بقلم – عبدالقادر شهيب
النيابة العامة
مكتب النائب العام
نيابة أمن الدولة العليا
محضر مشاهدة
فتح المحضر اليوم ٢٣/١٠/٢٠١٣الساعة ١٠ صباحاً بسراى النيابة نحن محمد طويلة، وكيل النيابة ومحمود طلعت، سكرتير التحقيق .
حيث عهد إلينا السيد الأستاذ المستشار المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا بإعداد محضر المشاهدة لإثبات محتوى الاسطوانتين المرفقتين بمحضر التحريات المحرر بمعرفة المقدم محمد مبروك، فى القضية رقم ٣٧١ لسنة ٢٠١٣ حصر أمن الدولة العليا، هذا وقد قمنا بتشغيل الاسطوانة الأولى على الحاسب الآلى الخاص بالنيابة، وقد تبين أنها تحوى أربعة ملفات فيديو، وقد رأينا تفريغ تلك الملفات كل على حدة، وذلك على:
الملف الأول - ملف فيديو
وبتشغيله تبين أنه فيديو مدته عشر دقائق واثنتان وأربعون ثانية ويظهر فيه المتهم محمد مرسى العياط وكأنه فى اجتماع ممسكا بيده ميكروفونا وبجواره ميكرفون آخر مدون عليه «إخوان» ويتحدث المتهم قائلاً...” :أما الأمريكان وإسرائيل هما دلوقت تأكدوا أن الإخوان ليسوا دعاة حرب ومش هيحاربوا ومش رايحين يحاربوا الدنيا كلها، وهما متأكدين من الحكاية دى، لكن طبعاً بيتاجروا بها فى الأول عشان يوصلوا فى الآخر لسياق معقول، وواضح جدا من كلامهم أنهم «أى الأمريكان والإسرائيليين» يريدون أن يتعاملوا مع الإخوان فى الحكم».. «العالم أكثر قبولاً من ذى قبل لوجود الإخوان على الساحة فى مصر الآن، أظن أن الإسرائيليين بصفة عامة قاعدين ساكتين شويه».
هذا هو نص إحدى الوثائق المهمة التى تضمنتها أوراق قضية التخابر التى يعاد الآن فيها محاكمة محمد مرسى وعدد من قادة الإخوان.. والوثيقة هى تسجيل الاجتماع بمجلس الشورى «الرابع» لجماعة الإخوان عام ٢٠١١، وهو الاجتماع الذى خصص أساسا لتأسيس حزب الحرية والعدالة، واختار فيه المجلس كل شىء يتعلق به، ابتداء من اسم الحزب، ولائحته الأساسية، والبرنامج الذى سوف يخوض به الانتخابات البرلمانية، بل وقيادته، وطريقة تمويله، وأيضاً تمويل الحملات الانتخابية لمرشحيه، والذى أمدته بهم الجماعة، التى فرضت وصايتها كاملة على هذا الحزب الذى أسمته ذراعها السياسية.
ويكشف كلام محمد مرسى الذى كان تم التصويت على اختياره رئيسا للحزب بعد اعتذار كل من خيرت الشاطر وحلمى الجزار على الترشح لهذا المنصب داخل مجلس شورى الجماعة، أن الجماعة من خلال اتصالاتها مع الأمريكان، خاصة الاتصالات مع كيرى الذى صار وزيرا للخارجية الأمريكية فيما بعد والرئيس الأمريكى الأسبق كارتر، كانت متأكدة من ترحيب كل من أمريكا وإسرائيل بتوليها مقاليد الحكم فى مصر.. ولعل ذلك يوضح لنا لماذا دعم الأمريكان الإخوان بعد أن وصلوا بالفعل للحكم فى بلادنا، دعما قويا رغم إدراك واشنطن فى ظل إدارة أوباما أن هناك معارضة شعبية واسعة لهم تتصاعد فى مصر ضد هذا الحكم، الذى أسفر مبكرا عن وجهه الفاشى والمستبد، وشرع فى أخونة كل مؤسسات الدولة.
غير أن الأهم من ذلك فإن ما قاله مرسى فى الاجتماع الرابع لمجلس شورى الجماعة يكشف أيضاً رضاء الإسرائيليين على تولى الإخوان الحكم فى مصر، خاصة بعد أن قدمت قيادة الجماعة تعهدات واضحة ومحددة لها من خلال الأمريكان باحترام المعاهدة المصرية الإسرائيلية، كما قال مرسى أيضاً فى هذا الاجتماع وتضمنته تلك الوثيقة التى يشير إليها «فالحكومات والأحزاب لا تغير المعاهدات الدولية».. بل وبعد أن أبدى الإخوان استعدادا لترويض حركة حماس التى تنتمى إليهم وتشارك فى عضوية التنظيم الدولى للإخوان .. وقد أوفى مرسى وهو يتولى مهام منصب رئيس الجمهورية بهذه الوعود عندما توترت العلاقات بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية فى خريف عام ٢٠١٢، على أثر إطلاق عدد من الصواريخ من قطاع غزة فى اتجاه الأراضى الإسرائيلية، وردت إسرائيل على ذلك بغارات على القطاع، وهددت باجتياح أراضيه وإعادة احتلالها مجددا.
وتحكى هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها والمرشحة السابقة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى مذكراتها تفاصيل ذات دلالة فى هذا الصدد فى مذكراتها التى اتخذت لها عنوانا هو : «خيارات صعبة» وتقول :»وصلت بعد ظهر ٢١ من شهر نوفمبر ٢٠١٢ إلى القصر الرئاسى فى القاهرة، حيث التقيت مبارك مرات سابقا. كان المبنى والعاملون فيه على حالهم، مع تسلم الإخوان المسلمين الآن زمام السلطة. إلى هنا كان مرسى داعما اتفاق كامب ديفيد من أجل السلام مع إسرائيل، الذى شكل الركن الأساسى لاستقرار المنطقة طوال عقود».. «كان مرسى سياسيا استثنائياً، قذفه التاريخ من الغرفة الخلفية إلى كرسى الرئاسة، منكبا بطرائق كثيرة، على تعلم سبل الحكم من النقطة الصفر، فيما الأوضاع متأزمة جداً، كان واضحاً عليه عشقه للسلطة التى يوفرها له منصبه الجديد».. «شجعت مرسى على التفكير فى دور مصر على الصعيدين الاستراتيجى والتاريخى فى المنطقة. أتقن الإنجليزية، هو الحائز على شهادة الدكتوراه فى العلوم، فى جامعة جنوب إفريقيا عام١٩٨٢ ، ودرس فى جامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج، حتى العام ١٩٨٥ .دقق فى كل جملة واردة فى النص «نص اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة» سائلا: ماذا يعنى ذلك، هل هى ترجمة صحيحة؟ وفى مرحلة ما صاح «لا أقبل هذا» فأجبته “ لكنك كذلك طرحته فى إحدى مسوداتك السابقة». ورد : «حقا؟ حسنا».. وبهذا أبدى موافقته، حتى إنه ناقض وزير الخارجية محمد كامل عمرو فى مرحلة ما فى المفاوضات وقدم تنازلا رئيسياً».
وتضيف كلينتون: «كان الاقتراح مقتضبا ومباشرا، بالاتفاق على تحديد ساعة الصفر»، توقف إسرائيل كل أعمالها الحربية فى غزة، برا وبحرا وجوا، وتوقف الفصائل الفلسطينية عمليات إطلاق الصواريخ والهجمات الأخرى على طول الحدود، على أن تتمتع مصر بدور الضامن والمراقب «ملحوظة هذا ما اعترض عليه وزير الخارجية المصرية وقتها محمد عمرو».. إلا أن الجزء الشائك كان متعلقا بالذى سيحدث لاحقا، متى يخفف الإسرائيليون وطأة القيود على المعابر الحدودية فيتمكن الفلسطينيون من إدخال المأكولات والمستلزمات؟.. كيف تتأكد إسرائيل من عدم إعادة حماس بناء ترسانة الصواريخ؟.. اقترحنا أن يتم التعامل مع هذه القضايا المعقدة «بعد أربع وعشرين ساعة» على انطلاق وقف إطلاق النار».. كان الأمر غامضا عن عمد، فيما الفكرة تقوم على تسهيل مصر إجراء محادثات جوهرية لدى انتهاء المعارك، وكان نتنياهو فوض إلىّ مطلقاً أمر التفاوض فى القضايا المذكورة».
وتستكمل كلينتون كلامها قائلة: بعد ساعات من التفاوض المكثف توصلنا إلى اتفاق . ستدخل الهدنة حيز التنفيذ التاسعة مساء بالتوقيت المحلى، أى بعد بضع ساعات. «كان تحديد الوقت عشوائيا، ولكننا كنا فى حاجة إلى إيجاد جواب واضح عن السؤال الأهم: متى يتوقف العنف؟ .. وفى النهاية أصبح كل جزء فى مكانه، وحصلنا على الضوء الأخضر من القدس وواشنطن. جثا مستشار الأمن القومى لدى مرسى عصام الحداد، على ركبتيه شاكرا لله.. وهدأت أجواء غزة التاسعة مساء، كما كان مقررا.. كما اتضح لاحقا، طال وقف إطلاق النار أكثر مما كان متوقعا وتمتعت إسرائيل، عام ٢٠١٣ بالسنة الأكثر هدوءا منذ عقد من الزمان.
ودعنا من كل ما قالته كلينتون حول رأيها فى شخصية مرسى وعن عشقه للسلطة وعن انعدام مهارته وكفاءته.. فهذا ليس موضوعنا الآن .. وإنما ما يهمنا هنا هو ما أشارت إليه كلينتون حول تجاوب مرسى معها وقبوله بأمور لم يوافق عليها وزير الخارجية عمرو، وتقديمه تنازلا كبيرا لإسرائيل هو ضمان مصر بعدم تعرضها لإطلاق صواريخ أو أية أعمال هجومية أخرى من حماس.. أى أن الإخوان عندما كانوا يحكمون كانوا يتصرفون تجاه إسرائيل عكس كل ما كانوا يقولونه عنها من قبل.. كانوا يقولون إنها عدو ولكنهم كانوا يبادرون بتقديم الضمانات لها ألا تتعرض لهم حماس بأية أعمال عسكرية.. ولذلك اعتبرت كلينتون أن إسرائيل ظفرت بالكثير فى اتفاق وقف إطلاق النار الذى توصلت إليه مع مرسى فى خريف ٢٠١٣.
ألا نستنتج من كل ذلك أن إسرائيل كانت راضية عن حكم الإخوان فى مصر؟.. وإذا أضفنا إلى ما سبق كل ما أثير فى الصحافة والإعلام داخل أمريكا حول تلك الصفقة التى كانت تطبخ على نار هادئة لإنهاء المشكلة الفلسطينية على حساب مصر وباقتطاع مساحة من أراضيها فى سيناء وضمها إلى قطاع غزة وتوطين بعض أهلها فيها.. فهنا سوف نستنتج أن إسرائيل كانت تنظر إلى حكم الإخوان فى مصر بأكثر من عين الرضا.. فإن ما كانت تخطط له وتروج من أجل تحقيقه كان الإخوان مستعدين لتنفيذه انطلاقا من أنهم لا يؤمنون بالدولة الوطنية وإنما بالأممية الإسلامية، وتحديدا دولة الخلافة الإسلامية التى لا تهتم أو تكترث بضم جزء من أراضى دولة إلى أخرى أو اقتطاع مساحة من أراضى دولة لمنحها إلى أخرى مادامت كل هذه الدول سوف تشملها جميعا دولة الخلافة الإسلامية.
وهنا تحديداً نصل إلى بيت القصيد، وهو ما يتعلق بعنوان هذا المقال.. وهو «موقف إسرائيل من هبة المصريين فى ٣٠ يونيه للتخلص من حكم الإخوان الفاشى المستبد».. فإذا كانت إسرائيل تشعر بالرضا على حكم الإخوان كما بدا لنا ذلك بوضوح سواء فى كلام مرسى أو كلام كلينتون .. فكيف سوف تستقبل الإطاحة بهم من الحكم؟
الإجابة المنطقية بالطبع أنها استقبلت ذلك، أى ٣٠ يونيه وما تلاه، بتخوف كبير.. ليس تخوفا على مستقبل المعاهدة المصرية الإسرائيلية.. فهى تدرك أن مصر تلتزم بما وقعت عليه، وهى سبق أن جربت ذلك قبلها مرتين.. الأولى بعد اغتيال أنور السادات عام ١٩٨١ وتولى مبارك مسئولية رئاسة الجمهورية.. والمرة الثانية بعد تنحى مبارك عام ٢٠١١ وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد.. وإنما طرد الإخوان من حكم مصرى أفقد إسرائيل نظاما كان يخدم مصالحها ويساعدها فى تحقيق مخططاتها، خاصة وأن الإخوان كانوا يدركون أنهم ما كان فى مقدورهم الوصول إلى الحكم بدون دعم ومساندة ومساعدة الأمريكان.. فهم لم يشاركوا فى مظاهرات يناير ٢٠١١ إلا بعد استئذان الأمريكان، كما تكشف إحدى وثائق قضية التخابر أيضاً، وهو تسجيل لمجموعة اتصالات تليفونية بين مرسى وأحمد عبدالعاطى فى ٢١ “ إلى ٢٥ يناير “..٢٠١١ كما أنهم لم يشاركوا فى انتخابات الرئاسة المصرية عام ٢٠١٢ إلا بعد أن طلب منهم السيناتور كيرى خلال لقاء جمعه مع المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر.. ولم يتجاسر مرسى بإحالة كل من المشير طنطاوى والفريق عنان وسحب سلطة التشريع من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا بعد أن شجعته كلينتون حينما التقت به بعد إعلان فوزه فى الانتخابات الرئاسية وتوليه مقاليد منصب رئيس الجمهورية.
إذن..
لا مجال هنا للقول إن إسرائيل استقبلت هبة المصريين فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣ بالرضا.. بل العكس هو الصحيح تماما لقد استقبلتها بالضيق لضياع فرصة العمر لتحقيق مخططاتها وخاصة مخطط إضعاف مصر وسلبها مساحة من أراضيها فى سيناء .. ولا مجال بالتالى للقول إن إسرائيل ساعدت ٣٠ يونيه، لأنها- كما يكشف أى تحليل مضمون- .. لما كانت تكتبه الصحافة فى إسرائيل ويتداوله إعلامها ويفلت من تصريحات من أفواه بعض مسئوليها .. كانت تنتابها الكثير من المخاوف من مستقبل الأوضاع فى مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان، بل وبعد خروجهم تماما من المعادلة السياسية فى مصر.
أما القول إن الإسرائيليين أسهموا فى تغيير موقف إدارة أوباما من مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان .. فهذا أمر مشكوك فيه كثيرا، فى ظل التوتر الذى كان يشوب علاقة أوباما شخصيا بنتنياهو، والذى عبر عن نفسه فى أكثر من مناسبة، مثل تحدى نتنياهو أوباما علنا وفى داخل أمريكا أمام جمع من اليهود، ومثل محاربة نتنياهو علنا المرشحة التى كان يساندها أوباما فى انتخابات الرئاسة، وهى هيلارى كلينتون، مثلما فعل قبلها فى إعلان انحيازه لمنافس أوباما فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى الفترة الرئاسية الثانية له.
الأمريكان راجعوا موقفهم تجاه الحكم المصرى الجديد بعد ٣٠ يونيه مضطرين خشية أن تذهب مصر بعيدا عنهم وتمضى قدما فى نسيج علاقات قوية قوية مع خصومهم مثل الروس والصينيين.
ولعله من المفيد هنا القول إن مصر بعد أن جمدت إدارة أوباما المساعدات العسكرية لنا فى أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان فى ٣ يوليو ٢٠١٣ لم تعد إلى استئناف قدر من هذه المساعدات إلا بعد أن طلبت منها مصر عودة الخبراء العسكريين الأمريكيين الذين يتقاضون رواتبهم من قيمة هذه المساعدات وخصما منها.
وهكذا.. إسرائيل مثل أمريكا فوجئت بما حدث بمصر فى ٣٠ يونيه وتعاملت براجماتيا تجاه ذلك.
ونحن لم يساعدنا فى ٣٠ يونيه سوى بعض الأشقاء العرب الذين أسهموا فى تغيير مواقف بعض الحكومات الأوربية الغربية.
ولنتذكر دوما أن الصعود المصرى بعد الثالث من يوليو لا يريح إسرائيل.. وهذا ما تنطق به كتابات إسرائيلية عديدة.