نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية مقال رأي كتبته للصحيفة مديرة تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، سيلفي كوفمان، بعنوان "الدروس التي يقدمها انقلاب النيجر لكل من الولايات المتحدة وفرنسا".
وقالت الصحيفة أن القوى الغربية رفضت تسمية ما حدث في النيجر بالانقلاب العسكري أو بالانقلاب للسيطرة على السلطة واعتبرت أنه "محاولة غير دستورية للاستيلاء على السلطة". أما الضباط العسكريون الذين اعتقلوا وعزلوا الرئيس المنتخب ديمقراطيا ليسوا انقلابيين ولا أعضاء في المجلس العسكري، بل هم "مجموعة تطالب بالسلطة".
وأضافت أن الجهود غير العادية التي بذلتها وزارة الخارجية الأمريكية لتجنب تسمية ما حدث في السادس والعشرين من يوليو في النيجر بشكل صحيح تعكس درجة الإحراج الذي سببته هذه الاضطرابات الجديدة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا للمفكرين الاستراتيجيين الغربيين.
كما تشير أيضا إلى الاختلافات في كيفية تعامل الفاعلين الأمنيين الغربيين الرئيسيين في المنطقة، الفرنسيين والأمريكيين، مع هذه القضية. فالرئيس ماكرون، قال عنه "انقلاب غير شرعي تماما"، ثم دخل في صمت طويل، في حين حاولت واشنطن وبعض الدول الأفريقية الدخول في مفاوضات مع العسكريين الذين يمثلون "المجموعة التي تؤكد السيطرة على السلطة" في نيامي.
ولايزال الوضع في النيجر دون حل بعد مرور ما يقرب من شهر، وهو ما يمثل، بحسب الصحيفة، ضربة موجعة للجهود الغربية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في هذا الجزء من أفريقيا. كما أنها بمثابة دعوة للاستيقاظ فيما يتعلق بالواقع الجيوسياسي المتطور للقارة التي اجتذبت الآن عددا كبيرا من اللاعبين.
فالنيجر هي الدولة الرابعة في غرب أفريقيا، بعد غينيا ومالي وبوركينا فاسو، التي أطيح بزعيمها في تحرك عسكري في السنوات الثلاث الماضية. وتعتقد كوفمان أن الانقلاب ربما يكون هو المسمار الأخير في نعش السياسة الفرنسية في غرب إفريقيا.
وبعد طرد فرنسا من مالي العام الماضي، اعتقدت القوات الفرنسية أنها وجدت ملاذاً آمناً في النيجر المجاورة، بقيادة الرئيس الصديق محمد بازوم. لكن حكامها الجدد يطلبون الآن من باريس سحب قواتها البالغ قوامها 1500 جندي.
وبالنسبة للأمريكيين، الذين يحتفظون بقاعدتين عسكريتين مهمتين و1100 جندي في النيجر، فإن الدرس لا يقل مرارة. تجد إدارة بايدن نفسها الآن في مأزق: إما أن تتمسك بقيمها الديمقراطية المعلنة، ما يجعل من الصعب الاحتفاظ بقواعد عسكرية بالتعاون مع المجلس العسكري غير الشرعي، أو تقرر أن الوضع الأمني متدهور وتسحب قواتها.
لكنها وحتى الآن، تأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي يسمح لقواتها بالبقاء في النيجر غير الساحلية مقابل التعهد بنوع من التحول الديمقراطي. وهذا ما يفسر الاحتياطات المتخذة بعدم تسمية التحرك الأخير بالانقلاب، لتجنب الاضطرار إلى إلغاء المساعدة الأمنية الأمريكية.