رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الصياد

18-2-2017 | 17:54


كتب: أحمد سعدة

أنا شاب على مشارف الأربعين .. نشأت في إحدى قرى الريف .. والدي رجل ميسور من عائلة كبيرة ومحافظة، يملك أراضي زراعية، ومصنعا كبيرا للأعلاف. انتقلت في المرحلة الجامعية للإقامة في القاهرة، واستأجر لي والدى شقة مفروشة .. وأمضيت سنين الكلية بأكملها في قصة حب انتهت بمرارة الفشل، ولم أجني منها سوى اللوعة والألم والعذاب.
تخرجت من الجامعة، وبوساطة والدى التحقت بوظيفة مرموقة في إحدى السفارات الأجنبية .. واشتريت سيارة حديثة، وانتقلت إلى شقة تمليك .. ودخلت بعدها في سلسلة من العلاقات الكاملة، يطول عمرها أو يقصر بحسب المزاج.
في أحد زياراتى للبلد، فوجئت بصديقة أختى في بيتنا، وفهمت أنه لقاء جرى الترتيب له من أهلى لإقناعى بالزواج .. وعرفت أنها في السنة الثالثة بكلية إعلام القاهرة .. وبدأت مقابلاتى لها في الجامعة، واشتعل الحب سريعا بيننا، وخطبتها في حفل عائلي كبير. مضت شهور من علاقتى بها، وأخبرتها أنى فى اشتياق رهيب للحظات دافئة أرمى فيها رأسى إلى حضنها بعيدا عن أعين الناس .. ونجحت بعد عناء في إقناعها بزيارة شقتىى، ولو لمرة واحدة، ترى فيها الفرش والديكورات، مع وعد ألا أتجاوز الحدود. ولم أكتفي بالحضن، وهي لم تكتفى بصفعى .. وغادرت، بعد أن رمت دبلة الخطوبة في وجهى .. وفي اليوم التالي صالحتها أمام زملائها بساعة ذهبية، وباقة ورود .. ووضعت الدبلة في إصبعها، بعد أن قبلت يديها أمام الحضور.. ومرت الأيام، وحاولت معها من جديد .. وتظاهرت بمرضي الشديد .. ووافقت على زيارتى بعد ضغط وإصرار .. وهذه المرة تجاوزت معها كل الحدود، وفعلنا كل الأشياء.. إلا شيئا واحدا.
وبعدها أصبحت هي التي تهتم بزيارتى .. وبدأت مشاعري نحوها تتغير .. وتحول حبى إليها إلى ملل، ولهفتي لها إلى فتور .. وانقلبت ثقتى فيها إلى شكوك .. شك في ماضيها، وشك في مستقبلها كزوجة مخلصة لا تخون. ومهما بدت أمامى بلا علاقات، فإن الأمر قد يكون ضعفا في معلوماتى، أو احترافية منها في التمثيل وداراة الأمور .. ولماذا التعب؟
لم أستطع التعايش كثيرا مع هذه البلبة والقلق والشكوك، وأنهيت خطوبتى معها بعد أن كرهتها رغم الدموع والتوسلات .. وكرهت تماما فكرة الزواج وألغيتها من رأسى، رغم ضغط وإلحاح الأهل والأصدقاء. وأصبحت هوايتى الوحيدة في الحياة هى صيد البنات الساقطات.. ولم أعد أعرف للحب معنى إلا على الفراش .. حتى جاء ذلك اليوم.. !
كانت فتاه عصرية، جميلة ومتحررة، وعازفة في فرقة موسيقية .. ساعدتها في إنهاء بعض الإجراءات بالسفارة، ومن هنا جاء التعارف .. وحاولت دعوتها للخروج، لكن لم ألقى منها أي اهتمام، وحتى رقمي لم تسجله على هاتفها، وكل مرة أجدنى مضطرا لتذكيرها من أكون.. ودون أن أدرى تعلق قلبى تماما بها .. وأصبحت أتبعها في كل مكان، وأحضر حفلاتها بالهدايا وباقات الورود .. وأصبحت هى الوحيدة محور اهتمامى، بعد أن شطبت من حياتى كل النساء، رغم أنها لم تكن تبادلنى أي مشاعر من أي نوع. ومع أن فارق السن بيني وبينها ثماني سنوات، غير أن طفولتها وانطلاقتها وعشقها للحياة، شعرت معهم كأنى عجوز تجاوز الألف عام .. وقد اقتنعت مؤخرا أن كل ما مضى في حياتى لم يكن سوى خيال، وأوهام، ونزوات .. وأنني وللمرة الأولى أحب بصدق .. أحب لدرجة الجنون.

وبعد أن كنت قد نسيت حكاية الزواج، وجدتنى أعرض عليها أن تكون زوجتى وملكتى وشريكتى فى الحياه، وجاء ردها تماما خارج التوقعات .. وانسحَبَت ببطء، وحذفتنى تماماً من حياتِها، وقطعت أمامى كل وسيلة للتواصل والاتصال.

والآن، أصبحت أمشى في الشارع هائماً على وجهى، شارداً وممزقا ومعذبا .. وأشعر بالوحدة والانهزام، وكأنني خسرت كل معارك الحياة .. وحياتي لم يعد فيها أي شىء يغرينى، وأيامى الفارغة تحولت إلى إحباط قاتم، وملل قاتل .. وأقراص منومة، وقلق ويأس واكتئاب.
ومؤخرا عرفت أن خطوبتها بعد أسبوع .. لقد رفضتنى دون أن تبدى أسباب، وابتعدت دون أن تبدى أسباب..
أشعر برغبة داخلى في قتلها .. ولا أعرف كيف أقتل هذه الرغبة في القتل.

ساعدني أرجوك..

الرد ..
ما فهمته من رسالتك الطويلة أن المرأة في حياتك، تبقى دائما هدف .. تثيرك وتجذبك، وترفع من حرارتك، وتجننك، طالما تتمنع وتتدلل عليك .. ثم تهبط حرارتك فجأة، حينما تحصل عليها، وتصبح بين يديك.
والحب في حياتك ظل لعبة سخيفة، وعادة مملة.. تشتعل في البدايات، وتنطفىء في الفراش، وتنتهى بدش دافيء، وأكلة كباب .. وحتى العلاقة الوحيدة الجادة في حياتك، حولتها إلى فشل بمنتهى العبث والاستهتار. إن ذنب خطيبتك الوحيد، أنها صدقت مكرك وخبثك العاطفى، واستسلمت لك بسذاجة بنت ريفية وثقت في شهامة ابن البلد والحبيب .. ففعلت بها كل الأفاعيل .. ثم بمنتهى النذالة بصقت عليها ورميتها، كما ترمي أعقاب السجائر والمناديل.
إن تعدد علاقاتك خلق بداخلك حالة من العدائية والقلق والشك نحو كل النساء .. وابتعدت عن خطيبتك بعد أن أحبتك، وشاركتك ضعفك .. لكنك لم تفهم هذا الحب، ولم تغفر لها ذلك الضعف .. وتجاهلت توسلاتها، وأمعنت في إذلالها، وأفقدتها ثقتها بنفسها، ولعنتها، ولفظتها.. واحتقرتها .. ونسيت قبل كل شيء، أن تحتقر نفسك أولا.
إن العابثين أمثالك بكل تناقضاتهم واهتزازهم وكذبهم وادعاءاتهم هم أسباب كل الفشل الذي نحياه، وهم أسباب كل الخيانات .. وهم أيضا أبطال كل قصص الضعف والبؤس واليأس والضياع في حياة كل البنات. وحتى عازفة الموسيقى التي أحببتها كما تدعى، سرعان ما انقلب حبك لها إلى كراهية، وعداء وتفكير في قتلها لمجرد أنها خذلتك، ورفضت الانضمام إلى سلك حريمك .. وهذا يدل على غرورك وأنانيتك، ونفسك المغلقة، وحرصك على أن تأخذ كل شيء. إن تفكيرك في الزواج منها، لم يكن لأنك تحبها .. ولكن لأنك فشلت في الحصول عليها كعشيقة، فقررت امتلاكها كزوجة .. وزواج بهذه الطريقة كان سيعذبك ويرهقك ويحرق أعصابك .. لأنك بالنسبة لها مجرد رجل بلدي فرحان بنفسه وبوظيفته وسيارته وفلوس أبوه .. مجرد صياد بلا قيمة يفهم كل البنات على أنهن ساذجات، يفرحن بالدباديب وباقات الورود. إن استمرار قصتك بهذه الطريقة سينتهى بك إلى الإفلاس واليأس، وحضيض الزواج السيء من عروسة تناسب طريقة تفكيرك تختارها لك أمك أو أختك بعد أن تكون قد تعبت من حياتك، ويئست من وحدتك في خريف العمر.

إن ما أنت فيه الآن من صدمة وعذاب، ربما يكون صفعة عادلة، تفيق معها من غيبوبتك الشيطانية، التي أطلقت العنان لغرائزك وشهواتك، بلا مسئولية أو قيود.
وأنا أشعر تماما بك، وبالغضب داخلك .. وكل الأفكار الانتقامية التي تراودك ليست سوى انفعالات مؤقتة .. ولست في حاجة لأن أقنعك بالنتائج القاسية لأي تهور أو اندفاع .. لأن الفضيحة لأهلك في البلد ستكون مقنعة لك .. والمحاكم والسجون، وربما المشانق ستكون أكثر إقناعا.

وليس أمامك أيها الصياد بعد هذه المحنة العاطفية سوى الانفراد مع نفسك، والتصالح معها، وإعادة الحسابات .. وأنت الآن في حالة انعدام وزن، وتنزف كطير مذبوح .. ودخولك في أي علاقة بهذه الشحنة من الكراهية والحقد، لن تعني سوى إيذاء كل من تقترب منه، وتعلن عليه الحرب التي اشتعلت بداخلك.
امنح نفسك أجازة، ووقت مستقطع، لتبرد نيران الغضب بداخلك وتتآكل .. واعتزل الحب والعلاقات لعدة شهور .. حاول فيها التواصل بعمق مع نفسك واكتشافها من جديد .. وثق دائما في أن القادم أفضل، وأن مشيئة الله كلها خير .. ورحمة .. وسلام.