في ذكرى رحيله| «الثقافة تُعاني من أزمات عديدة».. أبرز تصريحات يوسف إدريس للمصوِّر
يعد الأديب الراحل يوسف إدريس والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم، واحدًا من أهم كتاب الرواية ورائدًا في كتابة القصة القصيرة، على عاتقه، همَّ الثقافة المصرية وما طرأ عليها من حالات ضعف ووهنٍ ثمانينيات القرن الماضي تحديدًا، وامتازت تجربته الإبداعية بالصدق الفني، وبصمة أسلوبية في الكتابة، مكنته فيما بعد بالريادة في الأشكال الأدبية التي أبدع فيها، وخاصة القصة القصيرة.
وفي حوارٍ قديم له مع "مجلة المصور" الصادرة عن "دار الهلال"، أجرى إدريس حوارًا مع الأديب الكبير يوسف القعيد، المحرر بمجلة المصوِّر آنذاك، يتحدث فيه عن تجربته الإبداعية وإلى ماذا وصل في إبداعه، ورأيه في حال الثقافة في ذلك الوقت:
بعد العتاب يأتي السؤال الأول
افتتح القعيد اللقاء الذي دار بينه وبين يوسف إدريس بقوله: "هل نضب يوسف إدريس" فخشى القعيد أن يثور أو يغضب من مدلول السؤال، إلا أنه تفاجئ بهدوئه ومباشرة فرد:
فقال إدريس: "انتهيت هذا الأسبوع من أضخم عمل روائي في حياتي، رواية عنوانها "افتح القلب"، أقدم فيها تجربة مصر في الربع قرن الأخير، وكذلك تجربتي الشخصية، إنني أحاول تقديم الخاص والعام، في الرواية، وإن كان يبدو أن نشرها لن يكون عملًا سهلًا، هل تعرف؟ أنني أفكر في ترجمها إلى الإنجليزية ونشرها في لندن، ولكن هل تصل - في هذه الحالة - إلى القارئ الذي كتبتُ من أجله، إنني بهذا أحكم عليها بالنفي في سجن اللغة الإنجليزية إلى الأبد".
بادره القعيد على الفور باستفساره والذي أتى على النحو الآتي: "قلت لي من عامين أنك تكتُب رواية عنوانها "رأيت الله" عن تجربتك في مستشفى المعادي، ما هو مصيرها؟.
أجابه إدريس: إنها نفس الرواية، التي تحدثنا عنها من قبل كل ما حدث أنني غيرت العنوان.. إن فتح القلب ورؤية الله عملية واحدة، والرواية خرجت من الأيام التي قضيتها في المعادي، إن لحظة من لحظات القصة تتم بفعل الأمر، ولكني لا أتوقف في الرواية عند تجربتي الخاصة دائمًا أقدم تجربة مِصر كلها فيها..
ثم يكمل حديثه قائلًا: "في المطبعة الآن مجموعة من القصص القصيرة، فيها قصص الفترة الأخيرة كلها هي: "اقتلها وتوكل"، وفي العام الماضي صدرت لي مجموعة "أنا سلطان قانون الوجود"، ولي في المطبعة الجزآن الثالث والرابع من مفكرة يوسف إدريس، بعد صدور الأول والثاني منها.
لقد مررت بأزمة في السنوات الثلاث الماضية، ولكني عُدت إلى الإبداع بصورة لم تحدث لي من قبل، وأقول لك أنني أعاني من مشكلة نشر هذا الكم الكبير من النتاج الأدبي الجديد- وأنا أعاني هذه المشكلة أكثر من الشبان الجدد وصدقني!.
أزمة الثقافة أم ثقافة أزمة؟
يباشره يوسف القعيد بصراحة سؤاله وجراءته عن أزمة الثقافة في مصر، فلا يتردد إدريس ويصارحه بقوله: "الثقافة المصرية تُعاني من أزمات وليست أزمة واحدة، أولها الخلط بين الثقافة والإعلام، الثقافة لها معنى علمي بعيدًا عن الإعلام، والقصة تنتمي إلى المدفعية الثقافية التي تهدف، ليس إلى التعبير اليومي عن مكونات الإنسان ولكن إلى التغيير الاستراتيجي الذي لا يتصل بوضوح راهن أو قائم، أو بنظام حُكم ما، ولكنه يتصل بالنظام الإنساني نفسه، وبحتمية وضرورة تغييره إلى الأفضل، الثقافة من المفروض أن تُعَامل مثل العِلم المُجرد في الجامعات، فلا أعتقد أنه يحدُث حاليًا في الجامعة أن يُمنح تدريس فلسفة معينة، أو نظرية عِلمية ما، لأنها ضدَّ النظام، بمعنى آخر، في الجامعة لا يمكن الوقوف أمام اتجاه معرفي مُعين، لأن المعرفة ضرورية للإنسان، والإنسان بدون معرفة حيوان ناطق".
يتابع مؤكدًا: "لا بُد وأن تجتاح حياتنا، موجة من المطالبة بفتح الباب كاملًا وعلى مصراعيهِ أمام كافة الأعمال الأدبية، ورفض النظر إليها من العين الإعلامية، ولكن من خلال المنظور العلمي، وإن لم يحدثْ هذا، سنكون مسؤولين سواء كُنا كُتابًا أو حكومة، قراء أو جماهير، عن الاختلال الخطير، ليس بحاضرنا الثقافي، ولكن بأجيالنا الجديدة، إنها قضية يجب أن تَفتح باب النِقاش فيها الآن، وأنا أطرحها بهذه الصُّورة؛ الأدب ليس إعلامًا، وعِلميًا لا بُدَّ من التفريق بين هذا وذاك".