بقلم : شيرين جابر
باحثة بمكتبة الأسكندوية
بعد مرور ٤٤ عامًا على حرب أكتوبر، بدا أن هناك عودة إسرائيلية إلى الحديث عن القوة التى لا تقهر والاستهانة بالقوة المصرية التى كادت تعصف بإسرائيل فى عام ١٩٧٣؛ لذا وجب علينا أن نتذكر تلك الأيام التى هزت إسرائيل، وأحدثت صدمة نفسية للمجتمع الإسرائيلي؛ وأيضا ليتذكر العرب صدى حرب أكتوبر فى الشارع الإسرائيلي، ويكفينا أن نضع نصب أعيننا كلام «موشى ديان» عقب اندلاع شرارة حرب أكتوبر حينما قال: «إنى أريد أن أصرح بمنتهى الوضوح بأننا لا نملك الآن القوة الكافية لدفع المصريين إلى الخلف، وإننا لا نملك القوة الكافية لإعادة المصريين عبر قناة السويس مرة أخرى».
الضربة التى وقعت بإسرائيل فى حرب أكتوبر، أصابت المجتمع الإسرائيلى بهلع ورعب، فالضربة التى تلقتها إسرائيل على أيدى القوات العربية، مازالت راسخة فى النفوس الإسرائيلية، ولنتذكر تلك الأيام، فمع إعلان راديو إسرائيل بداية يوم الغفران فى اليوم الخامس من أكتوبر، وقبل أن يختتم برامجه عقد اجتماعا محدودا بمقر رئاسة الأركان حضرته جولدا مائير والوزراء الذين يسكنون فى تل أبيب، وقد حضر أربعة منهم هم: شيمون بيريز، حاييم بارليف، موشى ديان، وإسرائيل جاليلى، أما راد و اليعازر الذى دعُى إلى حضور الاجتماع فقد بدأ متشائمًا تماما، وأعرب عن أمله فى أن يتم استدعاء الاحتياطى كما حدث من قبل، غير أن اقتراحه رفض بالإجماع، وكان ديان أول من لم يثق بإمكانية اندلاع الحرب.. وفى رأيه أن القوات التى أرسلت إلى الحدود ستكون كافية تماما لاحتواء أى هجوم محتمل إلى أن تصلها قوات الاحتياطى.
وفي ديزنجوف بتل أبيب وفى شوارع القدس وحيفا أغلقت المحال والمقاهى أبوابها، وكانت المجموعات الأخيرة من سيارات الأتوبيس التى تسير فى الشوارع تتجه نحو حظائرها، لقد بدأ يوم الغفران يوم السبت بما يشوبه من مسحة صمت أليم. فقد كانت الشوارع خاوية والمعابد مملوءة بالمصلين، وذكرت صحيفة «معاريف» المسائية «أن قوات تسهال تراقب عن كثب كل ما يدور على الجانب المصرى من قناة السويس، لقد اتُخذت كافة الإجراءات لتفادى وقوع هجوم مفاجئ».
وفى نقاط خط بارليف أمام الساتر الرملى كان عدد الجنود الإسرائيليين لا يكاد يبلغ ٦٠٠ جندى من قوات اللواء ١١٦ التابع لقوة مدينة القدس، وقد تفرقوا على امتداد ١٨٠ كيلومترا بطول الجبهة، وفى مرتفعات الجولان فإن القوات التى بقيت فى مواقعها كانت تشعر بالسخط؛ لأنها لم تحصل على تصاريح للاحتفال بيوم عيد الغفران كما هو الحال بالنسبة لقوات الاحتياطى.
وفي صباح يوم السبت السادس من أكتوبر، حلقت طائرات الميراج الإسرائيلية فوق القدس، على الرغم من أن هذا اليوم من المفترض أن يغلب عليه السكينة والهدوء، وكانت الطائرات تختفي فى الأفق فوق تلال يهوذا، ثم تعود أدراجها فوق المدينة وهى تحلق على ارتفاع منخفض فوق أسطح المنازل، وفى هذه اللحظة أدرك الرجال الذين خاضوا حرب الأيام الستة، كما أدركت قوات الاحتياطي التي اشتركت فى الحروب الماضية ما هو المقصود بذلك، فهى التعبئة؛ فحول المصلون في الكنس أنظارهم عن كثب الصلاة التي فى أيديهم، وعن توابيت العهد، إلى النوافذ ليروا ما يجرى فى الشوارع. وزاد الإحساس بالتوتر أصوات الطائرات ذهابًا وإيابًا فى السماء، وهو منظر غير معهود فى يوم الغفران، حتى إن جماعات التجنيد وصلت إلى الكنس، وتسللت بين المصلين وأخرجت من بينهم الذين استدعوا للالتحاق فورًا، وحتى فى أكثر الضواحى تدينًا، خرج الشبان من الكنس وتحولوا خلال ساعة واحدة إلى جنود مستعدين للمشاركة فى المعركة، انتاب الجميع مشاعر متصارعة ما بين الخوف والذعر وما بين أنه لا يوجد سبب للقلق، وليس هناك ما يدعو للخوف، فالجيش الإسرائيلى لم يكن أبدًا أقوى مما هو عليه، وهذا ما يكرره القادة في إسرائيل على مسامعهم كل يوم.
وفى ميدان شومار الذى انطلقت منه النداءات يوم عيد الغفران تدعو إلى الصلاة انطلق فيض من الصافرات وكلها تدعو الإسرائيليين فجأة إلى الحرب، وللمرة الرابعة فى غضون خمسة وعشرين عامًا، وفى ظرف دقائق قليلة انغمست مدينة القدس فى جو من الاضطراب، واندفعت السيارات وتدافعت الأسر فى كل مكان نحو المخابئ، واندفع الجنود داخل المعابد لترحيل رجال الاحتياطي، ولم تكد الصفارات تتوقف حتى استأنفت الإذاعة الإسرائيلية التى توقفت منذ اليوم السابق عن بث برامجها من جديد لكى تعلن الهجوم الموحد للجيوش العربية فى الجولان وعلى قناة السويس، وجاء فى البيان العسكرى أن قوات الدفاع الإسرائيلية اتخذت الإجراءات الدفاعية اللازمة.
ومن المسلمات الراسخة التى تتعلق بالمفاجأة التى حدثت فى حرب يوم الغفران تلك التى تتعلق بالإنذار المبكر المخابراتى الذى قُدم فى صبيحة يوم السادس من أكتوبر؛ حيث تم تحديد الساعة ١٨,٠٠ موعدًا لبدء الحرب؛ ولكن الحرب بدأت فعلا قبل ذلك بأربع ساعات، وفى الحقيقة كان يتمسك القادة الإسرائيليون بذلك لتبرير الفشل العسكرى الذى حدث فى الأربع والعشرين ساعة الأولى للحرب، وفى تفسير حقيقة أن الوحدات النظامية فى القيادة الجنوبية لم تكن منتشرة وفق التخطيط المحدد.
إن اختبار الحقائق يوضح صورة مغايرة للموقف، ففى الساعات المبكرة من صبيحة الخامس من أكتوبر أصدرت القيادة العامة الإسرائيلية أوامر بالدفع بلواء مدرع إضافى إلى سيناء، ونُقل جنود هذا اللواء جوًا إلى الجنوب فى ليلة الخامس والسادس من أكتوبر وتزودت بالدبابات الخاصة بالفرقة الدائمة وذلك قبل أن يبدأ الهجوم المصري، وتلقى القادة فى ظهر الخامس من أكتوبر أوامر بالانتقال إلى درجة الاستعداد «ج»، ثم تلقت القيادات أوامر بالانتشار وفق خطة «آشور»، التى تعنى نشر لواء مدرع على امتداد القناة ونشر لواء آخر فى المنطقة ما بين القناة والممرات، ونشر اللواء الثالث كاحتياطى بالقرب من مقر الفرقة في رفَيديم.
وفى صبيحة يوم السبت السادس من أكتوبر تلقى قائد المنطقة الجنوبية تعليمات بنشر قواته وفقا للخطة «برج الحمام» التى تحولت إلى خطة دفاعية لامتصاص أى هجوم شامل، وكان من الضرورى بموجب هذه الخطة استبدال رجال الاحتياط الموجودين فى المواقع بجنود نظاميين من الوحدات المختارة ولكن هذا لم يحدث، وعلى أية حال فإن الادعاء بأن القوات لم تستبدل بسبب الإنذار المبكر قصير المدى الذى تلقته تلك القوات، هو ادعاء غير مقنع حيث كان فى الإمكان نقل جنود إحدى الوحدات النظامية جوًا أو القيام بعملية استبدال الجنود فى نفس الليلة، مثلما حدث فى ليلة السادس من أكتوبر حين نُقل جنود اللواء المدرع إلى سيناء بطريق الجو.
والحقيقة أن اللواءين المدرعين اللذين كان يجب أن يتواجدا حسب الخطة فى منطقة القنال مع بدء الحرب وتواجدا على مساحات بعيدة منها، لم تغير أيضا من نتيجة المفاجأة. وحدث هذا نتيجة للأوامر التى أصدرها قائد القيادة الجنوبية الجنرال شموئيل جونين بعدم البدء فى تصعيد الوضع فى أعقاب التحرك المسبق الذى قامت به فرقة سيناء جنوب القناة، وعندما بدأ العبور انتشرت حوالى ٩١ دبابة من بين ٣٠٠ دبابة، وفى تواجد محدود فى المنطقة ما بين القناة وطريق العرض ومن بالوظه وحتى طريق متلا، وبدلا من وجود ٤٢ دبابة كان يجب أن تُغطى حسب خطة «برج الحمام» الجبهة على امتداد حوالى ٦٠ كيلومترا هى امتداد خط المياه– تواجدت على خط المياه مع بدء إطلاق النار ثلاث دبابات فقط، ويبدو أنه لم يكن لذلك أى تأثير حاسم على مستوى المجال الجوى؛ حيث إن الإنذار المبكر المخابراتى حدد الساعة ١٨,٠٠ موعدًا لبدء الهجوم المرتقب. ولم يؤثر ذلك على استعدادات السلاح الجوى الذى قام بأعمال الدورية فى سماء الدولة اعتبارًا من ساعات الظهر المبكرة. وحدث خلال جلسة الحكومة التى عقدت فى الساعة ١٢,٠٠ من نفس يوم الهجوم حيث سُئل وزير العدل يعقوب شمشون شابيرا: ماذا سيحدث إذا قدم العدو المصرى موعد بدء الحرب؟، فردّ وزير الدفاع موشيه ديان بقوله: «هذا أنسب سؤال أثير فى جلسة الحكومة، إن السلاح الجوى يقوم بطلعات جوية منذ ساعات الظهر للتصدى لمثل هذا الاحتمال».
وفى يوم السبت السادس من أكتوبر، وبعد شن الهجوم المصري السوري، ذكر راديو إسرائيل أنه تم احتواء الهجوم السوري فى الجولان وأن الهجوم المضاد سيبدأ وشيكًا، وأن تسعة من الكبارى الأحد عشر التى أقامها المصريون على القناة قد دمُرت، وأن الطيران الإسرائيلى له الغلبة المطلقة على الجهات كلها، أما فى ظهر الاثنين فقد ذكر راديو إسرائيل أن «مرحلة الدفاع قد انتهت وأن جيش الدفاع الإسرائيلى بدأ الهجوم».
وفى جميع الصحف العبرية التى ظهرت يومى ٧، ٨ من أكتوبر أبدى جميع المعلقين نفس التفاؤل فقد تحدثوا عما أسموه الكوارث العربية الأولى، فقد ذكرت «لنفورماسيون» يوم ٧ من أكتوبر ما يلى: «من وجهة النظر العسكرية فإن هذه المواجهة المسلحة مع العدو تدور فى ظل استراتيجية أفضل بكثير من مثيلاتها عام ١٩٦٧»، أما «هاآرتس» فقد ذكرت فى نفس اليوم «أن واشنطن على ثقة من أن إسرائيل ستتصدى للهجوم فهى تعتقد أن الحرب ستستمر يوما أو يومين»، أما «صحيفة هاتسوفييه» فقد قالت يوم ٨ أكتوبر: «إن الضربات التى يوجهها جيش الدفاع الإسرائيلى إلى الجيشين العربيين ستكون أقسى من الضربات التى وجهها إليهما في الماضي»، وذهب كتاب المقالات الافتتاحية فى إسرائيل يوم الثلاثاء إلى حد تقييم المشكلات العسكرية ومعالجتها على أساس أنه تمت تسويتها على الحدود، وتساءلوا بصفة خاصة عن النتائج السياسية لهذا النصر الجديد، لقد طمأنت المؤسسة الإسرائيلية نفسها ومواطنيها منذ يوم السبت السادس من أكتوبر، كما ساهمت إذاعتها وصحفها فى تحديد موقف إسرائيل الجغرافي، ولم تمضِ ساعات قليلة على بدء الهجوم العربى حتى ظهرت جولدا مائير على شاشات التليفزيون ونددت فى صوت مفعم بالتأثر والغضب عن خيانة العرب الذين هاجموا إسرائيل فى يوم عيدها. غير أن الإسرائيليين استوقفهم بصورة خاصة الجمل القصيرة التى وردت فى كلمة جولدا مائير، فقد قالت «لقد كانت المخابرات الإسرائيلية تعلم منذ بضعة أيام أن الجيوش السورية والمصرية حشدت للقيام بالهجوم فى وقت واحد، وقد اتخذت قواتنا الاستعدادات العسكرية اللازمة لمواجهة الخطر، ونحن لا نشك أبدا فى أننا سننتصر».
ووعد موشى ديان في الإذاعة بدوره بإلحاق العرب هزيمة مجلجلة، واعترف ديان فى هذه الكلمة بوقوع بعض الخسائر فى صفوف الإسرائيليين، واختتم كلمته معلنًا «أن النصر لا يتطلب بضعة شهور أو بضعة أسابيع أو حتى بضعة أيام»، أما دافيد اليعازر رئيس الأركان العامة فقد قدم أمام مئات الصحفيين الأجانب الذين ازدحمت بهم يوم ٨ أكتوبر قاعة بيت «سوكولوف» للمؤتمرات وهى المركز الصحفى لجيش الدفاع الإسرائيلى عرضًا إجماليًا لنتائج يومين ونصف اليوم من القتال، لقد بدأ اليعازر في نوبة من القلق أكثر منها نوبة غضب، وقال محاولا أن يتفوق على ديان «سنطرد العدو وسنلاحقه وسنسحق عظامه».
وفى يوم الأحد ٧ أكتوبر، واجه «بيريمياجو يوفيل» المراسل العسكرى الإسرائيلى المرابط على جبهة قناة السويس غضب جنوده، بعد أن أعلنوا غضبهم مما تنقله الإذاعة الإسرائيلية وصرخوا قائلين «إن إسرائيل تكذب على نفسها». وبدأ يوفيل يغلى غيظًا، واتصل بصوت إسرائيل فى تل أبيب وصرخ قائلا «أوقفوا هذه الأكاذيب! إنكم تخدعون أنفسكم»، وطالب يوفيل بتصحيح عاجل لهذه البيانات، وفقد يوفيل أعصابه وقذف التليفون فى الخندق، والتف حوله نحو ثلاثين من جنود الاحتياط، وهم منهمكون وواجمون، وقال أحدهم فى هدوء «لا تغضب نحن نعلم أنك لست مسئولا عن هذه الأكاذيب بيد أن زملاءك الذين يعملون فى صوت إسرائيل لن يضرهم شيء إذا قالوا الحقيقة»، وبعد لحظات عادت الإذاعة تكرر بيانها «أن قواتنا تسحق أكرر تسحق»، وكان هذا البيان بعد الانسحاب المباشر والنكسة القاسية التى أصابت الجيش الإسرائيلي فى الجبهة الجنوبية! وبعد أن قام يوفيل باتصال تليفونى سريع لراديو إسرائيل أخذ يكتب بعض الملاحظات على ورقة وقد فقد أعصابه وجاء فيها: «لقد أعلنتم أن قواتنا تسحق قوات العدو على خط القناة ويريد المراسل العسكرى الذى يلازم القوات الإسرائيلية أن يكذب هذه المعلومات، وفى الحقيقة لقد نجحنا فى عرقلة تقدم العدو وسوف ندخلفى مرحلة الهجوم المضاد، بيد أن هذه المرحلة مازالت فى بدايتها. لقد استطاع المصريون أن يعبروا إلى الضفة الشرقية بأعداد ضخمة طوال ليلة السبت إلى يوم الأحد ٧ أكتوبر، وقد بدأوا فى تنظيم صفوفهم. ومن هنا يجب أن نستنتج أنه على عكس ما ورد فى بيانكم فإن جميع الجسور التى تم مدها فوق القناة لم يتم تدميرها بعد»، على أن يوفيل الذى حرص على ألا يثير القلق والبلبلة، اختتم كتابهقائلا بحذر «سوف ننتصر إلا أن هذا النصر سيتحقق بعد مدة طويلة وحتى الآن لم تتم أية عملية عسكرية محددة، ولم يتخذ أى قرار بعد».
وأخذ الجنود الإسرائيليون ينصتون لهذه الرسالة الشفوية التى بعث بها يوفيل تليفونيًا، ثم أخذ الجميع ينتظرون النشرات الإخبارية القادمة. وفى الساعة السابعة عشرة قام مذيع صوت إسرائيل بنقل البيان الذى يتضمن «وعلى قناة السويس سحقت قواتنا قوات العدو». وأذيع البيان نفسه فى الساعة الثامنة عشرة.
وفى الساعة التاسعة عشرة، وفى الساعة العشرين والدقيقة الثلاثين أذاع الراديو المؤتمر الصحفى الصاخب الذى عقده قائد قوات الجيش الإسرائيلى حيث قال: «سوف نحطم عظامهم»، وتناول يوفيل التليفون مرة أخرى وطلب تل أبيب – وقد أثار فضيحة هذه المرة عندما وصف المسئولين عن الإعلام بأنهم كذابون لا ضمير لهم ومذنبون، وقد أجاب المسئولون عليه وهم محرجون أنه من الصعب على إذاعة إسرائيل أن تنقل معلومات متناقضة سوف يؤاخذها العالم كله عليها.
وفى القدس شعرت جولدا مائير ومجموعتها بالقلق ابتداء من مساء الأحد من جراء المشكلات الإعلامية، وأراد موشى ديان الذى هزته المفاجأة وانتقده الجميع ووجهوا إليه اللوم، وبعد أن أوشك على تقديم استقالته، وأن يعلن الحقيقة للشعب بنفسه. وكشف لمديرى الصحف الذين اجتمعوا به صباح الثلاثاء عن جزء من المأساة بيد أن جولدا مائير منعته من أن يسترسل أكثر من ذلك؛ إذ إن الحكومة قد أدركت مدى تأثير نشر ما يعتبره البعض نهاية العالم، وبعد عدة مماطلات اضطرت جولدا مائير إلى أن تسند مهمة الإعلام للجنرال «أهارون ياريف».
وقد اجتمع «ياريف» يوم الثلاثاء بمئات الصحفيين فى بيت «سوكولوف» وتعلق شعب إسرائيل أجمعه بكلمات ياريف القاسية التى صرح بها فى المؤتمر إذ قال: «ستكون هذه الحرب صعبة وطويلة الأجل، وقد خاطرنا بترك المصريين والسوريين يبادرون بالهجوم مع الاحتفاظ بالمزايا التى تحتوى عليها تلك المبادرة. وأن الأمر لا يعنى خطرًا على وجود إسرائيل؛ إذ إن هذا الخطر غير قائم، إلا أنهلا يجب أن نتشبث بالانتصارات السريعة».
حقًا ستظل حرب أكتوبر خير دليل على قوة المقاتل العربي، وعلى جوانب التقصير التنظيمية والمخابراتية من جانب الجيش الإسرائيلي، وستظل حرب أكتوبر نقطة تحول فاصلة فى الصراع العربى الإسرائيلي؛ فنتيجة لذلك استعاد العرب كرامتهم، وتحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، لقد أحدثت حرب أكتوبر تحولاً مهمًا فى إدارة دفّة الصراع، وفى قدرة العرب على التحول إلى موقع المواجهة، وانكسرت نظرية الأمن الإسرائيلى على المستوى الاستراتيجي، كما أحدث انكسار هذه النظرية صدمة نفسية لم يسبق لها مثيل فى تاريخ دولة إسرائيل.