رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رياض السنباطي: فكّرنا أنا وأم كلثوم في «تلحين القرآن» ولكننا تراجعنا لهذا السبب (حوار نادر)

10-9-2023 | 17:46


رياض السنباطي

بيمن خليل

تحل اليوم ذكرى وفاة الملحن الكبير رياض السنباطي أحد أهم الموسيقيين في مصر في القرن الـ 20، كان نابغة في التلحين وخاصةً تلحين القصيدة العربية، وارتبط اسمه بكوكب الشرق أم كلثوم حيث لحن لها عدد كبير من الأغاني والقصائد من أشهرها رباعيات الخيام، والأطلال، وأقبل الليل، وهجرتك، وعودتك عيني وغيرها.

وفي عام 1977م لمع اسم السنباطي في عالم الجوائز وحصل في شهر واحد على عدة جوائز وهم: الدكتوراة الفخرية وجائزة التقدير الذهبية لعام  1977 من جمعية الكتاب والنقاد المصرية ثم جائزة اليونسكو حتى قيل أن عام 1977 هو عام الجوائز بالنسبة لهذا الفنان الكبير رياض السنباطي.

وسوف تسترجع «بوابة دار الهلال» مع قراءها ذكرى حوار نادر مع العظيم رياض السنباطي قد أجرته معه «مجلة الكواكب» في 25 أكتوبر من عام 1977م، يستفيض فيه السنباطي الحديث عن ذكرياته الأولى وعن فكرته في تلحين القرآن الكريم، وتراجعه عنها هو وكوكب الشرق أم كلثوم وعن آرائه في ملحني عصره وعن مشهد الموسيقى بوجه عام في مصر.. في حوار لا يخلو من الصراحة كعادة الملحن الكبير في أحاديثه الصحفية أو التليفزيونية والإذاعية.

وإلى نص الحوار:

*أستاذ رياض أتذكر أول أغنية لك؟

**أيوة.. كانت ياريتك حبيتني زي ما حبيتك وقد لحنتها لنفسي وغنيتها في الإذاعة زمان.

 

*ماذا أخذت من المرحوم المطرب محمد السنباطي والدك؟

**كان أستاذي الأول.. علمني عزف العود وعلمني الموشحات والأدوار القديمة لمحمد عثمان وعبده الحامولي والمنيلاوي والقدامى الذين سبقوه حتى جاء أستاذنا جميعا العبقري سيد درويش - رحمه الله - ففتح لنا آفاقا جديدة في عالم الغناء والتلحين المسرحي وطور الموسيقى بمعنى كلمة تطوير من غناء وتيمب ولكنه لا يخلو من الطرب ولكنه أيضا غير متشعب وغير متعدد النغمات والانفعالات الفنية الرائعة، التي خططها هذا العبقري الخالد.

 

*ولكن كيف تأثرت به مباشرة؟

** كان سني 9 سنوات أي طفل، لكني كنت أشعر بميلي إلى الموسيقى وحبي وتعلقي بهذا الرجل وكان رحمه الله يحبني حبا جما وكان يشجع والدي ويدفعه على أنني يجب أن أنتقل من المنصورة إلى القاهرة لأنني كما قال: «عندي استعداد لهذا الفن» وكان في حياته الخاصة يفني نفسه ويفني جسده أمام ما تصبو إليه نفسه في رفعة الفن والوصول إلى الذروة العليا فيه وقد حدث..

 

*وزكريا أحمد؟

**لا أستطيع أن أقول أنه امتداد لسيد درويش إنما كان له طابع مطرب وأسلوب خاص شجي كانت تطرب له الجماهير حين تغني له سيدة الغناء العربي أم كلثوم.

 

*ومحمد القصبجي؟

**أستاذ كبير وله الأثر الأول في حياة أم كلثوم لأنه كان الملحن الوحيد في حياتها عندما ظهرت وقبل أن نظهر أنا وعبدالوهاب وغيرنا.. وأذكر بهذه المناسبة رواية قديمة عن حق الملحن والمؤلف الذي كان ضائعا في الماضي وكيف تعرض محمد القصبجي لهذا حين عهد إليه بتلحين الأغنية التي اشتهرت وبيع منها أكثر من مليون أسطوانة وهي «إن كنت أسامح وأنسى الأسية» مع أنه باع هذا اللحن لشركة أسطوانات جرامافون بمبلغ عشرة جنيهات فقط.. فلو احتفظ لنفسه بقرش واحد عن كل أسطوانة لحصل على مليون قرش أي عشرة آلاف جنيه.. وكانت لها في ذلك الوقت قيمة كبيرة.

 

*هل تذكر أن هناك ملحنين في وقت ما أرادوا تلحين القرآن ومنهم الأستاذ محمد عبدالوهاب؟

**أيوة.. وأنا فكرت وأم كلثوم في هذا من قبله ولكننا تراجعنا وأن الله تعالى قال: «ورتل القرآن ترتيلا» ولم يقل عز جلاله ونغم القرآن تنغيما.

 

*أستاذ رياض هل تشاهد التليفزيون؟

**أيوة.. ولقد استمعت ذات مساء إلى مذيعة في التليفزيون تقدم صوتا جديدا وهي تتمنى أن يسمعه الملحنون ويهتمون به ويتبنوه وتحاول أن تفرضه على الجمهور وتحثه على تقديره بالرغم من أن صاحب هذا الصوت لا يمت للفن بصلة فليس له صوت ولا استعداد ولا شكل..

 

*وكيف حكمت عليه؟

** من مجرد عزفه على العود الذي كان يمسك به فقد كان عزفه نشاذا وهذه مهزله يجب أن تنتهي كما إني أعترض على المسرحيات الكوميدية حين يقسم الممثل بالله وبالنبي في بعض المواقف التي يحيطها الكذب وقد قال الله تعالى «ولا تجعلوا الله عرضه لإيمانكم».

وأنا أرجو من المسئولين أن يمنعوا مثل هذه المهازل من الإذاعة والتليفزيون والمسرح.. وكان يجب على رجال الدين وبالذات الشيخ متولي الشعراوي ورجال الأزهر أن يتصدوا لهذا..

 

*ما رأيك في الممثلات المطربات في أفلامنا الحالية؟

**هذه حاجات عرضية.. كأنما واحدة أثناء الطهو في المطبخ تدندن.

 

*أستاذ رياض.. قيل أن البعض الذين يستمعون إلى الأغاني الغربية كثيرا أن الأغنية المصرية تحوي دائما الهم والحزن والتشاؤم.. فما رأيك؟

**وهل الحبيب عندما يفارق حبيبته في فترة خصام أو في سفر بعيد عنه لا يحزن عليه حبيبه الثاني؟! بل أن هناك حالات يبكي فيها من حرقة الفراق وهذه على كل حال أحاسيس لا أقول عليها إنها محزنة وإنما هي أحاسيس مرهفة جميلة والبكاء لا يعبر عن الحزن عموما فأحيانا البكاء يعبر عن الفرح.

 

*الأغنية الطويلة.. هل سيؤثر عليها سرعة التطور أو الرتم السريع للحياة.. بمعنى أن الأغنية القصيرة سيكون لها الغلبة في المستقبل ؟

** شوف.. الأغنية المصرية إذا كانت طويلة أم قصيرة فالمهم فيها هو العمل نفسه.. أي إجادة العمل في اللحن واتقانه ودراسة العمل من حيث الكلمة والمعنى.. هذا هو المهم وليس حكاية طول أو قصر.. ويصح جدا أن تكون هناك أغنية قصيرة بتاعة سبع أو ثماني دقائق مكتملة من جميع نواحيها الفنية فترضي الجمهور وترضيني.. ويصح جدا أن تكون هناك أغنية طويلة كلامها فارغ وتلحينها ضعيف وأداؤها هزيل.. ولكن هناك عموما أغاني طويلة خالدة حتى الآن.

 

****وفجأة أخرج الفنان رياض السنباطي قصاصة ورق وقال لي بلهجة الأمر.. اكتب.. وانصعت لكلامه وأخذت أكتب ما يمليه علي: الحاقا لما قلته من ضوضاء القاهرة.. فإنني أقطن بمنطقة نادي الشمس وهناك نادي الصيد أو ما يسموه «التيرو» وهذا التيرو قد وجد قبل أن تكون هذه المنطقة سكنية كما هي عليه الآن.. أي كانت هذه المنطقة فضاء ولقد أصبحت آهلة بالسكان أطفالا وشيوخا وشبابا ونساء.. وأني لأتقدم بشكوى هامة من أهل المنطقة بشأن صوت الطلقات المزعجة الصادرة من هذا النادي في الشتاء من الساعة الثانية ظهرا إلى الساعة السابعة مساء وفي الصيف من الساعة السابعة مساء إلى ما بعد منتصف الليل.. وهذا حرام.. وإن لم يكن من المستطاع أن ينقل هذا التيرو فعليهم أن يستعملوا كاتم الصوت لبنادقهم وهوايتهم كما هي دون نقلهم من المنطقة.

ثم طوى الورقة ووضعها في جيبه..

 

فعدت أساله:

*ما تعقيبك على حصولك على الدكتوراة الفخرية؟

**طبعا مسرور وسعيد بأن الرئيس - أبقاه الله وأطال عمره - ليس لأنه قدرني وحدي بل لأنه كان يرعى بقية زملائي وكل مفكر وكل إنسان يخدم وطنه.. فإنه يكافؤه ويقدره ويكرمه.. أنه شيء يفرح كل مواطن أن الرئيس يقدر كل مواطن مخلص.

 

*ومتى علمت بها؟

**مساء الثلاثاء حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف.

 

****واقترب منا أثناء حوارنا مندوب من جميعة الكتاب والنقاد المصرية يقدم له جائزة التقدير الذهبية لعام 1977م، التي كان من المفروض أن يتسلمها في حفل الجمعية بالشيراتون في الشهر السابق.. وكانت من ورق البردي مكتوب عليها بالذهب: وهذه الجائزة هي جائزة الريادة في موسيقى وألحان الأفلام المصرية والذي أسعد بفنه -يقصد بالأستاذ رياض السنباطي-  الملايين في الساحة العربية.

 

*الميكرفون في بدايات هذا القرن في مصر هل كان له تأثير على أصوات المطربين والمطربات؟

**طبعا.. فهناك أصوات جميلة لكنها ضعيفة هامسة لا يظهر صوتها ولا نبراتها إلا بالميكرفون.

 

*دكتور رياض.. ما رأيك في الموسيقى المصرية الآن؟

**في الحالة الحاضرة.. ذات ألوان كثيرة فيها المحافظ على اللون المصري القديم الأصيل وهذا هو الذي أذكيه وأعترف به وبوجوده كما كان سيد درويش أمام الموسيقى العربية وألحان زكريا أحمد والقصبجي والسنباطي..

 

*وما رأيك في الأستاذ كمال الطويل؟

**يعجبني في لونه الذي أخذ به طابعا مقبولا محبوبا.. يعجبني أنه وضع لنفسه خطة لها لون خاص لا أستطيع أن أقول عنه قديم أو متطور بل أقول عنه جميل.. جذاب.

 

*والأستاذ محمد الموجي؟

 لا تعرف له.. إن كان متطورا أو قديما.. ولكن له طابع خاص به جميل ويميل فيه إلى القديم ولكن ليس القديم العريق.

 

*والأستاذ سيد مكاوي؟

إني أقترح على من يفكرون في خلق أو إيجاد نوع الأوبريت أن يكلفوا الأستاذ مكاوي بتلحين هذا اللون من ألوان الموسيقى لأنه يجيد اجادة تامة هذا اللون من ألوان الموسيقى العربية.. فألحانه في الليلة الكبيرة التي تذاع باستمرار بالتليفزيون تذكرني بصورة جميلة من ألحان سيد درويش..  ويعجبني الملحنين الذين لهم أثر الآن الأستاذ عبد العظيم محمد فلونه محبب إلى النفس وليس بمقلد لأي إنسان.

 

*أستاذ رياض.. تحدثت عن اللون المحافظ في الموسيقى المصرية الآن.. أما البقية.. فقاطعني بهدوء قائلاً:

**ليس لها شخصية.. لأنها خليط من الافرنجي التافه والعربي الباهت فلما نجمع الإثنان مع بعض تكون النتيجة لا شيء.. وأرجو من زملائي وأولادي الملحنين أن يخطوا وأن يتجهوا بمواهبهم -التي لا أنكرها- إلى الموسيقى العريقة المصرية بما فيها من حلاوة وصعوبة وهذا ما يقال عنه السهل الممتنع   فأتمنى أن يلحنوا قصائد وأوبريتات.

 

*ما رأيك في تعليم الموسيقى في مصر؟

**غير متزن -وعلى غير أساس وليس له منهاج عربي أصيل.. أساسه الموهبة فقط وكل واحد موهوب يلحن لحن حلو أو يغني أغنية.. ولكن ليس على أسس سليمة مدروسة.. لا مفيش مناهج سليمة.