشروعات قوانين، بحسب طبيعة هذه المخرجات.
وبداية يعتبر الحوار الوطني بين كل القوى دون استثناء أو تمييز نقلة نوعية وتحقيقاً لرؤية القيادة السياسية في ترسيخ استقرار اجتماعي وارتباط بفكرة الجمهورية الجديدة بإقامة دولة ديمقراطية مدنية حديثة، لديها الرغبة الكاملة في تنفيذ نصوص الدستور خاصة فيما يتعلق بأن النظام السياسى يقوم على التعددية.
كذلك ترجمت الأكاديمية الوطنية للتدريب فلسفة الحوار الوطني بإدارته بكل تجرد وحيادية تامة، على أن يكون دورها فى التنسيق بين الفئات المختلفة المشاركة بالحوار دون التدخل فى مضمون أو محتوى ما يتم مناقشته، ما يتماشى مع طموحات وتطلعات القيادة السياسية وكذا القوى السياسية المختلفة، ليكون خطوة في غاية الأهمية تساعد على تحديد أولويات العمل الوطني وتدشن لجمهورية جديدة تقبل بالجميع.
وكطبيعة الأشياء، دائما هناك مؤيدون ومعارضون، وهو أساس الحوار للتوافق بين الطرفين، وبالطبع المؤيدون لا يحتاجون تفسيرا، بينما المعارضون هم من نظروا لدعوة إطلاق الحوار الوطني من زاوية الشائعات التي تواجه الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو.
ودعونا نبدأ بالمؤيدين للحوار وما يرونه فيه من خطوة إيجابية نحو بناء الجمهورية الجديدة، تمثل خطوة جديدة تضاف إلى مجموعة من الخطوات المهمة في إطار بناء نموذج مصري في الانفتاح والإصلاح السياسى بعد حرب ضروس خاضتها الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013 ضد الإرهاب، ورغم انحسار خطرها وانتصار الدولة المصرية فيها لكن هذه الحرب لم تضع أوزارها حتى الآن. ورغم ذلك تسير الدولة بخطى متوازنة نحو التنمية الشاملة، ولا تغفل التوافق الوطني والتشاور نحو الأصلح، لذا نتج عن هذه الدعوة بدء نقاش واسع داخل المجتمع المصرى، وبين القوى والتيارات السياسية والفكرية، على منصات الصحافة والإعلام، حول دوافع الدعوة وأهدافها النهائية.
كذلك يرى المؤيدون أنه منذ أحداث 2011 وحتى الآن مرت سنوات كثيرة والمجتمع المصري تحت ضغط من كل اتجاه، بل زادت حدة الحرب والشائعات منذ 2013 وحتى الآن، وتحول المجتمع إلى مؤيد ومعارض وكل واحد منه متشددا نوعا ما لأفكاره ووجهات نظره، لكن الحوار جعلنا ولأول مرة نجلس معا نتقبل اختلافاتنا وخلافاتنا بل جعلنا نستمع لوجهة النظر الأخرى.
وهو ما ينقلنا للمعارضين الذين كانوا في حالة الترقب من الدعوة، لكن جدية الدعوة والخطوات الفعلية التي اتخذت على أرض الواقع دفعت المعارضة لتلبية الدعوة، ليفاجأ المشككون في الحوار بالحضور وبالتنظيم بل ولفت انتباه الحضور الأجانب النقاشات التى دارت والاختلاف والاتفاق وإدارة الجلسات بل وكمية الجلسات وتعدد الموضوعات وطرحها وطرق مناقشتها.
"الاختلاف في وجهة النظر لا يفسد للوطن قضية بل يثريها ويجعلها أقوى وأفضل".. وهذه الأجواء التى أشاد بها الرئيس عبدالفتاح السيسى في الحوار الوطنى، وخاصة التفاهم بين وجهات النظر التى تستهدف مصلحة الوطن، ما دفعه للتصريح بأنه بصدد التصديق على جميع مخرجات الحوار الوطنى فورا، وأعلن الرئيس السيسى حل 3 قضايا محل توافق فى جلسات الحوار الوطنى، وهي؛ التعديلات الجوهرية فى مسائل الوصاية على المال، ومشروع قانون يتيح تداول المعلومات، وتفعيل الالتزام الدستورى بإنشاء مفوضية عدم التمييز.
ليقطع الرئيس الطريق علي أى مشكك أو منتظر الصيد في الماء العكر، بل ويكتب شهادة نجاح الحوار الوطني، ليس بالتصديق على مخرجاته وحسب بل والعمل على تنفيذها طالما تم التوافق عليها.
فالحوار ما هو إلا آلية لحلحلة الأزمات وبناء جسور الثقة بين عناصر الطيف السياسي والمجتمعي المصري لبناء دولة مدنية حديثة، ولانفتاح المجال العام أمام تعدد الآراء وحرية الممارسة السياسية في إطار الدستور والقانون، لدحض مزاعم بعض وسائل الإعلام وبعض الأحزاب التي كانت تتشكك في الأمر.
ليظهر في النهاية مشهد عام للحوار الوطني به درجة كبيرة من الحيوية التي اتسمت به، إلى جانب ترسيخ نموذج الدولة المدنية الحديثة التي تتسق فيها رؤية القيادة السياسية مع المشاركين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، كذلك تعدد قضايا الحوار.
وتنوع التوجهات والرؤى بات محفزًا لاهتمام كل أطياف الشعب به والتفاعل مع مجرياته سواء بالمشاركة أو إيمانًا بمصداقيته وجدواه.
ويظل ما قدمه الرئيس السيسي من ضمانات لنجاح الحوار الوطني هو الحالة الأبرز لترسيخ "مبدأ الحوار" واتخاذه آلية لتسوية الخلافات داخل البيت الواحد لنخوض معا تجربة ديمقراطية تحمل طابعاً مصرياً خالصاً، في إطار تطلعنا لبناء جمهورية جديدة تليق بمصر وتاريخها.