د. علي عبد النبي,
لا توجد مشكلة عندما تقوم أي دولة في العالم بتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، لكن المشكلة عندما يكون تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية.
اليورانيوم الموجود في الطبيعة يحتوى على نسبة 0.7% من الوزن من اليورانيوم-235، و99.3% من اليورانيوم-238 اليورانيوم-235 هو اليورانيوم القابل للانشطار، وعمليات التخصيب تقوم بزيادة هذه النسبة للحد المطلوب للاستخدام المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء تعتبر مثالا على أحد الاستخدامات السلمية لليورانيوم المخصب، والتخصيب هنا يتراوح ما بين 2% إلى 5% من اليورانيوم-235.
عمليات تخصيب اليورانيوم للاستخدام في المفاعلات النووية يحكمها عدة عناصر، مثل الاقتصاديات وتأمين توفير الوقود النووي لتشغيل المفاعلات لهذه الأسباب نجد أن الدول المصنعة للمفاعلات النووية، والتي تمتلك العديد من المفاعلات النووية، تمتلك مصانع لتخصيب اليورانيوم.
الدولة التي تمتلك مفاعلا نوويا واحدا أو حتى عدة مفاعلات نووية، يكون تخصيب اليورانيوم كصناعة وطنية مكلف، ويكون من الأفضل شراء اليورانيوم المخصب (الوقود النووي) لتشغيل المفاعلات من الدولة الموردة لهذه المفاعلات.
عملية تخصيب اليورانيوم ليست صعبة، لكنها مكلفة. وتخصيب اليورانيوم لأعلى من 80%، يدخل في نطاق الاستخدامات العسكرية القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، كانت حوالي 64 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 80%، لكن كانت كبيرة الحجم والوزن.
الأسلحة النووية الحديثة عادةً تستخدم يورانيوم مخصبا بنسبة من 90% إلى 93%، فالكميات الصغيرة من اليورانيوم عالى التخصيب مرغوبة، لأن ذلك يقلل من حجم ووزن القنبلة النووية ويسهل نقلها. ومع ذلك، هناك تطبيقات مدنية مثل بعض مفاعلات الأبحاث، تستخدم يورانيوم مخصبا بنسبة 90%، لإنتاج النظائر الطبية.
ملحوظة: مفاعل إيران للأبحاث النووية، الموجود فى مركز طهران للبحوث النووية يعمل بوقود نووى مخصب بنسبة 20%، ومفاعل توليد الطاقة الكهربائية في بوشهر، يعمل بوقود نووي مخصب بنسبة لا تزيد عن 5%.
الدول النووية التي تمتلك أسلحة نووية، مثل الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية وفرنسا والصين وانجلترا، تمتلك مصانع لتخصيب اليورانيوم. في هذه الحالة العامل الاقتصادى لا يوضع في الاعتبار، لأن التسليح النووي يعتبر أمنا قوميا.
تستخدم نظرية الطرد المركزى في تكنولوجيا عمليات تخصيب اليورانيوم، ومن الصعب التمييز بين استخداماتها للأغراض المدنية والعسكرية. بمجرد أن يتقن بلد ما هذه التكنولوجيا، يمكن إعادة تشكيل أجهزة الطرد المركزى في مجموعات إما لإنتاج وقود يورانيوم منخفض التخصيب للمفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، أو إنتاج وقود يورانيوم عالى التخصيب "أكثر من 20%" لكى يستخدم في صنع الأسلحة النووية.
يقوم جهاز الطرد المركزي الغازى بفصل ذرات اليورانيوم-235، عن ذرات اليورانيوم-238 الأكثر وفرة عندما يدور جهاز الطرد المركزي بسرعة عالية، يتم ضخ غاز "سادس فلوريد اليورانيوم" فيه تتحرك جزيئات اليورانيوم-238 الأثقل نحو الحافة الخارجية للجهاز ويتم إزالته، وتتحرك جزيئات اليورانيوم-235 الأخف نحو المركز، أي يكون في المركز يورانيوم ذو تركيز أعلى من اليورانيوم-235، يتم ضخه في جهاز الطرد المركزى التالى له، والناتج من هذا الجهاز يتم ضخه في الجهاز الذى يليه، وتتكرر العملية في سلسلة متراصة من أجهزة الطرد المركزى، جهاز يسلم للجهاز الذى يليه، في كل مرحلة يزيد تركيز اليورانيوم-235.
أتقنت إيران التكنولوجيا الأساسية لتخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة الطرد المركزى الغازية من العالم النووي الباكستانى "عبد القدير خان" في أواخر الثمانينيات استخدمت إيران التصاميم التي قدمها لها "عبد القدير خان" في تصنيع أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، وكانت أجهزة الجيل الأول: IR-1.
قامت إيران بتركيب أجهزة الطرد المركزي في منشآت التخصيب في مواقع "ناتانز" و"فوردو" إيران تمتلك محطة تجريبية لتخصيب اليورانيوم في موقع "ناتانز"، ومحطة تخصيب يورانيوم في موقع "ناتانز"، ومحطة تخصيب يورانيوم في موقع "فوردو".
مجمع "ناتانز" يقوم بإمداد مجمع "فوردو" بسادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 3.5%، بهدف إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 20% تقول إيران أن اليورانيوم المخصب بنسبة 20% فى مجمع "فوردو"، سوف يستخدم لإنتاج النظائر الطبية من مفاعل الابحاث بمركز طهران للبحوث النووية.
فى أغسطس 2002، اكتشف مجمع سرى في موقع "ناتانز" لتخصيب اليورانيوم، وهذا المجمع مخفى ومحمى، وتبلغ مساحته 100 ألف متر مربع، مقام تحت الأرض بعمق 8 أمتار.
بدأت إيران اختبار سلسلة مكونة من 10 إلى 20 جهاز طرد مركزي في المحطة التجريبية في "ناتانز" في فبراير 2006 بعد شهرين، بدأت في إنتاج اليورانيوم المخصب باستخدام سلسلة واحدة من 164 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول: IR-1. بحلول أواخر عام 2007، كانت إيران تنتج اليورانيوم المخصب بواسطة 18 سلسلة من أجهزة الطرد المركزى، السلسلة الواحدة تحتوى على 164 جهاز.
فى مجمع "ناتانز"، يتم التخصيب بنسبة 3.5%، كما توجد على سطح الأرض محطة لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، ومحطة التخصيب تتكون من سلاسل من أجهزة الطرد المركزى يقدر عدد أجهزة الطرد المركزى فى مجمع ناتانز بحوالى 19 ألف جهاز من الجيل الأول:IR-1.
ومع إدخال التطوير والتعديل على الجيل الأول تم إنتاج الجيل الثانى:IR-2m وIR-4، والجيل الثالث: IR-6، والجيل الرابع: IR-8، والجيل الخامس: IR-9، الإنتاج السنوي من الجيل الثانى أعلى من إنتاج الجيل الأول من أربع إلى خمس مرات والإنتاج السنوي من الجيل الثالث أعلى من إنتاج الجيل الثانى بمقدار الضعف والإنتاج السنوي من الجيل الرابع أعلى بمقدار الضعف من إنتاج الجيل الثالث والإنتاج السنوي من الجيل الخامس أعلى بمقدار الضعف من إنتاج الجيل الرابع.
اختبار الجيل الثانى: IR-2m وIR-4 بدأ عام 2009. وتركيب أجهزة طرد مركزي من طراز IR-2m في مجمع "ناتانز" كان بحلول فبراير 2013.
إيران أنتجت لأول مرة أجهزة الجيل الثالث: IR-6 في عام 2009، وفي فبراير 2013، تأكد أن إيران تختبر أجهزة طرد مركزي IR-6 و IR-6s في المحطة التجريبية لتخصيب اليورانيوم في مجمع "ناتانز".
بدأت إيران اختبار الجيل الرابع: IR-8 في المحطة التجريبية لتخصيب اليورانيوم في مجمع "ناتانز" في يناير 2017.
المفاوضات بدأت مع إيران في عام 2006 من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن بالإضافة إلى دولة ألمانيا وكانت تسمى "مجموعة 5+1"، وبعد مفاوضات ماراثونية توصلت إيران والدول الست فى 14 يوليو 2015 إلى توقيع اتفاقية، ومن بين قرارات هذه الاتفاقية: رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووى الإيرانى، مع فرض قيود على برنامج إيران النووى، منها: تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزى فى مجمع "ناتانز" من 19 ألف جهاز إلى 6104، ويتم ذلك بتشغيل 5060 جهاز منها فقط، وهى أجهزة من الجيل الأول IR-1، ووضع حد لتخصيب اليورانيوم بحيث لا يتجاوز 3.67%، وتحويل مجمع "فوردو" لتخصيب اليورانيوم إلى مركز بحوث فيزياء.
رئيس وزراء إسرائيل "نتن ياهو" فى 30 أبريل 2018، أعلن عن حصول إسرائيل على 55 ألف وثيقة لبرنامج إيران النووى، والتى تثبت وجود برنامج نووى إيرانى سرى، وأن إيران كانت تكذب بوقاحة عندما قالت إنها لا تمتلك برنامجا للأسلحة النووية. مهد بذلك الطريق للرئيس الأمريكى "ترامب" لكى يعلن الانسحاب من الاتفاقية، فى يوم الثلاثاء 8 مايو 2018. ووصفها بـ "الكارثية"، واتهم إيران "بالكذب" فى شأن ملفها النووى، وقرر إعادة العمل بالعقوبات الاميركية على إيران. كما هدد بفرض عقوبات شديدة على الدول التى ستساعد إيران فى سعيها للحصول على الأسلحة النووية. بعد عام أعلنت إيران انسحابها الجزئى من الاتفاقية.
عندما بدأت إيران في خرق الاتفاقية في عام 2019، زادت من التخصيب باستخدام الجيل الثانى. فى 10 أبريل 2021، بدأت إيران فى تشغيل أجهزة طرد مركزى متطورة لتخصيب اليورانيوم فى مجمع "ناتانز"، وهى IR-2m و IR-4 و IR-5 و IR-6 و IR-6s، وكان ذلك بعد أيام من بدء المحادثات الجديدة بشأن إنقاذ اتفاقية 2015.
بعد يوم من إعلان إيران تشغيل أجهزة طرد مركزى متطورة، أى في يوم الأحد 11 أبريل 2021، أدى انفجار قنبلة إلى انقطاع مصدر الكهرباء الرئيسى والمغذى لمجمع التخصيب تحت الأرض فى "ناتانز" وردا على هذا الحدث، ففى يوم الثلاثاء 13 أبريل 2021، أعلنت إيران أنها رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%.
لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في المحطة التجريبية في "ناتانز"، استخدمت إيران سلسلة واحدة من 164 جهاز طرد مركزي من طراز IR-4 جنبا إلى جنب مع سلسلة من أجهزة IR-6
من شأن التخصيب بنسبة 60% أن يجعل إيران قادرة على الانتقال بسرعة إلى نسبة 90% وأكثر، وهى النسبة المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية.
بحلول نوفمبر 2022، كانت إيران تقوم بتشغيل عدد 1044 جهاز طرد مركزي IR-2m وعدد 348 جهاز طرد مركزي IR-4 لإنتاج وتخزين اليورانيوم منخفض التخصيب في محطة تخصيب اليورانيوم في مجمع ناتانز. كما تم اختبار أجهزة طرد مركزى متطورة جدا، وهي من الجيل الخامس: IR-9.
اعتبارًا من نوفمبر 2022، كان لدى إيران مخزونا كافيا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60%، هذا المخزون يعتبر نقطة الانطلاق لإنتاج خمسة قنابل نووية، في غضون عدة أشهر، أي بعد رفع نسبة التخصيب إلى 90%.
نتيجة خطأ انسحاب "ترامب" من اتفاقية 2015، طورت إيران من قدرات صناعة تخصيب اليورانيوم، وهى مكتسبات لن تتنازل عنها، حيث لا يمكن عكس التقدم التكنولوجي الإيراني في تطوير أجهزة الطرد المركزي، والعودة إلى الجيل الأول: من أجهزة الطرد المركزى IR-1 طبقا لاتفاقية 2015. إيران الآن تمتلك الأحدث من أجهزة الطرد المركزى IR-6 وIR-8 وIR-9، والإنتاج السنوي لهذه الأجهزة يزيد عن إنتاج IR-1 بما لا يقل عن 30 ضعف.
اتفاقية 2015 وضعت حدا لتخصيب اليورانيوم بحيث لا يتجاوز 3.67%، والآن إيران وصلت إلى 60% تخصيب، ومن الصعوبة أن تتنازل إيران عن هذا الحد من التخصيب. وكلما تعثرت المفاوضات فهذا في صالح إيران لتطوير قدراتها النووية وستستمر المكاسب في التراكم طالما استمرت إيران في تصنيع أجهزة طرد مركزي جديدة.
لذلك ستكون هناك اتفاقية جديدة، ويتعين على المفاوض "5+1" أن يأخذوا في الاعتبار حقيقة أن المكتسبات في القدرات النووية الإيرانية ستكون دائمة.