رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


شروط السلام الذى تريده مصر

29-9-2017 | 21:25


بقلم –  أحمد أيوب

 

تفسيرات كثيرة وتأويلات مختلفة جرت حول كلمة الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الأسبوع الماضى وتحديدا ما يخص القضية الفلسطينية، المتربصون حاولوا الترويج لفكرة التطبيع والادعاء أن هناك تفاهمات مصرية إسرائيلية على ذلك.

واقع الأمر لكل من ينظر للأمر بموضوعية شديدة هو أن الوضع لم يعد يحتمل حالة الكراهية المتزايدة أكثر من ذلك، فالحكومات تبدع فى تعطيل أى عملية سلام وتختلق العقد والأعذار، بينما الشعوب هى التى تدفع الثمن من إرهاب يهدد حياتهم، واقتصاديات متعطلة ومستقبل لا يعرفون طبيعته.

الأجواء التى تعيشها المنطقة، بل العالم كله تحتاج إلى جرأة من نوع خاص، تحكمها الرؤية العقلانية والبعد عن العواطف التى كثيرا ما ورطتنا فى كوارث، ولهذا خرج الرئيس السيسى بدعوته من على منصة الأمم المتحدة، تجاوز الحكومات وخاطب الشعوب لأنها المضارة من كل ما يجرى، فإذا كان الرئيس قد خاطب الحكومات أن تسارع بانتهاز الفرصة التى قد لا تتكرر، فإنه ناشد الشعوب أن تتحرك وتدعم أى خطوات لتحقيق السلام.

يقينا يعلم كل من يفهم فى الشأن الإسرائيلى أن احتمالات تحقيق السلام وإنهاء قضية القرن ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى صعبة إن لم تكن مستحيلة فى ظل حكومة نتنياهو الحالية بمن تضمهم من متطرفين، يرفضون أى محاولات لتحقيق فكرة الدولتين لأنهم لا يريدون الاعتراف - أصلاً بدولة فلسطين المستقلة، لكن هذا لا يمكن أن يكون سببا فى تعطيل عملية البحث عن السلام العادل الشامل الذى لا يجامل أحدا ولا يظلم آخر، وإنما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة.

هذا هو ما أراده الرئيس وتحدث به، فالسلام الذى يدعو إليه ويحفز الشعوب عليه ليس سلاما على الهوى الإسرائيلي، وليس بحثا عن أمن مواطنى دولة الاحتلال كما يروج بعض المزايدين أو من فى نفوسهم هوى، لكنه السلام الذى يضمن للفلسطينيين دولة مستقلة، معلومة الحدود، وعاصمتها القدس الشرقية، سلام يجعل فلسطين دولة كاملة الإرادة، وعضوا فاعلا بالأمم المتحدة وكافة منظماتها، سلام يضمن للشعب الفلسطينى المشرد أن يعود لأرضه ويعيش تحت سماء دولته، سلام يفتح الباب لإعادة هيكلة دولة فلسطين، وبناء مؤسساتها واقتصادها، وتوفير مصادر العيش الكريم لأبنائها، سلام لا تفرض فيه إسرائيل شروطا ولا تتعنت فى موافقات ولا تتحكم فى معابر أو منافذ، وعندما يتحقق هذا السلام فثماره لا تخص إسرائيل ولا تقتصر على الفلسطينيين، وإنما ستعم المنطقة بأكملها بل العالم بأسره، لأن وتيرة العنف ستقل ومبررات الإرهاب ستتلاشى.

هذا هو حلم الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى كما أتوقعه، رجل ينظر إلى الأمور بعقلانية وموضوعية، ولهذا كان التصفيق مرتين من نصيبه أثناء كلمته.

كان يمكن أن يختار السيسى الطريق السهل ويتحدث عن معاناة الفلسطينيين، وأنه لا سلام مع إسرائيل، وأنه لا تنازل عن حق الفلسطينيين، وأن طريق الجهاد مستمر، وغير ذلك من الجمل الحماسية التى تعودنا عليها من قيادات ونخبويين عرب على مدار العقود الماضية، دون أن يحققوا من ورائها فوزا واحدا أو يكتسبوا شبرا واحدا على الأرض، بل كثيرون ممن كانوا يطلقون مثل هذا الجمل فى المحافل والمناسبات الدولية، كانوا هم أكثر من يهرولون إلى إسرائيل ويقيمون معها العلاقات التجارية والسياسية وينسقون معها وتروج وسائل إعلامهم للفكر الإسرائيلي، وخير مثال على ذلك قطر وحكامها وقناتها العميلة.

بل أكثر من ذلك أن أغلب إن لم يكن كل التنظيمات التى نشأت بحجة محاربة إسرائيل تحولت فجأة لتحارب الشعوب العربية وتقتلهم وتفجر بلدانهم وتغتال رجال جيوشهم وشرطتهم مثل ما يحدث من تنظيم بيت المقدس فى سيناء وغيره من التنظيمات الأخرى، التى ادعت الدفاع عن الأقصى وهى فى الحقيقة تدافع عن إسرائيل.

وبعض الجماعات مثل الإخوان التى كانت تتاجر بالقضية عندما وصلت إلى الحكم فى غفلة سارعت لإرضاء إسرائيل وخاطب ممثلوها رئيس من كانوا يسمونهم بـ«الخنازير» بوصف «عزيزى».. يشهد على هذا الأمس القريب!

لكن مصر هى من حاربت وألحقت بإسرائيل هزيمة لايزال صداها يرج تل أبيب حتى الآن، ومصر هى التى استردت أرضها بالسلاح، ومصر هى التى تفرض رأيها كما تريد، وتقف بقوة ضد أى مخطط يستهدف الأمن القومى العربى أو المصرى.

فى الوقت نفسه فمصر هى أكثر من يعلم خطورة استمرار الصراع على المنطقة وشعوبها والثمن الذى يمكن أن تدفعه هذه الشعوب، كما أنها تعرف خطورة ذلك على أمنها القومى، وبالتالى لا مجال للمزايدة على مواقفها أو دعوات رئيسها، بل لابد من النظر إليها بعين وطنية تقدر المصلحة التى تفرض على الجميع إدراك خطر استمرار حالة الكراهية التى نعيشها وتغطى أجواؤها المنطقة بالكامل.

الأهم أن مصر لم تخطُ خطوة واحدة فى هذا الاتجاه بعيدا عن أصحاب القضية والأرض، بل كانوا على علم بكل ما يجرى، وما كانت عملية المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية والتى نجح فيها جهاز المخابرات العامة المصرية ببراعة واحترافية ببعيدة عن هذا الاتجاه، كى يكون الفلسطينيون يدا واحدة فى مواجهة إسرائيل، حتى يتمكنوا ببراعة واحترافية من أن يفرضوا شروطهم فى عملية السلام ويحققوا حلم دولتهم التى يريدونها.