رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مجموعة الـ19 المتصدعة

3-9-2023 | 20:10


عمرو سهل,

ليست هذه مجموعة بديلة لمجموعة العشرين بل هي حقيقة تأكدت أن هذا الكيان بات قصير العمر وأوشكت مهمته التي كانت تأكيدا على هيمنة قطب عالمي أوحد وهو الولايات المتحدة والتي كانت تقوده ليعمل لصالحها وإن كان بطريقة غير مباشرة.
لقد قرر الرئيس الصيني عدم المشاركة في قمة العشرين المرتقبة الأسبوع المقبل وهي إشارة واضحة بل وفارقة بأنه لم يعد هناك شئ يمكن أن يكون مفيدا على مائدة هذا التجمع وأن عالما جديدا في طريقه لوضع قواعد جديدة لا يكترث لعقد مثل هذه القمة وأنه حان الوقت لكي يعاد رسم الخطوط الفاصلة وإعادة صياغة شكل وتطور العلاقة بين الشرق والغرب.
ويهدد قمة مجموعة العشرين انقسامات عميقة بين أعضائها ولعل غياب الرئيس الصيني نتيجة مباشرة للجهود الفاشلة التي بذلتها المنتديات الوزارية المتعددة لمجموعة العشرين، للتوصل إلى أرضية حول القضايا الشائكة التي تؤرق العالم ومن أبرزها الحرب الروسية وتثوير تايوان على الصين والتدخل الأمريكي لإشعال جبهات لا تستهدف إلا استنزاف الصين وروسيا وهو ما يعني أن الصين أدركت أن وجودها في هذا التجمع لم يعد هناك طائل من ورائه ويزيد الطين بلة وجود احتكاك بين الصين والهند مستضيفة القمة بشأن الحدود المتنازع عليها.
إن الغياب الأول لرئيس صيني عن قمة العشرين المقبلة والتي قد تكون الأخيرة عمليا لا يعني سوى فشل تلك الهيئة في مهمتها التي تأسست لأجلها بالأساس وهي إيجاد توافق في الآراء بين أقوى الدول ومحاولة تجاوز التناقضات الاجتماعية أو الاقتصادية بل يشكك  في الاستدامة والنجاح لمجموعة العشرين مستقبلا
هذا من الناحية السياسية أما الاقتصادية فيعني أنه لا وزن للحديث عن إعادة هيكلة الديون أو قضايا المناخ لتكون مجموعة العشرين بغياب الصين في مهب الريح  ولاشك أن هذه النهاية كانت حتمية بل بدأت يوم أن قررت روسيا  الانفصال عن الغرب بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 ثم العملية العسكرية ضد أوكرانيا في فبراير 2022، وهي التي كسرت وحدة مجموعة العشرين وصعدت  التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين  وما يؤكد هذه الفجوة هو عجز الهند  خلال اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين ورؤساء المالية  عن الحصول على بيان نهائي متفق عليه من الأعضاء ولاشك أن توتر علاقات الصين بالولايات المتحدة دفع دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وغيرها من القوى الأوروبية إلى تبني أجندة صدامية مع الصينيين.
وبالطبع سيكون غياب الصين فرصة لبايدن وغيره من الزعماء الغربيين، لمحاولة ترميم عرشهم الدولي المتصدع ببث رسائل إنشائية باتت كمن يؤذن في مالطا حول رغبتهم العارمة في مساندة الدول النامية، وشوقهم غير المطاق لتعزيز دعمهم بهدف إفشال مبادرة الحزام والطريق الصينية لتطوير البنية التحتية وهذا ليس رجما بالغيب بل صرح به علنا جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي معلنا أن قمة نيودلهي ستكون فرصة للولايات المتحدة وأتباعها   لتقديم عرض قيم، خاصة لدول الجنوب العالمي 
ويمكننا تصور المشهد بشكل أوضح حين نعقد مقارنة بين حرص الصين على المشاركة في قمة مجموعة بريكس للدول النامية بجنوب إفريقيا وبين عدم إكتراثها بقمة العشرين حيث تنشط الصين في توسيع بريكس لتكون رأس الحربة ككيان مضاد يتصدى للمنتديات الدولية التي تهيمن عليها  الولايات المتحدة.
إن قرار الصين ليس إهانة للهند أو انتقاصا من دور يمكن أن تؤديه في النظام العالمي الجديد بل هي رسالة واضحة بأن قرار إنهاء القطبية ليس شعارا يرفع في وقت الضيق أو مناورة تجرى لتحسين موقف تفاوضي بل تأكيد  بأن  كل محاولات الأمريكان لوقف ذلك عبر العبث مع  أعداء الصين وروسيا  لتحسين موقفها دوليا أو تثبيط الهمم العازمة على  إنهاء  عالم القطب الواحد باتت ضربا من المستحيل فقد تحولت المعركة إلى خانة الوجودية فإما النصر أو الفناء والعزلة  لتتحول الرغبة في التخلص من الدولار بعد استخدامه أمريكيا كسلاح وأداة عقاب إلى مزاج دولي وأرضية عمل مشتركة تقودها الصين وروسيا اللذين انتقلا من مقعد المشاركين في تشكيل الأجندة العالمية إلى صانعين لها.