د. نبيل رشوان
أوكرانيا ترفض الفكرة من الأساس والرئيس الروسى الأسبق يطالب بتخلى أوكرانيا عن عاصمتها الحالية
مجلس الفيدرالية الروسى يرفض الاقتراح أو ضم أوكرانيا للناتو تحت أى شروط
أوكرانيا تحلم بوضع إسرائيل فى أوروبا
صحيفة روسية : تصريحات مسئول الناتو هى عرض لأوكرانيا للبيع بالمزاد
فيما يمكن وصفه بأنه اقتراح محتمل لتسوية النزاع الروسى ـ الأوكرانى، نقلت صحيفة فيردنس جانج النرويجية نقلاً عن مدير مكتب سكرتير عام حلف الناتو ستيان إينسن قوله: "إنه يعتقد بأن حل النزاع الروسى ـ الأوكرانى من الممكن أن يكون ممكناً فى حال تخلى أوكرانيا عن جزء من أراضيها مقابل الحصول على عضوية الناتو"، أثار التصريح عاصفة من ردود الأفعال وتضارب الآراء داخل أوكرانيا ووصل الأمر إلى النزاع بين أوكرانيا والناتو، حيث تطمح الأولى أن تقدم لها دعوة للانضمام للناتو فى قمة العام القادم التى ستعقد فى واشنطن، البعض وصف هذا التصريح بأنه محاولة لفض النزاع الحالى لأن القوات الأوكرانية لم يحقق النجاح المأمول من الهجوم المضاد والرئيس الأمريكى لدية استحقاق انتخابى العام القادم ويريد مخاطبة الناخب عن تحقيق أى تقدم حتى ولو ضم أوكرانيا للناتو ولو على حساب تخليها عن أراض، نسيت أن أذكر شئ وأعتقد أن الرئيس الأمريكى الحالى يدركه وهو أن من أسقط بوش الاب فى انتخابات 1991 هى الجالية الأوكرانية فى الولايات المتحدة وذلك عندما تأخر فى الاعتراف باستقلال أوكرانيا وظل لأخر لحظة يماطل فى طلب استقلال أوكرانيا كما فعل مع جمهوريات البلطيق، ولذلك أعتقد أن إطلاق هذا التصريح سيثير الجالية الأوكرانية فى الولايات المتحدة ضد الرئيس بايدن.
بينما ذهب البعض إلى أن السيد إينسن شخصية رسمية فى حلف الناتو، لكن تصريحه لا يحمل الطابع الرسمى من وجهة نظر حلف الناتو. الاقتراح حدث أثناء مناقشة جماعية ومن الممكن أن ينظر إليه على أنه مجرد فكرة لتحريك المياه الراكدة أو لجس نبض الأطراف خاصة وأن الحرب أرهقت الجميع. كان رد فعل الجانب الأوكرانى، ومن خلال مستشار رئيس الديوان الرئاسى الأوكرانى ميخائيل بودولياك وهو الذى يرد فى العادة على مثل هذه التصريحات، والذى عبر تغريدة على تويتر (الموقع ممنوع فى روسيا)، ومن ثم فالموقف الأوكرانى من طرح مدير مكتب سكرتير عام الناتو يعتبر كذلك غير رسمى، رد السيد بودولياك جاء بسؤال استنكارى معلقاً على طرح السيد إينسن "نستبدل الأرض بمظلة الناتو؟ شئ غريب. معنى ذلك أن نذهب بإرادتنا لخسارة الديموقراطية وننسف القانون الدولى ونؤجل الحرب التى سيكون لابد منها فى المستقبل لأجيال أخرى".
ووفق كلمات المسئولين الأوكران أنهم ليس لديهم أى نوايا لوقف الحرب، وهدفهم الرسمى هو استعادة كافة الأراضى الأوكرانية فى حدود عام 1991 والحصول على ضمان أمنى للمستقبل، والجانب الأوكرانى غير مهتم بالفترة التى يستغرقها تحقيق الهدف الأول وهو تحرير كامل التراب، أما مسألة الأمن فلا تهم صيغتها، فهى من الممكن أن تكون ضمانات، أو ضم أوكرانيا للناتو أو فى نهاية الأمر وفق المسئولين الأوكران مشاكل داخلية فى روسيا نفسها، السيد بودولياك أعلن أكثر من مرة أنه ليس مهتماً بما قد يحدث فى روسيا بعد أن تحقق بلاده أهدافها فى الحرب الدائرة.
بعض المحللين يتحدثون عن أن الرئيس زيلينسكى يناسبه أن يكون لأوكرانيا نفس الوضع الذى تتمتع به إسرائيل فى الشرق الأوسط، لكن فى أوروبا (حرب مستمرة 70 عاماً) مع تدفق المساعدات العسكرية، وتحول البلاد إلى العسكرة على طريقة إسرائيل، فى نفس الوقت الرئيس الأوكرانى لا يريد مسألة الديموقراطية وهو يريد أن يبقى، ولذلك يرغب فى استمرار العملية العسكرية لأنها الحالة الوحيدة التى تضمن له البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة، واشنطن لا ترغب فى هكذا سيناريو، وستقف ضده، لكن إمكانية حدوث ذلك واردة، من ناحية أخرى على الأرجح أوكرانيا، فى حالة إسرائيل أوروبا، تشبه وضع فلسطين أكثر منها وضع إسرائيل.
وضع الناتو مختلف، كما وصفه موقع البرافدا الإليكترونى الذى اعتبر أن تصريحات موظف حلف الناتو تدل على أن الحلف يرغب فى التفاوض مع روسيا، والخاسر الوحيد فى هذه الحالة هى أوكرانيا، سلام بين الناتو وروسيا والثمن أرض أوكرانية، لكن الموقع الروسى أشار بشكل أكثر تفصيلاً لتصريحات مدير مكتب سكرتير عام الناتو عندما قال "إن مسألة تخلى أوكرانيا عن أراض قاله آخرون كذلك" وبرر كلامه بأنه تحدث ليس عن شئ سيحدث ولكن عن أنه أحد الحلول الممكنة".
تصريحات مسئول حلف الناتو رفعت المعنويات فى روسيا وربما أعطت انطباع بأن الحلف يريد التفاوض ويطرح فكرة يمكن التفاوض حولها فقد وصف السيد دميترى ميدفيديف الرئيس الروسى الأسبق ونائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى تصريحات مسئول الناتو بأنها "مثيرة للفضول" لكن "لكى تدخل أوكرانيا الناتو يجب أن تتخلى عن كييف كعاصمة لأنها عاصمة روسيا القديمة" ودعى المسئولين الأوكران لنقل عاصمتهم إلى لفوف فى غرب البلاد، وذلك على قناته على تيليجرام.
لكن الذى لا شك فيه أن مسئول على هذا المستوى فى حلف يضم أكثر من ثلاثين دولة يدلى بتصريحات كهذه فى حق دولة تخوض حرب من أجل الإنضمام للحلف لابد أن يكون هناك شئ ما يدبر بليل لأوكرانيا ولإنهاء الحرب، خاصة وأن مسئول الناتو ليس هو فقط الذى صرح بذلك فهل هى دعوة نضجت بالفعل لدعوة الكرملين للتفاوض، ربما، وذلك من وجهة نظر البعض للأسباب التالية:
1- الحرب بين الدائرة الآن بين روسيا والناتو بدأت تسبب خسائر كبيرة للغرب، والأهم وما يزيد الطينة بلة، أنه لا يوجد نجاح يذكر للقوات الأوكرانية على الأرض والعقوبات مع الوقت أصبحت لا تعمل واستطاعت روسيا تخطى الكثير منها، والاقتصاد الغربى يعانى من توقف نمو تقريباً، لكن الكارثى بالنسبة للغرب أن الصين ومعها دول الجنوب التى لم تتوقف عن التجارة مع روسيا بدأت تقوى.
2 ـ ربما أدرك الغرب أنه لن يستطيع تركيع روسيا، فقد حاولت ألمانيا النازية عام 1940 ودفع الاتحاد السوفيتى عشرات الملايين فى تلك الحرب وفى النهاية انتصر، والآن روسيا مصممة حتى الآن على الاستمرار فى عمليتها العسكرية وتحقيق نصر مماثل فى أوكرانيا، رغم اختلاف السياق، فحينها 1940 لم يكن هناك حلف الناتو وكان الحلفاء أكثر بكثير من ألمانيا النازية، على أى حال استحضار التاريخ شئ يرفع المعنويات.
3 ـ أدرك الغرب أنه لم يكسب من قبل ولن يكسب الحرب مع روسيا وربما لهذا السبب وجد أنه لا بديل عن محاولة إيجاد طريق للتفاوض.
4 ـ وهذا هو المهم أن أوروبا تفقد قدراتها التنافسية بدون المحروقات الروسية الر خيصة، كما يدرك الأوروبيون أن ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبى هو خسارة وعبء كبير على دول الاتحاد الأخرى، فكل الموارد سوف توجه إليها ولن توافق الدول الأوروبية على ذلك، فقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة للأوروبيين وبدأوا يدركون ما هم مقدمون عليه. لكن فى اعتقاد مراقبين أن القطيعة مع روسيا أصبحت بلا رجعة نظراً لأن المخاوف الأمنية للأوروبيين تحققت وأصبحوا يرونها رؤى العين، ورغم أن روسيا أعطتهم الأمان عام 2008 أثناء عملية عسكرية قصيرة فى جورجيا عندما أعلنت أن إمدادات الغاز لن تنقطع وحدث ذلك، لكن هذه المرة طالت العملية العسكرية والعقوبات تشتد كل يوم والأمريكيون تمكنوا من دق إسفين لا يمكن خلعه بين القارة العجوز وروسيا التى تدعو لتعددية قطبية لتخليص أوروبا من الهيمنة الأمريكية المستمرة منذ 1945.
لكن من أهم ردود الأفعال التى جاءت من الغرب وعلى لسان جون كيربى المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الأمريكية رداً على تصريحات مسئول الناتو الذى قال "هذا ليس صحيحاً، هذا غير حقيقى". أما البيت الأبيض فقد أعلن أنه لم يناقش مع كييف أى أمور تتعلق بالتخلى عن أراض مقابل انضمام أوكرانيا للناتو، الجانب الروسى وعلى لسان بعض أعضاء مجلس الفيدرالية الروسى مثل السيد كونستنتين دولجوف رفضوا فكرة انضمام أوكرانيا للناتو من الأساس حتى لو تخلت عن أراض لروسيا، وقال موقفنا لم يتغير، وأن انضمام أوكرانيا للناتو بصرف النظر عن مكونات أراضيها غير مقبول بالنسبة لنا وأشار إلى أن تصريحات مسئول الناتو تصب فى رغبة غربية للتخلص من النظام فى كييف، لأن الغرب أدرك أنه خسر الحرب.
لكن صحيفة موسكوفسكى كومسمولتس تحدثت عن أن الغرب بهذه التصريحات يعرض أوكرانيا فى المزاد للبيع. ومهما كانت أسباب ومبررات تصريحات مسئول حلف الناتو فإنها تدل على أن الأمور فى أوكرانيا وصلت لطريق مسدود وأن الأطراف تحاول إيجاد مخرج من المأزق الحالى.
من وجهة نظرى الموضوع لا يعدو أن يكون بالونة اختبار للجانب الأوكرانى على وجه التحديد، فإن نظرنا للأمور والتصريحات منذ بداية العملية العسكرية نجد أن كييف لم تتزحزح عن موقفها قيد أنملة، بل لا تريد التفاوض مع الرئيس بوتين نفسه، وحتى عندما أمدها الغرب بالسلاح المطلوب للقيام بهجوم مضاد أقنعت الغرب أنها ستحرر أراضيها من خلاله أو على الأقل الجزء الأكبر منها بما يتيح لها التفاوض مع حفظ لماء وجهها على طريقة كيسنجر، إلا أنها لم تحقق حتى الحد الأدنى ومن ثم أطلق الغرب بالونة الاختبار ليختبر مدى رغبة أوكرانيا فى الذهاب للتفاوض، لكن على ما يبدو أن الجانب الأوكرانى مازال مصراً على موقفه، وللحق الجانب الروسى أيضاً لم يأكل الطعم وبدأ يفرض شروط أكثر قسوة ويطلب المزيد.