رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مختار جمعة.. عدو «أم كلثوم»!

28-9-2017 | 21:01


بقلم – طه فرغلى

 

تمطع مختار جمعة وزير الأوقاف وانتفض وزمجر وأحال الشيخ المبتهل إيهاب يونس للتحقيق وأوقفه عن العمل، ومنعه عن الخطابة والإمامة؛ عقابا له على أداء أغنية لسيدة الغناء العربى أم كلثوم.

جمعة يقدم نفسه عدوا للفن الراقى الهادف، صديق لأفكار المتشددين الدواعش، الذين يتحسسون أسلحتهم ويقتلون إذا استمعوا للغناء الراقى.

جمعة غضب وثار، كيف لشيخ أزهرى معمم يغنى لأم كلثوم هل هذا يجوز؟، ولكن غضبته ليست فى الله، ولا خوفا على الزى الأزهرى، جمعة انقاد وراء صفحات «فيس بوك» الإخوانية وصفحات المتشددين أعداء الفن، التى هاجمت الشيخ إيهاب وأعلنت حربا ضروسا مستهدفة من خلاله الأزهر، فما كان من جمعة إلا أن تحسب أن يطاله الهجوم، وعلى الفور أحال الشيخ صاحب الصوت الندى إلى التحقيق وأوقفه عن العمل.

الشيخ إيهاب لم يرتكب جرما. لم يغنِ أغنية مهرجانات أو كلاما مبتذلا، الشيخ غنى لسيدة الغناء العربى أم كلثوم، هل هذا جرم يستحق العقاب؟، الغناء للست يستحق التحقيق والإيقاف عن العمل؟.

مختار جمعة يقدم للمجتمع خطاب التشدد والتطرف، يدعم المتشددين، الذين يعتبرون الغناء الراقى رجسا من عمل الشيطان، يعلن صراحة أنه يكره أم كلثوم، ولا يحب سماعها، لم تأخذه رأفة بمداح النبى صاحب الصوت الراقى والإحساس العالى أحد عشاق رسول الله ونكل بالرجل تنكيلا، وهو الشيخ الكفيف أوقفه عن عمله ومنعه من الخطابة والإمامة، كل هذا قبل أن ينتهى التحقيق معه، وقبل أن يدان بحكم القانون.

نصب جمعة نفسا حكما وخصما وأصدر الحكم على غرار قضاة داعش الذين يحكمون بالقتل، حتى قبل أن يستمعوا إلى دفاع الضحية.

جمعة لم يرعوِ عن غيه، ولم يلتفت لفتاوى أساتذته ومشايخه، الذين تحدثوا عن أحكام الموسيقى والغناء، لم يقرأ الفتوى المعتبرة للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر، والتى قال فيها نصا «يجوز شرعًا الاستماع إلى الموسيقى بسائر أشكالها بشرط ألا يقارنها ما هو محرمٌ شرعًا كشرب الخمر أو الغناء الماجن، وبشرط ألَّا تكون مما يحرك الغرائز المحرمة ويبعث على الفسوق، وقد ورد فى جوازها بهذه الشروط جملة من الآثار والروايات فى كتب السنَّة، ونُقُول الأئمة، حتى إن بعض الأئمة أفرد التصنيف بجوازها، وعلى ذلك يدل ظاهر النصوص القرآنية؛ كنحو قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وقوله تعالى فى الآية التى بعدها: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْى بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ إلى آخر الآية الكريمة [الأعراف: ٣٢-٣٣]».

ولم يطلع على فتوى الدكتور على جمعة المفتى السابق والتى قال فيها «الاستماع للغناء والأغانى والموسيقى منها ما هو مباحٌ سماعُه ومنها ما هو محرمٌ؛ وذلك لأن الغناء كلامٌ حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ.

فالموسيقى والغناء المباح: ما كان دينيًّا أو وطنيًّا أو كان إظهارًا للسرورِ والفرحِ فى الأعيادِ والمناسبات، مع مراعاة عدم اختلاط الرجال بالنساءِ، وأن تكون الأغانى خاليةً من الفُحش والفجور وألا تشمل على محرمٍ كالخمرِ والخلاعةِ، وألا تكون مُحرِّكةً للغرائز أو مثيرةً للشهوات، وأن تكون المعانى التى يتضمنها الغناء عفيفةً وشريفةً».

ولكن من الواضح أن جمعة يعتبر أغانى السيدة أم كلثوم من أغانى الفحش والفجور، التى يستوجب غناؤها أو سماعها العقاب الشديد الفورى دون تحقيق.

جمعة من الواضح أنه لم يتعرف على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم جيدا، ولم يسمع عن سماحته عليه الصلاة والسلام، ولا يعرف الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وأحمد عن أم المؤمنين عائشة أنها زفّت امرأة من الأنصار فقال النبى يا عائشة ما كان معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو».

لا يعرف جمعة أن كثيرا من أعلام الفقهاء والأئمة أباحوا الموسيقى والغناء ومنهم ابن حزم والشوكانى وأبوحامد الغزالى.

يقول ابن حزم: «إنَّ الغناء مُباح»، وبنَى كلامه على تضعيف حديث أبى مالكٍ الأشعري، ويرى ابن حزم أن استماع الموسيقى مباح مثل التَّنَزُّه فى البساتين ولبس الثياب الملونة.

ويقول الإمام أبو حامد الغزالى فى بيان تحريم الغناء والموسيقى فى الملاهى وشرب الخمر: «فالغناء والموسيقى فى الملاهى محرم لتحريم الخمر؛ لأنّ الغناء فى الملاهى يدعو إلى شرب الخمر.

هناك أقوال معتبرة لأعلام الفقهاء فى إباحة الغناء، والأمر لم يكن يستدعى العقاب أو التحقيق مع الشيخ إيهاب يونس لأنه غنى بالزى الأزهرى.

أم كلثوم لم تكن أبدا فى يوم من الأيام سبة، وترديد أغانيها لم يكن فى يوم من الأيام تهمة أو جريمة تستوجب العقاب، كوكب الشرق فخر مصر وصوتها الذى لا يزال حيا نابضا، هى من غنت مدحا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هى من لحن لها أعلام كانوا يرتدون الزى الأزهرى أجمل الألحان، ولم نسمع أنهم عوقبوا أو أحيلوا للتحقيق.

السيدة أم كلثوم لحن لها الشيخ أبوالعلا محمد والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد مكاوى بالزى الأزهرى.

كثيرون من المشايخ وعمالقة القراءة والإنشاد فى مصر كانوا أصدقاء لسيدة الغناء العربى وبعضهم غنى لها، وهناك صور تحفظ هذا التاريخ المشرف فى فترة كانت مصر قبلة الإبداع والتنوير، وقتها لم يخرج علينا الشيخ محمود شلتوت أو إمام الدعاة الشيخ الشعراوى أو غيرهما من أعلام العصر فى ذلك الزمان ليطالب هؤلاء المشايخ بالاعتذار أو بإحالتهم للتحقيق.

فعندما سئل الشيخ الراحل، عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله، عن أحب الأصوات إلى قلبه، فى حوار تليفزيونى أُجرى معه، قال: «أنا أحب كل صوت جميل، والصوت الجميل بزيادة، أسمعه من سيدة الغناء، كوكب الشرق، صوت أم كلثوم»، وأضاف أنه يستمع للموسيقى ولا يرى فى ذلك أى ضرر.

أما الشيخ سيد النقشبندى فله صورة شهيرة تجمعه بسيدة الغناء العربى، وعندما سئل عن أحب المطربين إلى قلبه، ، تحدث عن صوت أم كلثوم، وعندما طلب منه أن يغنى مقطعًا مُحببًا إلى قلبه، لم يتردد، وغنى»أبا الزهراء قد جاوزت مدحي»من قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء التى غنتها أم كلثوم.

ويقول النقشبندى عن أم كلثوم، «كنت بغنلها وقولت لها كده فى لقاء معاها فى سيدى أحمد البدوي، أنا قولتلها إنى كُنت زمان بغنّى القصائد بتاعتك، وهى سُرّت كتير».

أما الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله فى حديث إذاعي، قال إنه كان يقابل السيدة أم كلثوم عادة فى الإذاعة، وفى إحدى المرات دعته لحضور بروفة لإحدى أغانيها، وسألته عن رأيه، فتفاجأت بخبرته الموسيقيّة وتحليله لكل مقطع مما غنته، فسألته كيف اكتسب تلك الخبرة، وهل عزف أى آلةٍ من قبل؟ فأجاب بأنه اكتسب ذوقه الموسيقى وعلمه بالمقامات وخلافه سماعيا.

لكن جمعة لا يعرف هذا ولا علاقة له بهذا كله، خاف على نفسه من الهجوم إن سكت أو وقف فى جانب الشيخ المبتهل إيهاب يونس، وقتها ما كانت لتتركه صفحات الإخوان وهو يحسب لهم ولهجومهم ألف حساب.

كان على جمعة قبل أن يصدر حكمه ويتخذ قرارا بإيقاف الشيخ إيهاب أن يقابله ويستمع إليه، ويتعرف عليه، أعتقد أنه لا يعلم أن الشيخ إيهاب يلقب بصوت من السماء وأن الله حرمه البصر ولكن أعطاه المقدرة على حفظ القرآن الكريم بالكامل فى عُمر الـ ١٠ سنوات، وأن شهرته لم تقتصر على العمل فى مصر فقط، بل شارك فى الكثير من الحفلات فى عدد من الدول العربية والأوربية.

وأنه كان صاحب فكرة إنشاء مدرسة الإنشاد الدينى التابعة لنقابة الإنشاد الدينى، وهو حاليًا مدير لها ويعمل بها.

بالتأكيد الشيخ إيهاب لم يخطئ عندما أدى أغنية لسيدة الغناء العربى، ولكنه امتثل ورضى بحكم وزير الأوقاف وأصدر بيانا قال فيه:

«أقدّر شعور مَن انزعجوا من الفيديو، الذى قمت فيه بأداء أغنية «لسه فاكر» للسيدة أم كلثوم، الذى تم نشره عبر عدد من صفحات جماعة الإخوان وكان أول من نشره الصفحة المسماة بـ «مكتب حراك مصر» التى قامت بدورها المعتاد من إشعال الفتنة وتكدير الصفو العام.

وأريد أن أُطمئن أحبتي، والمهتمين بأمري؛ أنه تم التحقيق معى، وأنا بخير بفضل الله. أقدّر وقوفكم بجانبي، وأحترم قرار السيد وزير الأوقاف بإيقافى عن الخطابة والإمامة، وأنتظر -بتمام الصبر والرضا بأمر الله- كلمة القانون فى أمري، والحمد لله على كل حال.

أما من علّقوا على المنشور؛ فأقول لهم جزاكم الله خيرا على ما قدمتموه من سب وقذف لى ولأهلى وأدعو لكم بالهداية. وكفى بالله وكيلاً بينى وبينكم.

وأما عن خطئي؛ فهو أن حمّلت الزى الأزهرى بتصرفى الإنسانى البسيط، وهو زى يجب احترامه وتقديره، وهو شرف لى ولكل من ينتسب إلى الأزهر الشريف، الذى هو مَنشئى وبيتى ومأواي؛ فأنا أبرأ إلى الله من كل اتهام لى بعدم الحرص على مكانه ومكانته، والله تعالى أعلم بالنوايا وهو المطلع على القلوب.

أشكر كل من قدم لى النصيحة، والله أسأل أن يبصرنى بعيوبى وأن ينور بصيرتى ومن أُحِب».

ولكن يبقى ما فعله جمعة يستحق المساءلة ونوجه له سؤالا، عله يجيب عنه «هل الغناء لسيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم جريمة تستحق العقاب حتى لو كان بالزى الأزهرى؟».