٦ أكتوبر و٣٠ يونيه.. ومازال مخطط التقسيم
بقلم – جمال أسعد
نحتفل هذه الأيام بالعيد الـ ٤٤ لنصر أكتوبر العظيم. الذى أعاد فيه وبه المقاتل المصرى العزة المصرية والكرامة الوطنية فى مواجهة العدو الصهيونى الذى احتل الأرض فى نكسة ٥ يونيه ١٩٦٧، نصر ٦ أكتوبر الذى أثبت ولاء المصرى لأرضه وانتماءه لوطنه وحبه لشعبه وأنه حتى وإن صبر كثيرا فهو لا ولن يقبل الضيم والاستبداد، فالأرض للمصرى هى العرض والشرف. أكتوبر أثبت للعالم أن جيش مصر أقدم جيوش العالم صاحب العقيدة الوطنية المرتبط بشعبه والمحافظ على وطنه هو الأقدر وهو الذى يستطيع أن يهزم كل الأعداء المتربصين بالوطن على مدى التاريخ.
كما أثبت أنه لا يوجد أمام هؤلاء المصريين ما يسمى بالجيش الذى لا يهزم فهذه المقولة ماهى إلا أسطورة من الأساطير المزعومة التى قامت وتقوم عليها الدولة الصهيونية منذ البداية كما أن أكتوبر كشفت الوجه الحقيقى للمصرى الذى إذا أراد فعل وإذا أنجز أبدع الشىء الذى يعطى الأمل فى أنه إذا وجدت الإرادة والعزم والتخطيط العلمى فسنصل بإذن الله إلى كل ما نريد ونحقق وطنا متقدما حديثا لكل المصريين ، لم تكن أكتوبر ولن تكون آخر المواجهات ضد المحتل والغاصب والطامع ،فمصر منذ التاريخ مطمع لكل الإمبراطوريات وهدف لكل صنوف الاستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة. فلقد جاء على مصر أكثر من اثنتين وخمسين غزوة حربية وثلاث هجرات جماعية ومصر تهزمهم بل تمصرهم فهى بحق مقبرة للغزاة. ولذلك لم تكن أكتوبر غير معركة فى حرب متصلة ومتواصلة تتعدد صورها وتختلف أساليبها بين معارك حربية وصراعات سياسية ومواجهات اقتصادية ليست بعيدة عن الثقافة والهوية المصرية فإسرائيل منذ أن وجدت فى المنطقة بمساعدات ومخططات استعمارية هى بمثابة كعب أخيل الذى يمكن استغلاله عند اللزوم. فالاستراتيجية اليهودية ثم الصهيونية لم تستهدف أرض فلسطين فحسب ولكن مصر هى الهدف الأسمى ليس الآن ولكن منذ قديم الزمان ومنذخروج بنى إسرائيل من مصر. والادعاء ببناء الأهرام والزعم بأن سيناء أرض يهودية ما هى إلا دلائل على الأهداف الصهيونية فى مصر وفى المنطقة فإذا كانت إسرائيل قد بدأت مع الاستعمار البريطانى فى ذلك الوقت وقد كان وعد بلفور الذى أثبت الدور المتكامل لإسرائيل وبريطانيا. فنفس الدور وذات الأداء تؤديه إسرائيل مع كل قوى استعمارية جديدة أو بديلة. كما أن المطامع فى مصر والمنطقة قديمة قدم الزمان. فالحروب الصليبية والاستعمار الفرنسى وحملة فريزر التى تحولت فيما بعد إلى استعمار بريطانى ماهى غير حلقات تلك الأطماع وإن اختلفت أشكالها وتعددت أساليبها. ولكن وفى كل الأحوال وإن تغيرت أسماء المستعمر فالدور الإسرائيلى فى المنطقة لا يتغير وهذا هو الخطر الحقيقى. بما يعنى أن نصر أكتوبر أو معاهدة السلام مع إسرائيل لا يعنى هذا انتهاء الصراع وإلى الأبد ولكن الصراعات تأخذ أشكالاً وصيغا تتوافق مع المعطيات السياسية المحلية والإقليمية والعالمية كما أن الدور المصرى الذى يقوم به السيسي الآن لحل ما يسمى بقضية القرن وما تم من محاولة المصالحة بين فتح وحماس واللقاءات بين السيسى ونتنياهو وعباس وترامب فى أمريكا ما هو إلا تأكيد على الدور المصرى التاريخى مع القضية الفلسطينية وتأكيد سياسة مصر الدائمة نحو السلام وليس الاستسلام، فهل هناك علاقة عضوية بين ما يتم فى المنطقة ومنذ ٢٠٠٣ حيث تم سحق العراق وما استتبع ذلك من إعلان الفوضى الخلاقة التى ظهرت حقيقة على أرض الواقع بعد الربيع العربى وبين إسرائيل وأمريكا؟ من المعروف أن هناك علاقة بين ما يسمى بمخطط تقسيم المنطقة على أسس طائفية معلنة خريطتها لكل دول المنطقة من خلال خطة إسرائيلية قد أعلن عنها عام ١٩٨٢ تحت عنوان «خطة من أجل إسرائيل» كان قد كتبها أوديد بينون الدبلوماسى الإسرائيلى السابق لشرح خطة صهيونية عن علاقات إسرائيل بالعالم العربى وتفتيت دوله لدويلات صغيرة انطلاقا من العراق وحتى مصر مرور بسوريا ولبنان والأردن والسعودية والسودان، ودول شمال إفريقيا وكانت قد ترجمت هذه الخطة إلى الإنجليزية عن طريق المفكر اليهودى نعوم تشومسكى والتى أعادت مجلة التايم الأمريكية نشرها. وهدف هذه الخطة وتلك الاستراتيجية هو جعل العالم العربى ينهار ويتفكك إلى «موازييك» من كيانات عرقية ودينية صغيرة حيث إن العالم العربى مكون من أقليات وطوائف مختلفة ومعرض للانفجار والتفتت العرقى والاجتماعى من الداخل وصولا إلى الحروب الداخلية الأهلية. لافتا إلى أن قوة العراق على إسرائيل على المدى القريب أكثر خطورة من قوة أى دولة أخرى. مشيرا إلى تقسيمها إلى مقاطعات طائفية.. هل هناك وضوح أكثر من ذلك فهذا قد تحقق بالفعل فى العراق بعد أن دفعت سفيرة أمريكا صدام لاحتلال الكويت حتى يكون ما كان حيث تم سحق العراق وجيشه وتاريخه ما نرى الآن من تفكيك حقيقى على أرض الواقع. فالآن يتم بالفعل تنفيذ هذا المخطط وإن كان السبيل إلى ذلك للأسف الشديد هو اختراقنا من خلال بعض المشاكل الدينية والأمنية والعرقية التى لم ننجح حتى الآن فى معالجتها. نعم هناك مؤامرة لا شك ولكن المؤامرة هى استغلال الداخل ومشاكله وعملائه الذين يقومون بالدور خير قيام هل هناك علاقة بين هذا المخطط الصهيونى وبين المصالح الأمريكية فى المنطقة؟ نعم هناك علاقة فالتاريخ لا يتجمل. ففى عام ١٩٠٢ تم نشر مقال للمستشار السياسى للإدارة الأمريكية فى مجلة «ذى ناشيونال ريفيو» البريطانية وكان تلخيصاً لنظرية قد صاغها فى كتاب «القوة البحرية والولايات المتحدة» والتى أكد فيها أن الدولة التى ستسيطر على الشرق الأوسط بقنواته وسواحله ومراكز إنتاج النفط ستفوز بالسباق من أجل الشرق الأقصى والأكثر ربحاً ومن ثم ستسيطر على العالم أجمع. وكانت الحرب العالمية الأولى والتى لفتت نظر الأمريكان لباب الشرق الأوسط الكبير تلك النظرة التى تواكبت مع صدور وعد بلفور وزرع إسرائيل فى المنطقة. وتوافقت المخططات وتواصلت الأطماع. وكان الغزو الأمريكى لأفغانستان ثم غزو العراق لإسقاط صدام حسين مقدمة للوصول إلى الفوضى فى الشرق الأوسط وقد استتبع ذلك وفى نفس الإطار وتنفيذا للمخطط. فصل شمال السودان عن جنوبه وكان ما يسمى بالربيع العربى لنشر الفوضى وإسقاط النظم فى تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن. ومازلنا نرى ما نراه على أرض الواقع فى كل هذه الدول. وبالرغم مما حدث للعراق منذ ٢٠٠٣ ولكن المخطط يسير فى ذات الاتجاه ونرى الآن ما يحدث فى كردستان العراق حيث كان الاستفتاء على الاستقلال يوم ٢٥ سبتمبر الماضى وما سيحدثه من ردود أفعال وما سيحققه من نتائج ستصيب استقرار المنطقة فى مقتل وتضيف كوارث لما هو موجود. فكما قلنا إن المخطط يهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية نظرا للموازييك الذى تتشكل منه دول المنطقة. فهذا الاستفتاء هو الضوء الأخضر لما سيأتى بعد. فبعد فصل شمال وجنوب السودان هناك خطط لفصل دارفور عن السودان. والاعتراف الرسمى بالأمازيغية لغة ثانية بجوار اللغة العربية بالجزائر ومخطط تقسيم لبنان لدول طائفية وهناك الحديث المتصاعد عن الوطن الفلسطينى البديل ولتهجيرهم مع ثورات الربيع العربى التى تم تحريكها من أجل جعل الدولة الصهيونية أكثر أمانا واستقرارا من أى وقت مضى.
وهنا نأتى إلى بيت القصيد فمخطط أوديد بينون يقول «فى مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة مسيحية يشكلون الأغلبية فى مصر العليا يقصد الصعيد بنحو ٨ ملايين نسمة ولما كان السادات قد أعلن عام ١٩٨٠ أن هناك مخططا لإنشاء دولة للأقباط نعم لا يوجد هذا الهاجس عند الأقباط بلا شك ولا يمكن أن يكون هذا المخطط هو الحل لأى مشكلة مهما كانت. ولكن هناك لا شك عملاء للأمريكان وللصهاينة التابعين والذين سمعنا ونسمع منهم مثل هذه الترهات وهم فى الخارج فى أمريكا تحديدا ويعملون حسب الأجندة الأمريكية التى تستغل ما يسمى بمشاكل الأقليات الدينية فى المنطقة. وهذا يدور فى إطار هذا المخطط الذى قال بإعلان دولة للمسيحيين تكون عاصمتها الإسكندرية ودولة نوبية تكون عاصمتها أسوان ودولة للبدو تكون عاصمتها فى سيناء وشرق الدلتا تكون تحت النفوذالإسرائيلى الصهيونى ليتحقق حلم «من النيل إلى الفرات» ودولة فلسطين على شمال سيناء بعد ضمها لغزة لتنتهى تماماً المشكلة الفلسطينية» وهى فكرة جماعة الإخوان، إضافة إلى دولة السنة فى القاهرة. وهذا ليس المخطط المعلن عام ١٩٨٢ “أوديد بينون” ولا هى نظرية المستشار السياسى الأمريكى ١٩٠٢ ولكنه الواقع الذى لا يكذب. الواقع الذى يرد على المتأمركين الذين يرفضون المؤامرةتسهيلاً لها. الواقع الذى يقول إن الفوضى غير الخلاقة تسير فى خطها والتقسيم يسير على قدم وساق وما يحدث يراه كل من له عين تبصر. فهل نسكت ونصمت أم ماذا؟ مصر والحمد لله قد نجت من المخطط الذى كان قد بدأ مع جماعة الإخوان ٢٠١٢ وتم إسقاط نظامهم ولكن المخطط مازال ولن يسقط إلا بإرادة المصريين. إسرائيل موجودة وأمريكا حامية والموقف العربى فى أسوأ مراحله وأضعفها، والتفتت العربى مستمر وكل هذا لا يصب فى غير صالح إسرائيل. فالعرب والمسلمون يتقاتلون تحت مسميات كثيرة كاذبة ولا مواجهة بل ولا رصاصة توجه لإسرائيل نعم إسرائيل لا ولن تنسى الهزيمة عام ١٩٧٣ وهى ترد الآن بما يحدث لمصر وللمنطقة. هنا لابد أن نعى تماماً أن نقطة الضعف ضد مصر دائما هى ورقة الأقباط. تلك الورقة التى تستغل قديماً وحديثا وطوال الوقت. خاصة بعد تلك العلاقة المميزة بين السيسى والمصريين المسيحيين التى تؤكد السير فى بداية طريق المواطنة. ولكن هل سيتركوننا؟ بالطبع لا وألف لا. ولذلك قد رأينا وتزامنا مع استفتاء كردستان يخرج علينا تيلرسون وزير الخارجية الأمريكى بتصريح خطير فى صحيفة فرى بيكون الأمريكية بشأن قرار ترامب الذى وجه بتوجيه المبالغ المستقطعة من المعونة الأمريكية ١.٤ مليار دولار إلى الأقليات الدينية المسيحية فى مصر والعراق تحت ما يسمى بدعم المسيحيين فى مصر بعد شكوى النشطاء. وتطرق إلى تعرض أقباط العريش إلى عمليات إرهابية. هنا البداية الخطيرة. هذه هى بالونة الاختبار وهذا هو بداية التدخل. فماذا يقصد ترامب؟ ولمن ستدفع هذه الأموال؟ للكنيسة أم للنشطاء الأمريكان فى مصر؟ وماذا ستكون أوجه الصرف؟ وما هى الطرق لمواجهة الإرهاب الواقع ضد الأقباط بهذه الأموال؟ أم هى ستكون لما يسمون بالنشطاء كرشوة معلقة للسير فى طريق تنفيذ المخطط؟ الأمر خطير وعلى الكنيسة والأقباط بل كل المصريين المسلمين قبل المسيحيين برفض هذه المعونة فوراً بل برفض أى معونة تهدد استقلال الوطن وتهدد استقراره وسلامته. الأقباط مصريون ومشاكلهم مصرية ولن تحل على غير أرض مصر وعن طريق كل المصريين فلا أمان لمصر بغير المصريين جميعهم كل عام والمصريون بكل خير وكل أكتوبر وهناك نصر جديد بسواعد المصريين وحتى تكون مصر بحق لكل المصريين حتى يسقط كل المخططات.