في عامه الثلاثين.. بالوثائق: مترو الأنفاق «ساقط قيد»
لم يجد مترو الأنفاق، من يجفف دمعه الذي تساقط من عينيه عشية الاحتفال بعيد ميلاده الثلاثين أمس الأول الثلاثاء؛ بعد أن بلغ، عمره الثلاثين؛ حيث تم افتتاح أول خط مترو أنفاق في مرحلته الأولى من الخط الأول "رمسيس – حلوان" يوم 26 سبتمبر من عام 1987 بطول 29 كيلو مترا، وبعد عامين تم افتتاح المرحلة الثانية من المشروع "رمسيس - المرج " بطول 14 كيلو مترا، ثم توالى بعد ذلك افتتاح المراحل الأخرى من هذا المشروع القومي العملاق مكونة شبكة واسعة النطاق.
وفي سني النضج الثلاثينية، باتت شبكة المترو تتكون من ثلاثة خطوط؛ يمتد الأول منهما من محطة المرج الجديدة حتى محطة حلوان جنوب القاهرة، على مدى 35 محطة بمسافة حوالي 44 كيلومترا، فيما يمتد الخط الثاني من محطة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية إلى محطة المنيب بمحافظة الجيزة بطول حوالي 19 كيلو مترا شاملة 20 محطة، أما الخط الثالث الذي تم تشغيل مرحلتين منه حتى الآن فيمتد من العتبة حتى محطة الأهرام بمصر الجديدة.
ومن المقرر إنشاء الخط الرابع ليبدأ من حي الهرم ممتدًا إلى مدخل مدينة 6 أكتوبر، والخط الخامس الذي من المقرر له أن يمتد من "المعادي إلى التجمع" ويلتقي مع الخط الأول، والخط السادس الذي من المقرر أن يمتد من "الأميرية للتجمع".
ما يدعو للغرابة أنه بعد مرور ثلاثين عامًا من عمر هذا المرفق الحيوي، الذي يمثل طوق النجاة لملايين البسطاء، صدرت قرارات وزارية عديدة، آخرها القرار الوزاري رقم 757 بتاريخ 26/9/ 2017، تشكك في نسب المترو، وتلغي شرعية بنوته للجهاز القومي لإدارة وتشغيل المترو المستقل التابع لوزارة النقل، وتحاول إلصاق تبنيه بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، ثم الإلقاء به في ملجأ الهيئة القومية للأنفاق.
فطبقًا للقرار الأخير الذي أصدره الدكتور هشام عرفات وزير النقل، تختص اللجنة المشكلة لاحتواء أزمة "بدل السبت" للعاملين بالمترو، بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية نحو تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق بعض العاملين بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو بمعرفة الهيئة القومية لسكك حديد مصر، هذه أول هيئة ينتمي إليها عاملون بالمترو.
وسرعة دراسة صرف بدل نقدي عن تشغيل العاملين بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو يوم السبت من كل أسبوع في ضوء القرارات السارية المنظمة لهذا الشأن، وكذا اللوائح الخاصة بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، وهذه ثاني هيئة ينتمي إليها عاملون بالمترو؛ وكل من الهيئتين له لوائحه التي تختلف عن الأخرى.
القرارات المتضاربة فرقت دم المترو على ثلاثة كيانات
قرارات وزارية عديدة اقترفت جرم تفريق دم المترو على ثلاثة كيانات؛ الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، ثم الهيئة القومية للأنفاق، والكيان الرئيس الأصلي؛ باعتباره المالك الأصلي لأصول المترو؛ ألا وهي الهيئة القومية لسكك حديد مصر.
ما يثير الدهشة هو أنه منذ تشغيل الخط الأول لمترو الأنفاق عام 1987، وحتى عام 2007، بداية تسلم الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، كان الجهاز المستقل محافظًا على أصوله، وحقوق العاملين به، وحقق فائضًا في صورة ودائع بالبنوك وصلت لـ 60 مليون جنيه، بحسب تصريحات بعض العاملين في جهاز المترو، ومازالوا على درجاته المالية والوظيفية.
"الهلال اليوم" حصلت على العديد من المستندات التي تؤكد فشل الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، في إدارة وتشغيل المترو، وأدت إداراتها الفاشلة في تهالك أصول وثوابت المترو، وإهدار حقوق العاملين بالمترو؛ رغم تشكيل اللجنة الوزارية، التي أوصت بتوفيق أوضاع العاملين بالمترو بما يتناسب مع قانون ولائحة الشركة المصرية إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث، وتفرق دم العاملين بين جهاز المترو المستقل، والشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، والهيئة القومية لسكك حديد مصر، أخيرًا الهيئة القومية للأنفاق.
محضر الجمعية العمومية غير العادية للشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، المنعقد بتاريخ 14/2/ 2016، الذي حصلت "الهلال اليوم" على نسخة منه، أفاد أن حجم الخسائر بلغ 162,2 مليون جنيه عن العام المالي 2014/ 2015، بما يزيد عن نصف رأسمال الشركة المصدر والمدفوع البالغ 60 مليون جنيه، وطبقًا للمادة رقم 69 من القانون 159 لسنة 1981، والمادة رقم 227 من اللائحة التنفيذية للقانون 159 لسنة 1981، والمادة رقم 47 من لائحة النظام الأساسي للشركة؛ ما يؤدي إلى حل الشركة؛ حيث بلغت خسائر الشركة في سنة مالية واحدة أكثر من نصف رأس المال المصدر.
لكن كانت المفاجأة؛ حيث قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، استمرار الشركة في ممارسة أعمالها، ومخاطبة الهيئة القومية لسكك حديد مصر، لعرض الموضوع على مجلس إدارتها؛ لتحملها بقيمة خسائر الشركة المصرية باعتبارها مالكة لرأس مال الشركة بأكمله.
وأفادت ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات عن العام المالي 2014/ 2015، أن صافي خسائر الشركة حتى 30/6/2015، 222 مليون جنيه، بما يمثل نسبة 370% من رأس المال المصدر والمدفوع؛ حيث أظهرت الموازنة التقديرية لعام 2015/ 2016، عجزًا بنحو 273 مليون جنيه؛ "ما يشير إلى وجود عدم تأكد هام قد يؤدي إلى شك جوهري في قدرة الشركة على الاستمرار ولم يتوافر لدينا ما يثبت موافقة المساهم على تقديم الدعم المالي الكافي للشركة لتمكينها من الاستمرار في نشاطها، الأمر الذي يوجب على مجلس الإدارة دعوة الجمعية العامة غير العادية للنظر في حل الشركة أو استمرارها طبقًا لما تقضي به أحكام المادة 69 من القانون رقم 159 لسنة 1981، وتعديلاته بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية، بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة التي تقضي بأنه "إذا بلغت خسائر الشركة نصف رأس المال المصدر وجب على مجلس الإدارة أن يبادر إلى دعوة الجمعية العامة غير العادية للنظر في حل الشركة واستمرارها".
كما تضمنت ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات إهدار دم المترو بين طرفين بسبب عد وضوح العلاقة التعاقدية؛ ما ترتب عليه مشكلات تنظيمية وإدارية ومالية؛ حيث نصت ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات على "لم يتم حتى تاريخه تفعيل وتنفيذ قرار اللجنة الوزارية رقم 9/10/09/2 الصادر بتاريخ 15/ 10/ 2009، الذي يقضي بإعادة صياغة علاقة تعاقدية واضحة ودقيقة بين الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، والهيئة القومية للأنفاق المنقول إليها أصول المترو، ووزارة النقل من جهة أخرى، وكان من نتاج ذلك إفراز العديد من الأثار السلبية، والمشاكل الإدارية، والإشكاليات التنظيمية والمالية.
حيث تنص المادة الأولى من القرار رقم (1563) الصادر بتاريخ 1/8/ 2011، على "يستمر جهاز تشغيل مترو الأنفاق بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، ويستمر تسكين العاملين التابعين للهيئة والمعارين للعمل بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو بوظائفهم بالهيكل التنظيمي والوظيفي للجهاز، بذات أوضاعهم ودرجاتهم المالية والوظيفية وأقدمياتهم وبما يضمن احتفاظهم بحقوقهم في الترقيات والعلاوات الدورية".
توصيات اللجنة الوزارية.. "فنكوش"
أفادت المستندات التي حصلت "الهلال اليوم" على نسخة منها أنه تم تشكيل لجنة لتوفيق أوضاع العاملين بالقرار الوزاري رقم (316) لسنة 2011، برئاسة اللواء توفيق عبد الحميد أبو جندية مستشار وزير النقل، المشرف على شئون مكتب الوزير، وتختص اللجنة المشكلة طبقًا للمادة الثانية من القرار الوزاري، بدراسة أوضاع العاملين بالشركة المصرية لإدارة وتشكيل المترو، وبحث المشكلات الخاصة بهم في ضوء القوانين واللوائح السارية، ووضع الحلول الجذرية على أسس قانونية.
وأوصت اللجنة باستصدار قرار وزاري باستمرار إعارة جميع العاملين التابعين للهيئة القومية لسكك حديد مصر، "منهم المعارين من جهاز المترو" للعمل بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو بجميع فئاتهم وبذات أوضاعهم المالية والوظيفية، وبدون حد أقصى لمدة الإعارة، واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لتفعيل التعديلات المقترحة من اللجنة على أحكام لائحتي؛ شئون العاملين بالشركة، والهيئة وإفادة الوزارة بتمام التنفيذ.
وأوصت اللجنة طبقًا للمستندات التي حصلت "الهلال اليوم" على نسخة منها، بأن تسري لائحة الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو المعتمدة بمجلس إدارة الشركة رقم(33) المنعقدة بتاريخ 23/11/ 2009، والواجب العمل بها في 1/ 12/ 2009، ولا ينال من ذلك ما طرأ عليها من تعديلات؛ حيث إن تلك التعديلات التي طرأت عليها لم تعتمد من الجهة الإدارية المختصة "وزارة القوى العاملة"؛ وفقًا لنص المادة من قانون العمل رقم (12) لسنة 2003، كذلك أوصت اللجنة بتعديل المادة الثالثة مكرر من اللائحة؛ بحيث يكون منطوقها "تسري على العاملين المعارين للشركة من الهيئة القومية لسكك حديد مصر أحكام لائحة الشركة بفئاتهم كافة لتحقيق الاستقرار الإداري"، كما أوصت اللجنة أيضًا بتوحيد قواعد صرف البدلات لجميع العاملين بالشركة؛ معينين ومعارين، ودمجها في مسمى واحد وفقًا للقواعد التي يقررها مجلس الإدارة؛ بما لا يقل عما يتقاضاه العاملون؛ معارون ومعينون في الوقت الحالي.
وأكد مفوض لجنة العاملين بالمترو لـ"الهلال اليوم" أنه حتى كتابة هذه السطور لم يتم توفيق أوضاع العاملين بالمترو، وعدم تطبيق اللائحة المالية رقم (13) الصادرة عن اللجنة الوزارية بالقرار رقم (186) لسنة 2015 عليهم؛ حيث إنه بعد 22 سنة عمل يبلغ أساسي راتبه كمعار من جهاز المترو (513)؛ في حين أن من يساويه في مدة الخدمة على لائحة الشركة يبلغ أساسي راتبه (1286)، متسائلًا إلى متى تستمر الشركة في مخالفة القانون، وإهدار حقوق العاملين.