رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سامح فتحى يكتب : استخدمها البعض لضمان النجاح لأعمالهم جنازة الزعيم لم تستغل درامياً

28-9-2017 | 19:21


لم يكن الرئيس الزعيم جمال عبدالناصر رئيسا عاديا فى تاريخ مصر، بل كان علامة فارقة بين عصر وآخر، وبين الاستعباد ومجتمع النصف فى المائة وطبقة الباشاوات وخدامهم من الشعب المصرى كله، وبين مجتمع السيادة الوطنية والعروبة والشخصية المصرية المستقلة، فجمال عبدالناصر حسين الذى نحتفل بذكرى وفاته فى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ استطاع أن يملأ قلوب الشعب المصرى حماسا وحبا لبلده، ويجمع أبناء هذا الوطن تحت راية وشعار واحد يحمل معنى الأمل فى غد مشرق، والكفاح لوضع الوطن تحت شمس العالم وبين جنباته

ونظرا لما مثله عبدالناصر من فارق بين العبودية والحرية، وما تمتع به من شخصية براقة تقترب من المواطن المصرى البسيط بكل سهولة وسلاسة، فقد حفر صورته وصوته داخل قلوب وعقول المصريين بعدما أشعرهم بالعزة والقوة، ومنحهم من نفسه دليلا على أن ابن الطبقة الفقيرة المعدمة يستطيع أن يصل إلى أعلى الدرجات، ويحقق آمال تلك الطبقة التى خرج منها، ويكون رمزاً للكرامة والوحدة العربية، والجهود المبذولة والضخمة لمحاربة الاستبداد والظلم؛ وكان لبساطة حديثه وامتلائه بالعزة ما قرب ذلك الحديث وكل خطبه من وجدان الشعب المصرى، الذى تفاعل معها بقوة وبعضهم حفظها عن ظهر قلب ففى عام ١٩٦٣ على سبيل المثال، ألقى خطابا جاء فيه: «ده كان المجتمع القديم اللى احنا اتوجدنا فيه.. قامت ثورات كثيرة.. قامت ثورة فى زمن الخديو توفيق، لما قام عرابى وقال: لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ونحن لم نورث ولن نورث أبدا لأى فرد ولو كان الخديو توفيق.. خدوه الانجليز، وجم نفوه، ولكن هل قدروا بعد أن نفوا عرابى وزملاءه إنهم يقضوا على الحرية فى هذا البلد؟! أبدا.. بدليل إن إحنا النهاردة أحرار والبلد بتاعتنا»، فتلاحظ مدى حماسة وبساطة كلماته وقوتها وحملها طاقة من الكرامة لا توصف؛ لذا بادله الشعب حبا بحب، واختار له وصفا لا يمحى وهو «حبيب الملايين»، وظل عبدالناصر على عطائه لا يكل ولا يمل إلى أن وافته المنية عقب انتهاء قمة جامعة الدول العربية سنة ١٩٧٠، حيث تعرض عبدالناصر لنوبة قلبية وتوفى على إثرها، وقد شيع جنازته فى القاهرة وحدها أكثر من خمسة ملايين شخص فى ذلك الوقت، غير من شيع هذه الجنازة رمزيا فى باقى المحافظات.

وتعد جنازة جمال عبدالناصر والتى شيعت يوم ٢٨ من سبتمبر أكبر جنازة عرفها العالم فى العصر الحديث، وقد وظفت هذه الجنازة دراميا فى بعض الأعمال السينمائية، ولاقت صدى عظيما، بل إنها أحيانا كانت من ضمن عوامل نجاح العمل، ولم تستغل مع ذلك الاستغلال الأمثل الذى يعكس أهميتها وما توحى به من دلالات مختلفة أبسطها تعبير الشعب المصرى عن عظيم امتنانه لذلك الراحل الذى بفقده أحس كل مصرى أنه فقد عزيزا لديه، ومن الأعمال التى وظفت تلك الجنازة المهيبة وما صاحبها من عزاء فيلم « فرسان آخر زمن» ١٩٩٣ للمخرج مدحت السباعى، الذى كتب القصة والسيناريو والحوار، فالعمل يبدأ بداية من صيف ١٩٦٧ عندما تخرج أصدقاء ثلاثة هم «طارق منصور» فاروق الفيشاوي، و»وجدى حسنين» محمود حميدة، و»عادل فهمي» مصطفى فهمي، فى جامعة الإسكندرية، ويحتفلون بذلك التخرج فى شاليه خاص وينقذون فتاة من براثن سائق أراد اغتصابها، لكن وجدى يحاول أن يغتصبها فتموت الفتاة المريضة بين يديه، فيلقون بجثتها فى البحر، وتظل ذكرى هذه الحادثة تطاردهم حتى إنها تدمر حياتهم فى النهاية.

ويدخل المؤلف ظروف جنازة جمال عبدالناصر فى الحوادث الدرامية للعمل، فتدخل الخالة على ابن شقيقتها عادل ومعه صديقه طارق صارخة غير مصدقة، وتخبرهما بأن عبدالناصر قد مات، فيدير طارق الراديو مسرعا، الذى يؤكد من خلاله نائب الرئيس السادات وقتها الخبر قائلا :» فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلى الرجال، وأشجع الرجال، وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبدالناصر الذى جاد بأنفاسه الأخيرة فى الساعة السادسة والربع من مساء اليوم ٢٧ رجب سنة ١٣٩٠الموافق ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٧٠ «، وتكون خلفية البيان لقطات أرشيفية لعبدالناصر فى مناسبات مختلفة، ثم لقطات أرشيفية للسادات يتلقى العزاء فى جمال عبدالناصر، ويظهر بشدة حزن أبطال العمل خاصة طارق وعادل، ثم لقطات أرشيفية من توافد رؤساء وزعماء العالم لتقديم واجب العزاء، ثم مشهد تشييع الجثمان والجنازة الضخمة المهولة، ويتحاور عادل مع طارق سائلا له: هل كان عبدالناصر زعيما أم ديكتاتورا؟ فيجيب طارق بأننا لا نستطيع أن نحكم عليه الآن، لكن التاريخ سيحكم عليه، وما عليهم سوى الحزن العميق على فقده، ويتحاور طارق مع رئيس التحرير الذى يؤكد له أن من حقق فى عهد عبدالناصر مكاسب لن ينساه، ومن أضير فى عصره لن ينساه كذلك، ثم يؤكد أن المصريين كلهم لن ينسوا جمال عبدالناصر، وعندما يسأله طارق هل أحب جمال عبدالناصر فيجيب أنه أحبه فى أوقات، ولم يحبه فى أخرى، لكن فى كل الأوقات كان يحترمه ويقدره لأنه زعيم، والزعيم لن يكون دائما على حق، ولكنه دائما سيظل زعيما.

وقد أراد المخرج من إدخال جنازة جمال عبدالناصر إلى عمله وإعطائها وقتا طويلا على الشاشة أن يؤكد أنها كانت حدا فاصلا فى تاريخ مصر وتاريخ الأصدقاء الثلاثة الذين هم طبقة من المصريين، فكل واحد من بعدها اتخذ مساره الذى لم يكن مسارا قانونيا أو مستقيما؛ مما جعل الصداقة تنهار، وجعل بعضهم يخون الآخر بسبب اختلاف القيم التى انتهت بموت عبدالناصر؛ لتطفو على السطح قيم الانتهازية والكسب غير المشروع والوساطة والمحسوبية، فاتبعها الأصدقاء مثل كثير من المصريين بدلا من التحلى بالقيم الإيجابية التى كانت تجمع المصريين وقت عبدالناصر وبموته اختفت وشيعت مع جنازته.

وقد جذبت شخصية عبدالناصر كثيرا من مؤلفى الأعمال السينمائية فوظفوها فى أعمال مختلفة، منها على سبيل المثال: أفلام « ناصر ٥٦ « ١٩٩٥ بطولة أحمد زكي، و» جمال عبدالناصر» ١٩٩٩ بطولة خالد الصاوي، و» أيام السادات» ٢٠٠١ بطولة أحمد زكي، وقام بدور جمال عبدالناصر الممثل محمود الخولي، والفيلم الأجنبى التليفزيونى «سادات»، من بطولة لويس جوست جونيور، وقام بدور جمال عبدالناصر الممثل جون ريس ديفيس. ولكن هذه الأعمال لم توظف جنازة جمال عبدالناصر بسبب حوادث العمل مثل فيلم» ناصر ٥٦ « الذى لم تخرج حوادثه عن نطاق سنة ١٩٥٦ حيث استقطع الكاتب عدة شهور فقط، والتى اعتبرها أهم وأخطر فترات قيادة عبدالناصر لمصر قبل وبعد تأميم قناة السويس، وفى فيلم «أيام السادات» ورغم أنه يشهد فترة موت جمال عبدالناصر وتولى السادات الحكم، إلا أنه لم يذكر شيئا عن وفاة الزعيم، واكتفى بفهم المشاهد موته بعد تولى السادات، وكان من المهم توظيف هذه الجنازة، أما فيلم «جمال عبدالناصر» فقد تضمن اللحظات الأخيرة قبل وفاة عبدالناصر، وحديثه مع زوجته، ثم المشهد الأرشيفى لتشييع جنازته المهيبة بصورة موظفة دراميا ومبدعة عندما استخدم لقطات أرشيفية جديدة وقت دفن عبدالناصر فى مسجد كوبرى القبة، وأبدع فى التقاط المشاهد التى بها بكاء كل المصريين على عبدالناصر، مع انطلاق كلماتهم من القلب «الوداع يا حبيب الملايين»، ولم يتضمن الفيلم الأجنبى «سادات» أى مشهد لجنازة عبدالناصر واكتفى بالإشارة إلى موته من خلال الصحف.