رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الحوار الوطني.. جاءت مصر ثم جاء التاريخ

10-7-2023 | 10:42


جمال الكشكى

جمال الكشكى

علينا أن نتيقن من أننا إزاء جمهورية جديدة، معنى ومبنى، جمهورية استطاعت أن تحارب على جبهتين معا: جبهة الحرب الشاملة على الإرهاب، وجبهة التشييد والبناء العملاق
تعد دعوة الرئيس للحوار الوطنى بمثابة نقلة مهمة، وتدشين لمرحلة جديدة فى المسار العام للدولة المصرية، من أجل رفعة وتقدم واستقرار الوطن
حالة الحوار التى شهدتها مصر، أكدت أننا أمام واقع حقيقى، لفكرة مشروع سياسى وطنى، يؤسس لبداية مسار جديد، ينطلق من الإيمان بالدستور واحترام مؤسسات الدولة

الأمم الحية هى التى تبادر، وتستكشف دروب المستقبل، وتقرأ المعطيات الوطنية ببصيرة نافذة، وتدرك المتغيرات الدولية الجامحة، ثم إنها تستبق هذه المعطيات، وتلك المتغيرات بخطوات فكرية واسعة.

والتاريخ شاهد على أن مصر دائما صاحبة المبادأة والمبادرة، ففى كل مرة تبادر فيها تحقق نجاحات كبرى، قررت طرد الاستعمار فنجحت، أممت قناة السويس، وشقت قناة جديدة، وقررت النصر في حرب أكتوبر عام 1973، فتحقق لها ما أرادت، وتحدث العالم عن إرادتها وعزيمتها الجبارة.

ولا نجافى المنطق والحقيقة، إذا قلنا إن سجلات التاريخ، تحتفظ  لمصر بحقوق الملكية الفكرية للمبادرات الخلاقة، فعلى سبيل المثال، كانت مبادرة توحيد القطرين (الصعيد والدلتا) قبل ٥ آلاف عام على يد الملك مينا نارمر، وارتداؤه التاجين: الأبيض للصعيد والأحمر للدلتا، على رأسه، كتاج واحد لراية واحدة، وبلد واحد، وذلك قبل أن يعرف العالم معنى الحضارة ومركزية الدولة.

كانت مصر سباقة دائما منذ فجر الضمير، فى تكوين ونشأة الدول، وأسس الحكم الرشيد، وكانت الوحدة التي حققها مينا، ولم تنفصم عراها حتى تلك اللحظة، قائمة على طبيعة توافقية بين أبناء أمة واحدة، وبهذا المعنى جاءت مصر، ثم جاء التاريخ، الذى حفظ لنا مواقف كثيرة، تؤكد على سبق العقل المصرى الجامع.

وحين أنشأ محمد على باشا مصر الحديثة، القائمة على إرسال البعثات التعليمية إلى أوروبا، كخطوة أولى للتخلص من الجهل والفقر والمرض،  وتكوين جيش قوى، يشكل النواة الصلبة لهذه الدولة، كان يؤكد منحى العقل المصرى الاستباقى، الذى صنع الحضارة.

 ولنا في اتخاذ الرئيس السادات قرار الحرب عام 1973، فى ظل ظروف قاسية، وما أطلق عليه البعض "هجوم السلام" في سنة 1979 كمبادرتين مصريتين خالصتين، فاجأتا العالم كله، لنا فى كل هذا دليل على ذلك العقل المبادر، الذي يعبر عن تنوع بشرى خلاق.

وكانت ٣٠ يونيو مبادرة جماعية عظمى، جعلت مصر تستطيع أن تجلس بعد سنوات مع أبنائها، من كل الأطياف تناقش، وتحاور، وتفكر فى أفضل السبل التي يجب أن يكون عليها المجتمع المصرى، كما تفكر فى المسرح الدولى الأوسع، وتسأل: أين سيكون مكاننا فى عصر دولى جديد قادم لا محالة.

وجهت مصر خطابا ضمنيا إلى العالم، عبر ثورة 30 يونيو، بأنها ترفض "ربيع الفوضى" وتحركت بخطى حثيثة لعزل "الجماعة الإرهابية" ومن ثم قررت إعادة بناء الدولة المصرية، فأسست قواعد جمهورية جديدة، جمهورية قائمة على أسس وطنية، واجهت بها  الإرهاب بقوة، وشيدت عمرانا يليق بها كدولة عصرية، تنتمى إلى المستقبل.

العمران السياسى

عندما حانت لحظة "العمران السياسى" أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى مبادرة "الحوار الوطنى" أثناء إفطار الأسرة المصرية يوم 26 ابريل عام 2022 وهو التقليد السنوى الذي تحول إلى ثقافة مصرية خالصة، فمن خلال هذه المناسبة انطلقت الدعوة من مقولة الرئيس: الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية.

اقترنت دعوة الرئيس السيسى بفتح النوافذ والأبواب للحوار الوطنى، بين أطياف المجتمع المصرى كافة، وجاءت الدعوة فى ظلال هذا الإطار الجامع، الذي تأكد من خلال دعوة مؤسسة وطنية خالصة هى الأكاديمية الوطنية للتدريب، للحوار، وقد أعلنت الأكاديمية من منطلق وطنى أنها سوف تتيح الحرية للجميع، لتبادل الآراء، دون تدخل، ولذا دعت الجميع إلى المشاركة فى الحوار دون تردد.

وبات علينا أن نتيقن من أننا إزاء جمهورية جديدة، معنى ومبنى، جمهورية استطاعت أن تحارب على جبهتين معا: جبهة الحرب الشاملة على الإرهاب، والتطرف بكافة أشكاله، وجبهة التشييد والبناء العملاق، والإعمار الخالد، بمفهوميه المادى والمعنوى، لتستأنف به ما تركته، أو أهملته خلال قرن كامل، لأسباب داخلية أو خارجية، أو نتيجة لتقاعس فكرى، وتمزق هويات متنافرة فى مركز النخبة.

وبالتأمل الدقيق لردود الأفعال الوطنية المرحبة والمشجعة، منذ إطلاق الرئيس السيسى لهذه المبادرة الفارقة، فإنني أرى أن هذا الحوار الوطنى يمثل لحظة فاصلة فى بناء الجمهورية الجديدة، التي نبنيها بأفكارنا وسواعدنا الخالصة، فمن يدقق في دعوة الرئيس للحوار يرى، ومن الوهلة الأولى، أن يد الدولة ممدودة للجميع من مختلف الأطياف والتوجهات السياسية في ظل الدستور والقانون، و لهذا يأتى الحوار الوطنى بمثابة إصلاح سياسى متكامل.

كما أن دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى، كانت واضحة وضوح الشمس، حين تثنى من هذا الإطار الجامع، الأطراف التي حملت السلاح في وجه الدولة المصرية، بمعنى أن الحوار يشمل ويجمع كل القوى السياسية، ما عدا تلك التي رفعت السلاح في وجه الشعب، ومارست كل أنواع العنف والتطرف، وتلطخت أيديها بدماء رجال الجيش والشرطة والمدنيين.

 وفي هذا الإطار، أكد الرئيس على مشاركة كل القوى الوطنية، ماعدا تلك التي رفعت السلاح، وهي إشارة واضحة للجماعة الإرهابية التي تحاول فلولها الآن أن تجد لنفسها موطئ قدم في العملية السياسية، بعد أن قادت البلاد إلى نفق مظلم، استمر عاما كاملا، وهذا أمر لن تسمح به القيادة السياسية ولا الشعب المصرى.

طالب الرئيس في مرات عديدة بضرورة أن تندمج الأحزاب، المتشابهة فكرا وتوجها فى بوتقة واحدة، ليكون لدينا حزبان قويان أو ثلاثة، تعبر عن الشارع المصرى، وتضع الوطن فوق كل اعتبار، وحقيقة الأمر أن دعوات كثيرة خرجت تنادى الأحزاب بضرورة أن تقترب من مشاكل وهموم الشارع وتسعى للتعبير عنه،  والعمل مع الحكومة يدا بيد، ومن خلال دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى للحوار الوطنى، فإن مصر تعيش اليوم واقعاً سياسياً جديدا،ً عبر عنه الحوار الشامل، حول أولويات العمل الوطنى.

وتعد دعوة الرئيس للحوار الوطنى بمثابة نقلة مهمة، وتدشين لمرحلة جديدة فى المسار العام للدولة المصرية، من أجل رفعة وتقدم واستقرار الوطن، إنه خطوة على طريق الإصلاح السياسى، تساعد فى تحديد أولويات العمل الوطنى، وتدشن جمهورية جديدة تقبل بالجميع، فالدعوة للحوار مصرية خالصة، جاءت نتيجة إرادة وطنية حقيقية، لا تقبل الإملاءات الخارجية.

 لذلك رحبت الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بالقرارات التي أعلنها الرئيس السيسى، فيما يخص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والسياسية، التي من شأنها دفع مسيرة الوطن خطوات واسعة نحو مستقبل أفضل لكل فئات شعبه الكريم، فالدعوة من رأس الدولة المصرية، ومصدر ثقتها، تؤكد أن مصر تنتظرها نقلة نوعية فى المسار السياسى، تفتح الآفاق أمام التعايش والتوافق بين كافة الأطياف - اتفاقا أو اختلافا - من أجل مصلحة مصر.

وتتجلى أهمية هذا الحوار أيضا كفرصة للاستماع  لمقترحات ممثلي المجتمع المصرى، بكافة فئاته ومؤسساته، حيث يمنح الجميع فرصة تاريخية للمشاركة في صناعة القرار، وتقديم ما لديهم من أفكار، فالحوار الوطنى قمة "العمل الديمقراطي" القائم على جمع القوى السياسية، سواء الحزبية أم الفردية، للجلوس إلى طاولة الحوار، ومن ثم تحديد ملامح المرحلة المقبلة للحياة السياسية والاقتصادية فى مصر، والتي سيتم بلورتها بناء على أفكار وتوجهات أطياف المجتمع، المشاركة فى الحوار، وبما يحقق المصالح المشتركة للشعب المصرى، ويراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لجميع الفئات دون استثناء.

وعلى مدار عام كامل عقد مجلس أمناء الحوار الوطنى عدة اجتماعات أسفرت عن توافق كبير حول عدد من القضايا المهمة، وتم تتويج هذا المشوار يوم 3 مايو، موعد افتتاح جلسات الحوار الوطنى الموسع، ومع انطلاق الجلسات المتخصصة التي تتواصل عبر ثلاثة أيام أسبوعيا، لمناقشة عدة محاور منها السياسى والاقتصادى والمجتمعى.

خطوط حمراء

قبل الانتقال إلى نقاط أخرى في هذا المقال ينبغي الإشارة إلى أن إدارة الحوار كانت حريصة على الاستماع لكل الآراء، وهذا ما لمسته عن قرب من خلال عضويتى فى مجلس أمناء الحوار الوطنين وحفاظى على المشاركة بفعالية في كل الجلسات، فلم تكن هناك خطوط حمراء، فى أى نقاش يتعلق بأية قضية.

ومن واقع النقاش تأكدت مصداقية المبادرة، وأهدافها النبيلة، التى تبتغى الوصول إلى مخرجات ونتائج وأفكار غير تقليدية، تصب في الصالح العام للمواطن والدولة، وقد قرأت فى أعين كل المشاركين، رغبة حقيقية في المشاركة، وجدية فى طرح الأفكار والمقترحات والرؤى، بعد أن تأكد لهم أن الحوار، يهدف إلى خلق مساحات مشتركة حقيقية، نحو جمهورية جديدة تسع الجميع، وأن كل متحدث يستمع ويحترم وجهة النظر الأخرى.

حالة الحوار التي شهدتها مصر، من خلال جدول أعمال الحوار الوطنى، أكدت أننا أمام واقع حقيقى، لفكرة مؤسسية جادة ومشروع سياسى وطنى، يؤسس لبداية مسار جديد، ينطلق من الإيمان بالدستور واحترام المؤسسات الوطنية للدولة، وأن الحوار ليس عملية إجرائية، بل إنه حوار تفاعلى، يهدف إلى تطبيق نتائجه ومخرجاته، وفق القانون والدستور، وأن هذه الجلسات التي شهدناها تؤكد المساحات المشتركة للرأى، والرأى الآخر، من منظور وطنى.

وأريد أن أشير إلى التمثيل العمرى المشارك، في جلسات الحوار فأغلب المشاركين من جيل الشباب والوسط، وكبار السن، يؤكد على تواصل الأجيال، وحرص الجميع على المشاركة في بناء الجمهورية الجديدة، والتأسيس لمستقبل أفضل للأجيال المقبلة، فالمتحدثون صاغوا مشهدا لم تعرفه مصر من قبل، عبر تجاربها السابقة، فقد تحدثت الجلسات عن نفسها، عندما أتاحت الفرصة كاملة للمتحدثين من اليمين إلى اليسار، مرورا بالوسط، بل وطالبتهم إدارة الحوار بتقديم مقترحات إضافية، بما يسهم في الوصول إلى أفضل مكاسب لهذه النقاشات.

إن حالة الحوار بكل تفاصيلها التي شهدناها، تقول إننا أمام أمة بحجم مصر، تملك قوة ذاتية نابعة من مسارها الطويل، ما يؤكد على وحدة المصريين في مواجهة التحديات الجديدة أو المستجدة، وإعادة بناء التماسك الداخلي بين جميع القوى السياسية والشبابية، من خلال إعادة بناء مصر، لكى تحظى بمكانتها الطبيعية الإقليمية والدولية، كما كانت فى السابق.

إن الحوار الوطني بالصيغة الدستورية المطروحة والدعم السياسي الكامل من الرئيس عبد الفتاح السيسى سوف يعمل على خلق أجواء من الاستقرار والأمن بما ينعكس على عموم المواطنين وقطاعات الدولة المختلفة، وتفعيل دور كافة القوى الوطنية من خلال مشاركتها في طرح الأفكار وبلورة المشاكل واقتراح الحلول.