العقيد محمد محمد عبد القادر: ساعة يد.. دمرت مدفعية العدو
عبرت القناة بعد ٧ دقائق ونصف الدقيقة من إطلاق ساعة العبور وتمكنا من محو الساتر كالسيل الذى لايوقفه أحد.. هكذا بدأ العقيد محمد محمد عبدالقادرأحد أبطال حرب أكتوبر .
الذى عمل فور تخرجه كضابط استطلاع فى إحدى الوحدات الغربية التى كان لها وضع خاص وتدريبات خاصة لأن عيارها ثقيل “١٥٥ ملم” وكان هذا أكبر عيار مدفعية فى القوات المسلحة، مضيفا: كان تمركزنا فى الإسماعيلية بالجيش الثانى الميداني، وبعد الترقى لرتبة نقيب أصبحت قائد سرية مدفعية”.
والمهام كانت بالنسبة لأى ضابط هى التدريب ثم التدريب للجنود الذين تحت قيادته، ومع التخطيط لحرب أكتوبر كانت المهام تنصب فى مهمتين رئيسيتين المهمة الأولى هى الاشتراك فى مهمة فى التمهيد النيرانى للقوات المسلحة والذى الذى يسبق مباشرة عملية العبور وهو عادة تشارك فيه جبهتان؛ القوات الجوية وقوات المدفعية، المهمة الثانية عبارة عن معاونة قوات المشاة فى مراحل المعركة المختلفة لحين الوصول للهدف النهائى للقوات، وكل هذا تم بصورة مرضية جدا .
ويتابع:” الساعة ٢.٥ ظهراً يوم السادس من أكتوبر كنت فى القوارب مع جنودى نعبر، ونحن نهتف الله أكبر، والطائرات المصرية تمر فوقنا بكل فخر تدك حصون ومراكز العدو بشراسة ودقة، وتقدمنا لصعود المانع الترابى الذى كان على ارتفاع ١٨ مترا وكان علينا أن نصعده بدون وسائل مساعدة، لأن سلم الحبل كان فى المراحل التالية للقوات، أما نحن فعبرنا بعد ٧ دقائق ونصف الدقيقة منإطلاق ساعة “س” أو ساعة العبور، وبالفعل تمكنا من صعود الساتر كالسيل الذى لا يوقفه أحد بحماس النار التى تأكل أمامها كل شيء تراه أمامها من العدو، الذى احتل أرضنا، وكان يرتع فيها بغطرسته وكأنه ورثها عن أجداده”.
“وبوصولنا لمقدمة الساتر كان علينا أن نتجه شرقا حتى نتمكن من الحصول على مواقع تمركز تسمح لنا بإدارة نيران المدافع، وتم بالفعل.. لكن أثناء الوصول سمعنا هدير محركات دبابات تدور فجأة، حوالى دبابتين أو ثلاث تسمى بالاحتياطى خفيف الحركة موجودة فى حفر مموهة، وخرجت أمامنا دبابة من حفرة فى الأمام، وأخذت تطلق رشاش الدبابة فى جنون وبطريقة عشوائية على الجنود المتقدمين، الذين فوجئوا، وأخذوا على غرة، فأحدث إصابات فى جنود الموجة الأولى وتساقط بعضهم، ثم غيرت الدبابة اتجاهها نحونا والرشاش لا يكف عن إطلاق نيرانه، رقدنا على الأرض فى محاولة لتجنب الإصابة قدر المستطاع، واستعدادا لدخوله فى مرمى السلاح المضاد للدبابات الوحيد معنا وهو سلاح (الآر.بى. جى).
فجأة أدركتنا عناية الله، وتم ضرب الثلاث دبابات بثلاثة صواريخ” ماروتى كارو روسية” بدقة شديدة منطلقة من الضفة الغربية للقناة، حيث توجد أغلب القوات، فقد كانت عناصر الاستطلاع ترقب ما يحدث، فانفجرت الدبابات وتحولت إلى كرة ملتهبة من النيران”.
ثم تحركنا إلى أن وجدت موقعا مناسبا فى حمى فصيلة من المشاة، وفصائل المشاة عادة ما يكون لديها أسلحة مضادة للدبابات أكثر مدى من الأسلحة التى لدينا فنحن لدينا “ أر بى جي”، وهم لديهم “ب ١٠ - ب ١١” وهو عبارة عن مدفع بعيد المدى، هذه الفصيلة كانت قد تمركزت فى منطقة، وبدأت تحفر لنفسها، فأمرت جنودى بالحفر والتواجد معهم، بعد تمام الحفر، وكان الليل قد حل، بدأت مدفعية العدو فى إطلاق النيران بكثافة على كل المواجهة وبشكل عشوائي، وأتذكر هنا رقيبا معروفا كان ضمن فصيلة المشاة، بمجرد أن الدبابة استقرت فى مكان أطلق عليها قذيفة دمرها، ثم الدبابة الثانية وهى تحاول الابتعاد أطلق أيضا قذيفة فدمرها، والحقيقة أنه على مدار الحرب حقق الضرب المباشر لقوات العدو نجاحا كبيرا”.
فى تمام الساعة العاشرة مساء، بدأت المدفعية الإسرائيلية تطلق علينا قذائف وبكميات كبيرة ولكن بطريقة عشوائية، ومن هنا قمت برصد الضرب لأننا كنا فى الليل ووهج الضرب فقمت برصد بطارية المدفعية وحددت اتجاهها بالبوصلة، كما قمت بقياس مسافتها التقريبية بساعة يدى، مستخدما سرعة الصوت تساوى ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين مترا فى الثانية، وبإحدى طرق إدارة النيران التى سبق أنتعلمناها وتسمى – إدارة النيران بنقص الإمكانيات – حيث لا تتوفر الوسائل الدقيقة لإدارة النيران، وبفضل الله تعالى، قمت بالتعامل مع البطارية وأطلقت قصفة نيران، صححتها تصحيحا مناسبا بنفس الطريقة وأطلقت قصفة أخرى، وكم كانت سعادتنا جميعا ونحن نراها تتوهج، ونسمع أصوات انفجارات الذخيرة بها”.
اعتبارا من أول ضوء فى اليوم التالى وصلت الاحتياطيات التكتيكية للعدو الإسرائيلى واحتل تبة عالية يمكن من خلالها كشف عناصر الجيش المصري، كما أن الأرض فى سيناء تتدرج كلما اتجهت شرقا، إلا أن عناصر الجيش المصرى تغلبت على ذلك من خلال وسائل التمويه التى تدربنا عليها، يضيف العقيد محمد : طوال هذه الأيام كانت مهمتنا تمهيد الطريق لقوات المشاة من خلال الضرب على القوات الإسرائيلية مما يُتيح لقواتنا سواء من المدفعية أو من المشاة التقدم، وبمجرد ما تصعد قوات العدو على التبة مرة أخرى أكون مجهزا للضرب عليهم مرة أخرى واستمررنا فى هذه المهام حتى يوم ٢٤ أكتوبر، وهذه كانت أهم المهام التى تقوم على معاونة قوات المشاة والمدرعات فى الهجوم”.
أما بعد حدوث الثغرة فيشير بطلنا إلى أن كتيبته كانت ضمن القوات التى حاصرت قوات العدو لمنع تسللها للأراضى المصرية يقول:”تحركت كتيبتى ضمن عدد من الوحدات والتشكيلات من سيناء “شرق القناة” إلى غرب القناة، وكانت أول مرة أرى فيها الكبارى التى تمت على جانبى القناة، وقامت قوات المدفعية بحصار قوات العدو الموجودة فى الثغرة، ومنعها من التقدم، وبالفعل فإن تلك القوات فى موقف لا تحسد عليه، كانت محاصرة من جميع الجهات، فضلا عن منع الإمدادات التى يفترض أن تأتيها من الشرق من الوصول إليها، وكان المتبقى فقط بتصفية هذه الثغرة، وكنا جميعا نأمل فى ذلك، إلا أن الاعتبارات السياسية لدى القادة السياسيين حالت دون ذلك، إلى أن تمت محادثات الكيلو ١٠١ وفض الاشتباك الأول ثم فض الاشتباك الثانى الذى بموجبه انسحبت قوات العدو إلى الشرق مرة أخرى”.