د.رشدى شحاتة أبوزيد - رئيس قسم الشريعة الاسلامية بحقوق حلوان
[email protected]
هل تبحثين عن استشارة متخصصة فى أي من أمور الدين، فقط ما عليك سوى مراسلتنا أسبوعيا باستفسارك حيث يجيب عليك د. رشدى شحاته أبو زيد رئيس قسم الشريعة الإسلامية بحقوق حلوان، وفقا لصحيح الدين، بكل ما يساعدك في مواجهة أي التباس ويتوافق وتعاليم ديننا الحنيف، كونى على تواصل معنا عبر البريد الإلكترونى .
اشتد المرض بوالدتي ونصح الأطباء بسفرها للخارج لتلقى العلاج علما بأن حالتها ميئوس من شفائها، ولهذا وكّلت أحد أقاربى بالحج عنها بعد أن سافرت معها للعلاج، لكن صحتها تحسنت والحمد لله، فهل يجب عليها أن تحج بنفسها مرة أخرى أم أنه سقط عنها؟
الحج ركن من أركان الإسلام أوجبه الله عز وجل على المستطيع، قال جل شأنه: (وللهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً), وقد اتفق الفقهاء على أن سلامة البدن من الأمراض والعاهات التي لا تَعُوقُ عن أداء فريضة الحج شرطٌ لوجوبه، فمن كان عاجزًا عن أداء الفريضة لمرض اشتد به ومنعه الأطباء من السفر فإن الواجب عليه أن يُنيبَ من يحج عنه بشرط توفير النفقة اللازمة لسفره، واستدل الفقهاء على ما ذهبوا إليه بما رُويَ عن سيدنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله
عنهما ـ أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده قد أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وهو ما يؤكد لنا مشروعية الحج عن الغير ما دام الإنسان مستطيعًا لأداء فريضة الحج بالمال لكنه لا يقدر على أدائها بالنفس، أما إن الله قد شفا والدتك وأنعم عليها بالصحة والعافية فقد ذهب الأحناف إلى عدم وجوب الحج عليه مرة أخرى؛ لأنها أتت بما أُمرت به، فخرَج من عهدها كما لو لم تبرأ، ولأنها أدت حجة الإسلام بأمر الشرع فلا يلزمها حجٌّ ثانٍ كما لو حجتها بنفسها.
***
أداوم على قراءة جزء من القرآن الكريم كل يوم، وأقوم بختم القرآن كل شهر، لكنّ أحد أصدقائي قال لي: أنت آثم؛ لأن الواجب عليك أن تختم القرآن الكريم كل ثلاثة أيام وأنا لا أقدر على ذلك، فهل أتوقف عن القراءة حتى لا أكون آثمًا؟
القرآن الكريم هو الكتاب المنزَّل على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتعبَّد بتلاوته المتحدَّى بأقصرِ سورة منه، وقد سمّى الله تعالى القرآن بخمسة وخمسين اسمًا، سماه كتابًا وقرآنًا وفرقانًا وكريمًا وكلامًا ونورًا وهدًى ورحمةً وشفاءً وموعظةً وذكرًا ومباركًا وغير ذلك، والمسلم التقي هو الذي يَتعبَّد بتلاوته ويتخذه وِردًا له يردده آناء الليل وأطراف النهار، وقد كان للسلف الصالح عاداتٌ في ختم القرآن الكريم؛ فمنهم من كان يختمه في اليوم والليلة، ومنهم من كان يختمه كل ثلاث ليال، ومنهم من كان يختمه في شهر، وكل ذلك مرجعه إلى حال الإنسان وحسن علاقته بالله عز وجل، فمن كان مشغولاً بأمور المسلمين فعليه أن يقرأ القرآن الكريم بقدر ما يستطيع من غير أن يُدخِلَ المشقة على نفسه أو يهجر القراءة، وإن لم يكن مشغولاً بمصالح المسلمين فعليه أن يستكثر من القراءة بقدر ما يستطيع.
قال أبو الوليد الباجي: أمَر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدَ الله بن عمرو بن العاص أن يختم في سبع أو ثلاث، وقال الفقهاء: يَحتمل أن يكون ذلك هو الأفضل على الإطلاق، أو هو الأفضل في حق عبد الله بن عمرو لمَّا عَلِمَ من ترتيله في قراءته وعَلِمَ من ضعفه عن استدامته أكثرَ مما حدد له، وأما من استطاع أكثر من ذلك فله أن يفعل قدر استطاعته، وقد سئل الإمام مالك عن الرجل الذي يختم القرآن في كل ليلة فقال: ما أحسن ذلك، إن القرآن إمام كل خير، لذا مادمت يا أخي تفعل ما بوسعك من غير تكاسل منك فلا حرج عليك وسل الله القبول.