رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


العفو عن «دومة» رسالة مهمة

20-8-2023 | 18:00


عمرو سهل

لن أكون كهؤلاء الذين وقفوا عند حدود المشهد وأقصد العفو عن أحمد دومة والإفراج عته وهو صاحب الاعترافات المسجلة بفخر  بأنه استهدف مؤسسات الدولة بالحرق والتدمير ولكنني سأتجاوز المشهد برمته وأخرج إلى حوافه وحدوده الخارجية لأستخلص منه مايمكن أن يكون نافعا فبداية إن بقاء أحمد دومة خلف القضبان لم يكن هدفا مقصودا لذاته بل ربما كان حماية لدومة نفسه من نفسه فقد كان وقتها شابا حديث السن مستغرقا  في فورة قوة الشباب فانصهر بنيران الغضب داخله ودفعته قناعات إلى تجاوز أي خطوط فاصلة تعترضه أو تعترض كل ما يخالف تلك القناعات فتصور أن من كانوا يدافعون عن مبنى مجلس الشعب والمجمع العلمي ما خرجوا  إلا لاستهدافه شخصيا واستهداف أحلامه التي تخمرت في وجدانه فصارت وقودا مستعرا يدفع في الاتجاه المعاكس بل ظن في بعض الوقت أنه بشرعية ثورة المصريين والتي كان جزءا منهم  أنه مالك لإرادة تلك الملايين الذين خرجوا مثله فخالفهم الرأي حين استهجنوا اعترافه باستهداف مؤسسات الدولة بالمولوتوف والتهديد بخطف الضباط كما رأيناه وسمعناه يقر بلسانه بل تجاوز مبادئه ذاتها ضاربا بفكرة الديمقراطية التي كان يحارب لأجلها فخالف البرلمان المنتخب شعبيا وقتها حين رافضا احترام الأكثرية التي جاء بها المصريون آنذاك معلنا أن الشرعية للميدان وليس البرلمان وأن ثورته لا اتهدأ غلا بتحقيق ما يراه هو حتى وإن خالف الأكثرية.
وهنا وبعيدا عن شخص دومة وما اكتسبته يداه  وبعيدا عمن فرحوا بإخلاء سبيله أو من غضبوا لذلك فالمشهد له رسائل يجب التوقف عنده أبرزها أنك لا تستطيع هزيمة الأغلبية ومهما بلغ إيمانك بما تراه الأنسب فلن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا فتغير الواقع كما تستطيعه الإغلبية كما حدث في 25 يتاير وتأكد مجددا في 30 يونيو ومن رسائل المشهد أيضا  إدراك أن الدولة لا تتحرك بشهوة الانتقام كما يروج البعض بل قد تقبل العداء معها في الرأي لكنها لن تقبل الاستسلام مهما كانت الكلفة باهظة لمن يسلك العنف طريقا للتغيير أو فرض الأمر الواقع أو القفز على أنقاضها لتحقيق مآرب جماعة أو أصحاب راية خاصة.
إن قرار العفو الرئاسي رسالة تحذر من تداعيات تضخم الذات الذي يدفع في الطريق الخطأ فيثمر النتائج الخطأ وهي دعوة للشباب تحثهم على استرجاع الأحداث وعقد المقارنات بين ما يواجهونه اليوم وما واجهه الشباب قبل أحداث 25 يناير وكيف قطعت تطور أحداثها على حاضرهم وكيف تهدد مستقبلهم إن هم استقبلوا تلك المقدمات المعسولة مجددا وكيف رأي من سبقوهم وهم اليوم على مشارف الخمسين من عمرهم وتحت تأثير توهمات خداعة كيف رأوا الباطل حقا والحق باطلا مدفوعين بعوامل نفسية أخفت عنهم مآلات ما أقدموا عليه.. كما أن المشهد مفيد لكل من يظن أن في  إسقاط الدولة نجاته  ففي النهاية بقيت الدولة واستأنفت المؤسسات عملها بعد أن ميزت جموع المصريين الخير من الشر وهدأ فوران غضب صنع بإحكام كان من الممكن أن يكون جميعا جزءا منه إلا من رحم ربي .
إن مشهد دومة وهو حر على الأسفلت كما يقال ما هو إلا دعوة للتدبر في الرحلة التي خاضها بل أراها فرصة لدومة شخصيا  أن يجلس  بتفسه ولنفسه على منصة قضاء يقيمها لتجربته وهل  كان في ما جنته يداه مصيبا أم مخطئا أم.. أم.. أم.. وما الواجب عليه خلال ما بقي له من سنين عمره فليرصد ما أخطأ فيه وكلنا خطاءون وكيف يتجنب المرء أن يكون دون إدراك من الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا كما له الحق في أن يرى أنه كان على الصواب دوما ولم يخطئ وساعتها سيكون الحكم عليه للتاريخ والمصريين.
لاشك إن المشهد برمته مفيد خاصة وسط أزمة اقتصادية يحاول البعض استغلالها بما تفرزه من ضغوط في صناعة غضب أحمق  ومسار أعوج يحيد بنا عن الواجب فعله ويدفعنا تجت تأثير تداعياته إلى تحرك يكون نبيل الهدف في ظاهره لكنه شديد القبح في نتائجه ويجب الانتباه جيدا لكل محاولة تسعى إلى  أن يناصب بعضنا بعضا العداء ولنحذر كل من يريد تحويل تراصنا صفا واحدا في بنيان يشد بعضها بعضا إلى فرق متناحرة متنازعة فتذهب ريحنا ويستبيحنا عدو ينتظر تلك اللحظة.