آسف حبيبتي.. صوت الموسيقى
لم أكن أدرك أن لصوت الموسيقى كل هذا السحر إلا برؤيتي لحفلة الموسيقار الكبير "عمر خيرت"، في مهرجان القلعة.
اصطف الجميع وهم يحلقون بأرواحهم مع نغمات الناي والبيانو وجميع الآلات الموسيقية وهي تشدو لا تعزف فقط.
هدوء، انسجام، هيام، حالة من السمو الروحاني ضغطت على الأجواء، وكيف لا تفعل وهي الموسيقى تلك الساحرة التي تبحث دومًا عن كلمات.
لم يكن مهرجان القلعة هذا العام مهرجانًا عاديًا، بل متفردًا، شاملًا جمع بين الأصالة، العراقة و الطرب والسمو الروحاني الموسيقي.
افرضوا علي الجميع قنوات وإذاعات داخلية، في الهيئات الحكومية وجميع مؤسسات الدولة "إذاعة الموسيقى".
ساهموا في زرع هذا النوع من العلاج النفسي، ربما تخفت الضوضاء و تقل معدلات الجريمة.!!
قد تزداد مناعتنا، وتقوى نفسيتنا الهشة التي أفقدتها الحياة الحياة.
يقام مهرجان القلعة كل عام في منتصف أغسطس، كنت سعيدة الحظ في عصر ما قبل الكر ورنا وحضرت حفلة لصاحب الصوت الشجي، صوت الذكريات "إيمان البحر درويش" للمرة الأولى التي أراه واستمع إليه وجها لوجه وليس عبر الشاشات. نفس حلاوة الصوت، نفس الأصالة، نفس الحنين والحضور الذكي.
حرصت على متابعة المهرجان ما بعد ذلك لسنوات، عبر القنوات التي تنقل تفاصيل الحدث.
كم كانت سعادتي بتميز فنانينا وصمود أصواتهم وتحديهم للزمن للسن، جاءت حفلة هاني شاكر مبهرة كعادته أميرًا للغناء عندما يطربنا بأروع ما غنى علي الضحكاية لتزين الضحكة ملامحنا ويأخذنا في وصلة شجن عندما يعترف أن نسيانك صعب أكيد.!!
أما الفنان اللبناني "وليد توفيق" أخذنا في جولة مع أجمل ما غنى هناك على كوبري 6 أكتوبر أو وهو يحدثنا ن جميل وعظمته، ليختتم الحفل بأغنيته الرمز الأبدية أغنية عيد الميلاد لأفاجئ أنها من ألحانه، فإذا كانت الكلمات متميزة، فعظمة اللحن جعلتها أحدى الأيقونات الحياتية، التي لم ولن تنتهي لبهجتها ورقة كلماتها وعذوبة لحنها.
وهذا بخلاف باقة منتقاة من الأصوات الأصيلة، نادية مصطفى و على الحجار وغيرهم، أصوات شاركتنا أرق الذكريات وأجملها.
حرصت إدارة المهرجان على إتاحة الفرصة لجيل الشباب، للتعبير عن وجوده، عن موسيقاه، من خلال مسرح القلعة، ليطل علينا الفنان الأردني الشاب "عزيز مرقه"..
أحب أغانيه بصفة شخصية، أراه نموذجًا للشاب الذكي، الذي يجتهد، يختلط بجمهوره، لا يتعالى على أحد ولا يحابي أو يتملق أحد. هو فقط مطرب استطاع أن يستحوذ على اهتمامات جيل يصعب لفت انتباهه أو إثارة إعجابهم..!
جاء الختام أسطوريًا يليق بمهرجان الأصالة،"مهرجان القلعة"، لملك الموسيقى بلا منازع "عمر خيرت".
اكتظ المكان بالحضور على آخره التصق الحضور بحافة المسرح امتلأت الطرقات اتسع المكان لإضعاف أضعاف قدرته الاستيعابية بحب، شاركتنا الصورة، كاميرا بانورامية، للمكان أوضحت حجم الحضور، رغبة في الاستماع لعزفه، رغبة في مشاركته للرقي الموسيقي، وهذا يعني أننا جمهور واعي ومثقف يقدس قيمة الفن.
حالة من الاحترام والصمت التام أثناء عزف المقطوعات الموسيقية المختلفة وحدها الموسيقى كانت بطلة الحفل.
يقال أن الموسيقى نص يبحث عن كلمات، أدركت وأنا أحضر الحفل عبر الشاشة، من منزلي، أن الموسيقى ليست نصًا يبحث عن شيء، هي نصًا قادرًا على اختراق القلوب والأرواح..
يسمى مهرجان القلعة، مهرجان الفقراء فهو يستهدف المواطن البسيط وليس فئة المعجبين النخبوية.
شتان ما بين النخبوية وبين البسيط، الجمهور النخبوي يتذوق روعة الإبداع بفهم ويقين وقناعة، أما الجمهور البسيط يخاطب المبدع بروحه البسيطة الهاربة من هموم الحياة لإبداعه، لذا فهي تحب بقوة وتكره بقوة، وان كنت أظن أن من يحب يستحيل أن يكره قد يغضب أو ينتقد إنما يصل حد كراهية من عاش معه تفاصيل يومه واخترق جدران ذكرياته كالموسيقى والمطربين لا أظنهم يستطيعون.؟!
رغما عنهم يشعرون بالحنين مع أول نغمة تتسلل لآذانهم ينسون أي شيء وينسجمون مع اللحن بعشق تام واستسلام وطمأنينة
لذا ستظل الموسيقى نصًا يبحث عن الحب، عن الكلمات، ستظل الموسيقى متنفس للذكريات وبوابات الحنين اللانهاية لها.
أتمنى أن يقام كل شهر مهرجانًا غنائيًا مثل مهرجان القلعة، ويتم نقله عبر الشاشات ليصل لكل بيت وكل حارة ..نستحق أن نغرق في سحر اللحن وروعة الأداء.نستحق أن نهرب للعراقة والأصالة التي لوثتها التكنولوجيا وفوضى المهرجانات.