اختتم المجلس الأعلى للثقافة فعاليات إطلاق التقرير العربى الثانى عشر للتنمية الثقافية (الفكر العربى في عقدين 2000 - 2020)، والذى احتضن جلساته على مدار يومى 18 و19 من شهر سبتمبر 2023 ونظمه بالشراكة مع مؤسسة الفكر العربى، وشهدت هذه الفعالية مشاركة كوكبة كبيرة من الباحثين والأكاديميين والمتخصصين؛ حيث تم الافتتاح صباح أمس الاثنين 18 سبتمبر 2023- بدار الأوبرا المصرية، وعقدت آخر الجلسات النقاشية فى الرابعة عصرًا وحملت عنوان: (الفكر العربى وآفاقه المستقبلية فى ظل التحديات الراهنة)
وأدارها الدكتور نبيل عبد الفتاح، وجاءت المداخلة الأولى بعنوان: (العرب والتحولات فى النظام الدولى)، وقدمها الدكتور محمد كمال، فيما حملت المداخلة الثانية عنوان: (الفكر العربى والثورة الرقمية: التحديات والرهانات)، وقدمها المهندس زياد عبد التواب، أما المداخلة الثالثة جاءت بعنوان: (الفكر العربى بين العروبة والكونية)، وقدمها الدكتور عبد الله السيد ولد أباه (موريتانيا)، أعقب ذلك انعقاد الجلسة الختامية، والتى اشتملت على كلمة الدكتور هشام عزمى؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور هنرى العَويط؛ المدير العام لمؤسسة الفكر العربى.
بدايةً أكد المهندس زياد عبد التواب أن دول المنطقة العربية لديها العديد من نقاط القوة، ويأتى على رأس ذلك ارتفاع نسبة الشباب فى العالم العربى، وأوضح أن متوسط اتصالاتنا العربية بشبكة الإنترنت يبلغ نسبة 62%، وهذا المتوسط يُعد أقل من مناطق كثيرة فى العالم، وحول بعض السلبيات لاستخدام شبكة الإنترنت عربيًا أوضح أن متوسط نسب الاستخدام المفيد للشبكة العنكبوتية يُعد قليل؛ حيث تُعد نسبة مستخدمى الألعاب الالكترونية هى الأعلى مقارنةً بسائر استخدامات الشبكة عربيًا.
فيما أوضح الدكتور محمد كمال أنه على الصعيد العربى فيما يخص الجانب الاقتصادى، يجب تفكيك الارتباط بالدولار بوصفه عملة دولية؛ حيث أن نجاح هذا الأمر سوف يكون له تأثير بالغ القوة على النظام الدولى القائم على مختلف الأصعدة، كما سيفتح التحرر العربى من هيمنة الدولار آفاقًا جديدة سوف يتشكل على إثرها نظام دولى جديد.
ختامًا تحدث الدكتور عبد الله السيد ولد أباه حول مسألة الفكر العربى بين العروبة والكونية، متسائلًا هل يعيش العرب أزمة هُوية؟ وأشار أن علاقة الذات بنفسها تمر بوسائط عديدة في علاقتها بنفسها وبالغير وبالمؤسسة، كما أنها تأخذ مسالك تأويلية عبر النص المقروء الذى يكشف عن عالم كامل مستقل عن مؤلف وعن ظروف صياغته ومجال تلقيه، وفى هذا السياق يدخل البعد التاريخى فى اتجاهين: مسار تشكل الهوية الذاتية في بعدها السردي، والمسار التأويلى المرتبط بالذاكرة من المنظورين الابستمولوجى المتعلق بالمنزلة المعرفية للكتابة التاريخية والعملى الإتيقى المتعلق بسياسات وأخلاقيات تدبير الذاكرة التى تغطى جانبا أساسيا فى فلسفة "ريكور" السياسية والقانونية، وفى مختتم حديثه أكد أن سؤال الهُوية يتصل بالممارسة السردية من وجهين متلازمين: الإنسان الذى يكشف عن هُويته من خلال ما يحكى عن حياته والقصص المروية من حيث هى أجناس سردية تتمحور حول الكتابة التاريخية والإبداع المتخيل، الذات التى تصنع التاريخ، أى تخرج إلى دائرة الفعل المتحول، ولا يمكنها فى الآن نفسه أن تكون فاعلة فى التاريخ دون روايته وسرده.
عقب ذلك عقدت الجلسة الختامية، وتحدث الدكتور هنرى العَويط، مشيرًا إلى أننا اليوم بصدد سؤال مهم للغاية طرحة عميد الأدب العربى فى صورة عنوان لأحد أشهر كتبه، وهو مستقبل الثقافة فى مصر، ومن هنا علينا أن نتساءل: إلى أين يتجه مستقبل الثقافة فى مصر والعالم العربى؟ وتابع حديثه مؤكدًا ما جمع فى هذا التقرير الذى لا يُدّعى أنّه شمل مجالات الفكر العربى كافة، أو أحاط بجميع الموضوعات المُرتبطة بالمحاور التى غطاها، وأنه يشكّل دراسةً كاملةً وتامةً للمشهد الفكرى العربى فى السنوات العشرين الماضية حسبه أنه يُقدِّم، من خلال مباحثه التى أعدتها نخبةٌ من ذوى الاختصاص والكفاءة، قراءةً جامعةً ثلاثية الأبعاد، وافيةً ومُضيئة للمقاربات الفكريّة العربيّة السياسيّة والفلسفيّة والاجتماعيّة والتربوية والرقمية والاقتصادية والتنموية، عرضت الخطوط العريضة لمضامينها وتوجّهاتها، وكشفت إلى هذا الحد أو ذاك. عن آليات تحليل جديدة للتحوّلات العميقة التى طَبَعَت العقدين الأخيرين، وأبرزت إشكالياتها وتحدّياتها، كما صاغت رؤئ مبتكرة لمآلاتها المرجوّة في المُقبل من الأيام. تجدر الإشارة إلى أننا كنا قد وجهنا إلى كُلِّ مُشارك في كتابة مباحث التقرير مجموعةً من الأسئلة المُحدّدة الخاصة بالمبحث الذى يتولّى مهمة تأليفه لكي يستأنس بها، إذا شاء، فى إعداد ورقته. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الأسئلة المحدّدة والخاصة تتفرّع في الحقيقة من سلسلة أسئلة ذات طابع أشمل متّصلة اتصالاً وثيقاً بمنطلقات تقريرنا ودواعيه، وتُمثْلُ الإجابات عنها غايته ومراميه. وفى مختتم حديثه أوضح أن هذه الأسئلة العامة، التى سبق وأوردناها بصيغةٍ ثلاثيّةٍ مكثّفة فى معرض الحديث عن عنوان التقرير هى التى تُضفى عليه، وعلى تعدّدِ محاوره وموضوعاته، وتنوع المُقاربات المعتمدة فى مباحثه وحدَتَه العضوية وتكامل أجزائه. ومع إدراكنا أنّ الأسئلة التى طرحناها لا بدّ لها أن تستدعى أجوبةً متعدّدةً ومنوعة، وربّما متباينة، وذلك بسبب دقّة موضوعاتها وخطورة قضاياها وكثافة مضامينها، وأيضًا بسبب طبيعتها المفتوحة، فإنّه لمن دواعى الارتياح أن يبرز بصورةٍ جليّة على امتدادِ صفحات التقرير سعى مؤلّفيه، كلّ على طريقته وبناءً على توجّهاته وخياراته، إلى الإجابة عن عددٍ من الأسئلة الكثيرة التى يُثيرُها موضوع التقرير، وتثيرها محاوره.
ختامًا تحدث الدكتور هشام عزمى مبديًا سعادته البالغة لتنظيم المجلس الأعلى للثقافة لهذه الفعالية الثقافية العربية المهمة بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربى، موضحًا أن المجلس الأعلى للثقافة يفتح ذراعيه للتعاون مجددًا مع مؤسسة الفكر العربى