د. نبيل رشوان
ربما كانت المنطقة العربية والقارة الأفريقية هى المتضرر الأول من خروج روسيا من اتفاق الحبوب التى تعتبر روسيا وأوكرانيا من أهم مصدريها فى العالم، وجاء خروج موسكو متسقاً مع أحداث سبقته مثل قيام أوكرانيا بضرب جسر القرم بمسيرات بحرية، وجاء كذلك على خلفية تمرد مجموعة "فاجنر"، والتمرد التركى وخروج أنقرة عن المألوف فى قمة الناتو، حيث وافق أردوغان على انضمام السويد لحلف الناتو مقابل ألا تعترض الأخيرة على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، كل هذا جعل روسيا والرئيس بوتين يكون أكثر حسماً هذه المرة فيما يتعلق باتفاق الحبوب، الذى فى تقدير الخبراء ارتقى بمكانة الرئيس التركى الدولية، بل قامت روسيا بقصف البنى التحتية فى الموانئ الأوكرانية وصوامع الغلال فى مينائى أوديسا ويوجنى، مما سيكون له تأثير كبير على صادرات القمح والحبوب الأوكرانية.
كانت روسيا ترغب فى أن يتم فتح "السويفت" البنكى مع البنك الزراعى الروسى لتقوم روسيا بتصدير بعض المواد الغذائية والأسمدة إلى دول أفريقية روسيا تقول موسكو أنها ستمنحها المواد الغذائية كمعونات، لكن يبدو أن الأوروبيين والأمريكيين وجدوا فى هذا ضعف روسى ناتج عن العقوبات، وفهموه لى أن روسيا تطالب بتخفيف العقوبات، فقرروا زيادة الضغط، وفى خطوة مماثلة قرر الجانب الأوكرانى اعتبار أى سفن قادمة من وإلى ميناء نوفوروسيسك الروسى على البحر الأسود هدف مشروع لها ستقوم بضربه وكأنها تقول أنا لن أصدر القمح والحبوب وسأحرمكم من ذلك.
تجدر الإشارة هنا إلى أن 75% من السفن الموجودة فى الموانئ الأوكرانية هى لتركيا واليونان وهى التى تقوم بنقل الغلال إلى دول أفريقية وأوروبية، كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن صادرات روسيا وأوكرانيا تشكل 25% من صادرات الحبوب حول العالم، ولذلك سوف تتأثر الكثير من الدول خاصة الأفريقية.
ربما يكون قرار روسيا بالانسحاب من اتفاق الحبوب يهدف للضغط على دول أفريقيا التى أدان معظمها من أسموه "التدخل الروسى" فى أوكرانيا، وربما بموقفها المتشدد هذا تحاول موسكو تسجيل موقف حاسم للدول الأفريقية أثناء مؤتمر روسيا وأفريقيا المقرر نهاية الشهر الجارى لكى تتخذ هذه الدول موقف أكثر وضوحاً من الصراع الحالى، بالإضافة إلى أن هذا الموقف هو رسالة للرئيس التركى الذى قام بجولة فى منطقة الخليج وتحدث فى السعودية عن التعاون مع الأمير محمد بن سلمان فى استعادة الأطفال الأوكران الذين تدعى أوكرانيا أنهم هجروا قسراً لروسيا، وهو ما يعنى تغير فى الموقف السعودى من الأزمة الحالية، روسيا لا تستطيع فى الوقت الراهن اتخاذ موقف عنيف من الرئيس التركى الذى يهدم الجسور مع صديقه الدود خطوة خطوة، بدأها بالموافقة على ضم السويد للناتو، وأنهاها بالتأثير على دول الخليج مقابل مكاسب اقتصادية، فالكل يعرف أهمية مضيقى البوسفور والدردنيل بالنسبة لروسيا وهما المضيقان اللذان تصدر عن طريقهما روسيا معظم صادراتها خاصة النفطية، وتستطيع تركيا ببساطة منعها بدعوى التلوث، إضافة إلى أن تركيا من الدول القلائل التى لم تنضم للعقوبات المفروضة على روسيا.
كنت قد توقعت بعد تمرد "فاجنر" أن يحاول الرئيس بوتين أن اتخاذ مواقف أكثر تشدداً لتأكيد سيطرته على الأوضاع بعد الشرخ الذى أحدثه هذا التمرد، ولهذا خالف توقعات الرئيس إردوغان بأنه سيوافق على تمديد فترة اتفاق الحبوب، كما أنه يريد أن يقول (الرئيس بوتين) للعالم أن "فاجنر" ليست شئ جوهرى فى العملية العسكرية ومازال موقفنا قوى، رغم ادعاءات رئيس "فاجنر" فى كلمة مسجلة لمقاتليه عن الفوضى فى الجيش وإشادته بمقاتليه الذين على حد قوله قاتلوا بشرف التصعيد من المتوقع أن يزداد فى منطقة البحر الأسود خاصة إذا قصفت أوكرانيا أي سفن تجارية روسية، الغريب أن روسيا يمكنها قصف السفن التجارية حتى تلك التى ترفع علم دول الناتو، بينما لا تستطيع ضرب سفن الحلف العسكرية وإلا ستكون فى حالة حرب مع الحلف، على أي حال ستكشف الأيام القادمة وحتى أخر الشهر مصير اتفاق الحبوب، مع عقد مؤتمر روسيا وأفريقيا، هل يتنازل الرئيس بوتين ويمدد الاتفاق من أجل الدول الأفريقية.