د. حامد عيد,
"إن تاريخ الجامعة المصرية هو تاريخ الامة المصرية فى عهدها الحديث، فمنها يخرج قادة هذه الامة وأولو الرأى فيها، يخرجون شبابا يشتعلون حمية وحماسة، وحبا للوطن وإخلاصا، حتى اذا عركتهم التجارب، وجازوا امتحان الدهر، وأصبحوا كهولا وشيبا، وأمسكو بزمام قيادتها، قادوها الى بر السلامة والامن والرخاء"
أحمد عبد الفتاح بدير الجيزة، أكتوبر 1950 "إنشاء الجامعة المصرية فصل أساسي في تاريخ مصر الحديثة"
كان لي الشرف وعلى فترات متتابعة أن أكون ضمن فريق عمل الاحتفاء بالجامعة المصرية وذكرياتها وتاريخها، والكتابة فى شأنها والتبحر في أصول نشأتها سواء بالكتابة للصحافة أو المشاركة الفعلية في فعاليات تمجد تلك الجامعة العريقة.
ففي عام 1998 كُلفت عضوًا ممثلا لكلية العلوم، وكنت وقتها مديرا لمركز التراث العلمي في الاحتفال بمرور 90 عامًا على إنشاء الجامعة المصرية في عهد رئاسة الاستاذ الدكتور فاروق إسماعيل لجامعة القاهرة، وتخللها، الاحتفال بمرور 75 سنة على إنشاء كلية العلوم، حيث قمت بتقديم مجموعة من الفعاليات ضمن الكلية وضمن الجامعة منها احتفال الجامعة بالعالم المصري علي مصطفى مشرفة بإقامة معارض لمقتنياته ومحاضرات عنه في القاهرة ودمياط بالاضافة الى احتفالات الجامعة بتلك المناسبة.
وبعدها بعشر سنوات وفي عام 2008، كُلفت مرة ثانية من قبل الأستاذ الدكتور علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة في ذلك الوقت، لرئاسة المكتب الفنى لمئوية الجامعة حيث باشرت عملي بالاعداد للعديد من الفعاليات على مدى عام كامل بتعاون كامل مع أ.د. عبدالله التطاوي وكان نائبا لرئيس جامعة القاهرة في ذلك الوقت.
وضمن تلك الفعاليات وقع تحت يدى كتابا مهما كان فى خزينة الجامعة وهو كتاب يحكى لفترة مهمة من تاريخ الجامعة صدر عام 1950 تحت عنوان "الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية"، حيث اطلعت على صور نادرة منه ووضعتها على موقع المئوية وما زالت حتى اليوم متاحة على الموقع.
وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عام على الاحتفال بمئوية الجامعة أجدني مشدودا مرة أخرى للعودة إلى ذلك الكتاب الذي يعتبر مصدرًا مهمًا لكل ما كتب عن تاريخ الجامعة المصرية منذ بداية التفكير فيها مرورًا بالمراحل الأولى من بدء تشغيلها ثم مرورًا بالأزمة المالية التي واجهتها حتى أصبحت جامعة حكومية، ولبست لباس الجامعة الحقيقية فى 1925، حيث بدأت ملامحها تتشكل وتكتمل، وشهدت عودة البعثات من أبنائها، وكذلك اشتراك الأساتذة الأجانب جنبا بجنب مع من تولوا مسئولية التدريس في الجامعة الوليدة.
ومن خلال بوابة دار الهلال ودعم من رئيس تحريرها الاستاذ خالد ناجح وكذلك مدير التحرير محمد حبيب، أقدم تلك القراءة المتأنية لما جاء فى صفحات واحد من أهم الكتب التذكارية التى صدرت من مطبعة جامعة فؤاد الاول عام 1950 تحت عنوان "الامير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية" أعده الاستاذ أحمد عبد الفتاح بدير أمين الحجرات التذكارية بالمكتبة العامة لجامعة فؤاد الاول وقدم له كل من الدكتور محمد كامل مرسى مدير جامعة فؤاد الاول فى ذلك الوقت والدكتور محمد شفيق غربال المؤرخ المصري، والاستاذ في جامعة القاهرة وأول مصري تولى منصب كرسي استاذ في قسم التاريخ في كلية الآداب، وقام بإنشاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالإضافة للمتحف المصري، كما كان عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع العلمي المصري.
والكتاب يتكون من ستة فصول تتضمن نشأة الجامعة المصرية، وخروج الفكرة الى حيز التنفيذ، افتتاح الجامعة رسميا والخطب التى ألقيت، تطور برامج الدراسة وبيان الاساتذة الذين تولوا التدريس، والبعثات العلمية التى تم إيفادها ومدى النتائج التى حققتها، ثم مكتبة الجامعة وكيف أنشئت، والحديث عن الحالة المالية للجامعة وأعضاء مجلس ادارتها، وأخيرا مشروع إنشاء الجامعة الأميرية- الجامعة فى عهدها الجديد. وقد حوى الكتاب الكثير من الوثائق النادرة التى تحكى عن نشأة الجامعة منذ بداية التفكير فيها والتحدث بشأنها كحلم راود المصريين واعتبروا ان تحقيقه هو جل مرامهم وقمة عزتهم.
وجاء فى مقدمة الكتاب بقلم مدير جامعة فؤاد الاول فى ذلك الوقت الاستاذ الدكتور محمد كامل مرسى والقاضى الجليل أن فى تاريخ مصر وكفاحها لنهضتها والتمكين لحرياتها، واشاعة العلم بين أبنائها، صفحات مجيدة سطرها الرواد الاوائل من ابناء مصر، وأن من ألمع تلك السطور وأكثرها تألقا، تاريخ انشاء الجامعة المصرية من بدء بروزها كفكرة، حتى خروجها حية ماثلة نابضة بالحياة. من أجل أن يعرف ابنائنا مدى التضحيات التى بذلها ابائهم صابرين مثابرين فى سبيل بلوغ تلك الغاية، وكيف بذلوا الجهد ودبروا المال حتى نمت تلك الشجرة الباسقة.
وجاء تقديم الاستاذ محمد شفيق غربال بك وكيل وزارة المعارف فى ذلك الوقت حيث أفرد للحديث عن تطور الجامعات والتأريخ لها مؤكدا أن الجامعات تبقى على ما نشأت عليه، فالازهر الفاطمى نشأ لدعم مذهب دينى، ومدارس الأيوبين لتطبيق منهج علمى جديد. وأن الجامعة المصرية كان انشاءها ثورة على نظام فرض على المصريين فرضا وأنه لا حق لهم فى طلب العلم وأن هناك مستوى مقدرا من العلوم يجب الا يتجاوزوه...! لقد كان انشاء الجامعة المصرية أول ضربة وجُهت لتقويض هذا الفكر واول حجر فى بناء الاستقلال. وهنا يؤكد شفيق غربال بأن إنشاء الجامعة المصرية هو فصل اساسى فى تاريخ مصر الحديثة، وهنا تأتى أهمية الكتاب الذى تحت أيدينا فى نشره للوثائق الاساسية مرتبة زمنيا تبعا لموضوعاتها، وقد نجح فى ذلك مؤلف الكتاب أحمد عبد الفتاح بدير فكان بذلك يقدم عملا قوميا بامتياز.