بالصور النادرة.. فرحة الزعيم عبد الناصر في يوم الجلاء
كتب: خليل زيدان
في الثامن عشر من يونيو 1956، رحل آخر جندي بريطاني عن مصر.. ذلك المحتل الذي جثا على أنفاس المصريون 94 عامًا.. كافحه المصريون بدءًا من ثورة عرابي، إلى ثورة 1919، مرورًا بالكفاح المسلّح ضده بعد حرب 1948، إلى أن جاءت السنوات الأخيرة في عمر الاستعمار مع قيام ثورة يوليو 1952، فكان هدف الزعيم جمال عبد الناصر الأول هو القضاء على الاستعمار وأعوانه.. وفي ذكرى رحيل الزعيم ناصر، نلقي الضوء على جهوده لطرد المستعمر البريطاني من مصر.
تولّى الزعيم ناصر وصحبه من الضباط الأحرار مقاليد حكم البلاد بعد رحيل فاروق ملك مصر، وذلك في أعقاب الثورة البيضاء، وهي ثورة 23 يوليو 1952 التي لم ترق فيها قطرة دم واحدة، فانصاع الملك لأمر أبناء مصر الأحرار، ولم يشأ أن يأمر الحرس الملكي بمقاومتهم، ولم يشأ أيضًا أن تراق أي دماء من الطرفين، وعندما استفسر ناصر عن مصير الملك، أشار نفر من صحبه بأن يحاكم ويعدم، فضحك ناصر ساخرًا من الرأي الدموي قائلًا: “إن أردتم أن تعدموه، فلماذا ستحاكموه؟”، وأوصى بأن يخرج الملك سالمًا من البلاد .
كانت لثورة يوليو 6 أهداف، أولها القضاء على الاستعمار، حيث أجمع الضباط على استمرار الكفاح المسلح بمنطقة القناة، ومحاصرة القاعدة البريطانية، ومنع أي تموينية تصل إليها، ومنع أي مصري بالعمل داخل القاعدة، مع تنظيم هجمات فدائية لتخريب القاعدة ومنشآتها، مما دعا الإنجليز للتلميح ببدء المفاوضات، فالحليف قد مضى، ولم يبق غير المصريين الذين أشعلوا منطقة القنال نارًا.
وبدأ الإنجليز في مفاوضات منح السودان الحكم الذاتي في شهر أكتوبر 1952، وانتهت بتوقيع اتفاقية السوادان في فبراير 1953 التي كانت بارقة أمل في أن تدخل مصر في اتفاقية مماثلة لتنال حريتها، وفي يوم الخميس 16 أبريل 1953، أذاعت القاهرة ولندن بيانًا مشتركًا مفاده بأن الحكومتين المصرية والبريطانية اتفقتا على بدء مفاوضات بين البلدين.
وفي العاشرة صباحًا من يوم 27 أبريل، التقى الوفدان المصري والبريطاني للتفاوض، وحضر السفير الأمريكي بغرض القيام بدور الوسيط، فطلب الجانب المصري إقصاؤه، فلا نريد الوسيط إلّا عند الحاجة، فانسحب السفير الأمريكي، واستمرت المفاوضات إلى 6 جلسات راوغ البريطانيون خلالها حتى توقفت، ثم عادت العمليات الفدائية أشد قسوة في منطقة القنال.
وحاول الاستعمار تنفيذ خطة روديو التي تقوم على إسقاط حكومة الثورة وإحلال حكومها غيرها، وأشاروا أن يؤلفها علي ماهر، ولكن جمال عبد الناصر رد على هذه الإثارة البريطانية، في 23 مايو 1953، بأن الحكومة المصرية مستعدة لحماية جميع الرعايا الأجانب -بما فيهم الإنجليز- ما عدا الجنود الإنجليز وحدهم.
وفي 21 يونيو، تقدمت الولايات المتحدة إلى بريطانيا بمقترح الانسحاب من مصر، مع تسليم القاعدة البريطانية للمصريين للإشراف عليها، مع إبقاء أقل عدد من الفنيين لتدريب المصريين على إدارة المنشآت خلال الانسحاب، وفي 19 أكتوبر 1954، وقّع رئيس الوزراء جمال عبد الناصر اتفاقية الجلاء التي تنص على جلاء الإنجليز عن مصر جلاءً تامًا في خلال 20 شهرًا من توقيع الإتفاقية.
ويأتي يوم جلاء آخر جندي عن مصر في 18 يونيو 1956، وهو اليوم المواكب أيضًا لذكرى إعلان الجمهورية، حيث رفع الرئيس جمال عبد الناصر علم مصر في صباح اليوم نفسه على معسكر الشلوفة، وهو آخر معقل للجنود الإنجليز.
وفي المساء، عاد الرئيس ليحتفي مع ضيوف مصر الذين أتوا من الدول العربية والأجنبية لمشاركة مصر فرحتها بالجلاء، وحضر الجميع حفلًا شارك فيه كل نجوم الفن والغناء بنادي ضباط القوات المسلحة، بالزمالك، حيث بدأه الموسيقار عبد الوهاب بنشيد "قولوا لمصر"، ثم قامت فاتن حمامة بتوزيع الحلوى على الرئيس وضيوف مصر بعد أن حملت العلم هي، وتحية كاريوكا، وهند رستم في أثناء نشيد عبد الوهاب، لتختتم كوكب الشرق الحفل بـ3 أغنيات، وكان أولها قصيدة الجلاء التي يقول مطلعها “يا مصر إن الحق جاء، فاستقبلي فجر الرجاء.. اليوم قد تم الجلاء، ونلتِ غايات المنى”.