محاكمة إسرائيل لخبيرها النووي.. جولدا مائير: قررت استخدام السلاح النووي في حرب أكتوبر
إن برنامج إسرائيل النووي كان من بدايته تحت إشراف وزارة الأمن، مما يشير إلى الطابع العسكري الذي يتسم به ذلك البرنامج
-حصلت إسرائيل على مفاعلها النووى الأول من الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصلت منها على المطبوعات والمعلومات المتعلقة بالمفاعل النووى، وتلقى العشرات من العلماء الإسرائيليين التدريب هناك
- من الدول التي تعاونت مع إسرائيل في برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية جنوب إفريقيا وتايوان وهما دولتان ذواتا وضع خاص شبيه بإسرائيل
- إن الحرب الشعبية في منطقة الشام من أجل استرداد حقوق الشعب الفلسطيني قد تكون أشد فعالية من الحروب النظامية، وتكون الأسلحة النووية غير صالحة لوقفها
أصبحت مسألة القوة النووية للدولة الصهيونية أحد الموضوعات البارزة المطروحة على الساحتين العربية والدولية، فلولا وقوف الاتحاد السوفييتي في حيازة تلك الدولة للأسلحة النووية، لم يكن ليبالي بمسألة تطوير صواريخ أريجا الإسرائيلية، لو لم تكن تلك الصواريخ مزودة بالرءوس النووية وأصبحت بتطويرها يصل مداها إلى داخل حدوده وصور حلفائه في شرق أوروبا، أنظر عدد سبتمبر من الهلال .. وحاليا تجرى فى الدولة الصهيونية محاكمة مردخاى فانونو الفنى النووى الإسرائيلي، المتهم بتهريب الأسرار النووية الإسرائيلية، والذي سبق له اللجوء إلى الغرب، حيث أعلن في بريطانيا تخليه عن من جنسيته الإسرائيلية وديانته اليهودية، وصرح لجريدة صانداى تايمز البريطانية بأن الدولة الصهيونية تمتلك ترسانة من القنابل الذرية يبلغ عددها حوالى ثلاثمائة قنبلة مما يجعل منها قوة نووية سادسة، تلى الدول الخمس الكبرى ، ذات العضوية الدائمة فى مجلس الأمن من حيث القدرة النووية، وتمكنت الدولة الصهيونية من اختطاف خبيرها النووى السابق وعادت به إلى الأرض المحتلة، حيث تجرى محاكمته، مع احتمال إدانته بالخيانة العظمى ومعاقبته بالإعدام أو السجن مدى الحياة.
وفي إطار الاهتمام بهذا الموضوع أنشأ الدكتور تيسير الناشف أستاذ الدراسات العربية في كلية أسيكس کاونتي في نيو جـيرسى بالولايات المتحدة الأمريكية، مقالا مهما بعنوان التهديد النووى الإسرائيلي، نشره في عدد سبتمبر الماضي من مجلة "المستقبل العربي" ، التي تصدر في بيروت عن مركز دراسات الوحدة العربية .
وفى هذا المقال أشار الباحث إلى شهادات العلماء النوويين الذين استشارتهم صحيفة "صاندای تايمز" البريطانية فيما يتعلق بصحة شهادة الفنى الإسرائیلی مردخای فانونو، ومن أهمهم : ثيودور تیلر، أحد تلامذة روبرت أوبنهايمر الذي يوصف بأنه : أبو القنبلة الذرية ، وقد عمل تيلر على التصميم الأول للقنبلة النووية ، ثم ترأس برنامج وزارة الدفاع الأمريكية لتجريب الأسلحة النووية .
درس تيلر الصور التي التقطها فانونو داخل منشأة ديمونة النووية التي كان يعمل بها وصورة في شهادته ثم علق عليها بقوله : ( ينبغي ألا يكون بعد أى شك في أن إسرائيل طيلة عقد على الأقل دولة حائزة بالكامل للأسلحة النووية وبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي أكثر تقدما بكثير مما يبنيه أي تقرير سابق، أو حالات حدس سابقة كنت لقد علمت بها .
وأضاف أن شهادة فانونو متسقة اتساقاً مع قدرة إسرائيل على إنتاج عشر قنابل نووية سنويًا ربما له مغزى مهم هو أنها أصغر وأخف وأكثر فعالية من الأنماط الأولى من الأسلحة التي استحدثتها الدول الخمس العظمى الحائزة للأسلحة النووية، ومعنى ذلك أن إسرائيل لم تعد تضارع تلك الدول العظمى في امتلاك القنابل الذرية فحسب، بل هي تمتلك قنابل أكثر تطورا من حيث كونها أصغر وأخف حملا وأكثر فعالية.
ومما أورده الكاتب أيضا أن محطة سي بي إس الأمريكية قد أذاعت بعض المعلومات التي يتضمنها كتاب سوف يصدر بالعبرية لصحفيين من إسرائيل هما إيل تايجر ، وعامى دور ، تجاوزا فيه شهادة فانونو بأن إسرائيل لديها عدة عشرات على الاقل من القنابل الذرية ، ليقررا أيضا أن لديها بضع قنابل هيدروجينية.
المعونة الدولية
ويقرر الدكتور الناشف ، في بحثه المستند إلى مصادر كثيرة ، أن برنامج إسرائيل النووي كان من بدايته تحت إشراف وزارة الأمن، مما يشير إلى الطابع العسكري الذي يتسم به ذلك البرنامج وأن إسرائيل لديها البنية الأساسية والموارد والمعرفة والخبرة اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية ، وأن الكثير من العلماء والفنيين الإسرائيليين متخصصون في العلوم النووية، كما أن هناك تأكيدا كبيرا على العلوم الطبيعية والهندسية فى نظام إسرائيل التعليمي وتوجد لديها مؤسسات مهسة تؤدى دوراً رئيسيا في إعداد العلماء والاختصاصيين في مجال العلوم النووية مثل معهد وايزمان في رحفوت وجامعة الهندسة التطبيقية في حيفا والجامعة العبرية فى المقدس والكثير من علماء إسرائيل النوويين تلقوا دراستهم وتدريبهم في وقت مبكر في هولندا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان، ثم شرع هؤلاء العلماء يعودون من المغرب إلى إسرائيل في بداية الخمسينيات بما حصلوه من معرفة في التكنولوجيا النووية .
وفى عام ١٩٤٨ أجرى الإسرائيليون تحت رعاية وزارة الأمن مسحا تمهيديا فى النقب حيث اكتشفت كمية من اليورانيوم في قرارات الفوسفات وفى عام ١٩٤٩ أنشئت دائرة بحوث النظائر في معهد وايزمان، التي أصبحت بعد ذلك دائرة البحوث النووية، وفى عام ١٩٥٢ أنشـئـت لجنة الطاقة الإسرائيلية برئاسة آرنست بيرجمان الذي كان من أشد المتحمسين لإنتاج الأسلحة النووية؛ وقد أحيطت هذه اللجنة بالسرية، بحيث لم يعلم الجمهور بوجودها إلا في عام ١٩٥٤ .
وحصلت إسرائيل على مفاعلها النووى الأول من الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصلت منها على المطبوعات والمعلومات المتعلقة بالمفاعل النووى، وتلقى العشرات من العلماء الإسرائيليين التدريب فيها، أي في الولايات المتحدة على إدارة المفاعلات، وقد أنشئ هذا المفاعل الذي تبلغ طاقته ٥ ميجاوات فى نامال سوريك بالقرب من أسدود، واستكمل بناؤه في مايو ١٩٦٠ وهو قادر على إنتاج البلوتونيوم، ويعتبر مركز تدريب للفنيين والعلماء الذين يستطيعون بعد ذلك العمل فى تشغيل مفاعلات أخرى.
ومع ذلك فالدكتور الناشف يعتبر أن فرنسا أشد الدول مسئولية عن مساعدة إسرائيل في أن تصبح دولة حائزة للأسلحة النووية، وذلك بحكم تحالف الدولتين السياسي والعسكري الذي بلغ ذروته في العدوان الثلاثي على مصر فى عام 1956.
وأبرم بين الدولتين في عام ۱۹۵۲ اتفاق نووى ينص على تبادل المعلومات التكنولوجية النووية وعلى تدريب علماء إسرائيليين في فرنسا، وقد بنت فرنسا في النقب الشمالي مفاعل ديمونة النووى الذي بدأ بطاقة ٢٤ ميجاوات وقد بدأ تشغيله فى أواخر ١٩٦٣ وبداية ١٩٦٤.
ومنذ بدايتها أحيطت منشأة ديمونة النووية بالسرية التامة ، حتى قيل إن أعضاء الكنيست لم يسمح لهم بزيارة بعض أقسامها، وقد ساعدت إسرائيل فرنسا على الاستقلال عن المظلة النووية للولايات المتحدة، في مقابل مساعدتها لإسرائيل بتزويدها بالماء الثقيل ، وحصلت من هـــــــذه الأخيرة على تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية التي تم استحداثها في الولايات المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد حظرت بيع حاسبات إلكترونية معينة لفرنسا حتى لا تستخدمها في صنع قنابل ذرية، وكذلك حصلت فرنسا من إسرائيل على سر استخلاص اليورانيوم من المعادن الخام.
وهكذا أسهم التعاون النووى بين فرنسا وإسرائيل فى تمكن كل منهما من الحصول على المقدرة على إنتاج الأسلحة النووية، الأمر الذي أثار حفيظة الأمريكان وجعلهم يطالبون إسرائيل رسميا بأن توضح نواياها النووية ، وفى عام ١٩٦٠ أرسلت أمريكا طائرتيّ تجسس من طراز "بوم" لالتقاط صور لمركز ديمونة الذي كان في طور الإنشاء، وبذل الإسرائيليون جهودًا جلية للتظاهر بأن المنشأة الملتقطة في الصور هي مصنع للتبن ولكن بن جوريون أشار في النهاية فى أواخر عام 1960 لأول مرة بإنشاء مفاعل نووی فرنسی للبحوث ووعد بالسماح بزيارات أمريكية للتفتيش على مفاعل ديمونة على ألا يتم ذلك فورا ، مكررا زعمه أنه إنما أقيم لأغراض سلمية.
ويقرر الدكتور الناشف أن من الدول التي تعاونت مع إسرائيل في برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية جنوب أفريقيا وتايوان وهما دولتان ذواتا وضع خاص شبيه بإسرائيل، فكما تغتصب إسرائيل جزءا من أرض العرب تقيم عليه دولتها ، تقوم دولة جنوب أفريقيا على اغتصاب جزء من الأرض الأفريقية تقيم عليه دولة معادية لسائر الأفارقة وكذلك تايوان التي تقيم على تلك الجزيرة الصينية دولة متمردة على النظام السائد فى جمهورية الصين الشعبية بأسرها، ولا يخفى أن الصين بضخامتها وتعداد سكانها - تعتبر إزاء تلك الدولة فى وضع شبيه لم يزد عليه وضع العالم العربي والقارة الأفريقية، إزاء كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا، لذلك فكل من الدول الثلاث إسرائيل وجنوب أفريقيا وتایوان ، جزء صغير يعادی كيانا كبيرا نشأ بالرغم عنه، وحاجتها إلى الأسلحة النووية لتهديد هذا الكيان الكبير ، كي لا يفلح في ردها لعصمته، إن صح التعبير.
حالات التهديد
والسؤال الآن ، بعد أن أصبح امتلاك إسرائيل للسلاح النووى أمرا معروفا ومسلما به ، ففى أى الأحوال يمكن لها أن تستخدم هذه الأسلحة ؟
قبل الرد على هذا السؤال ينبغى الإشارة إلى أن إسرائيل قد نقلت تحالفها الاستراتيجى من فرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تعرف تماما الآن أن إسرائيل لديها أسلحة نووية، ولعل الولايات المتحدة قد أصبحت راضية عن ذلك تماما بعد أن كانت تستنكره أيام التحالف الإسرائيلي الفرنسي، ولعلها تعتبرها كما سبق أن كتبت في عدد سبتمبر الماضي من الهلال - ورقة تستخدمها في مساوماتها النووية مع القوة العظمى الثانية فى العالم وهي الاتحاد السوفييتي.
وناقش الدكتور الناشف في مقاله احتمالات استخدام إسرائيل لأسلحتها النووية ويلخص ذلك قوله : إن أحد الظروف التى من المؤكد أن تستعمل فيها إسرائيل أسلحة نووية حال تعرض إسرائيل للهجوم سواء بالمباغتة أولا ، من قبل طرف عربي واحد أو أكثر ، ولا تكون قادرة فيها على صد الهجوم باستعمال الأسلحة التقليدية وإذا قررت استعمال الأسلحة النووية فيمكن أن يكون هذا الاستعمال لهدف تكتيكي - وقف القوات العربية المتقدمة - أو لتحقيق هدف استراتيجي - مثلا مهاجمة الأهداف الخلفية العربية ، والاختيار من هذين الخيارين يتوقف على عوامل مختلفة وخصوصا طبيعة المعركة الدائرة، والهدف العسكري للجيوش العربية، وعدد الخسائر وسرعة وقوعها في صفوف الإسرائيليين.
غير أن من أكثر ما يثير الاهتمام فيما كتبه الدكتور الناشف هـــــــــو ما نقله عن مجلة تايم الأمريكية عن القرار الإسرائيلى باستخدام السلاح النووى فى حرب أكتوبر - تقول المجلة :
في بداية حرب أكتوبر ۱۹۷۳ صد المصريون هجمات إسرائيلية اولى على طول قناة السويس مسببين إصابات كثيرة، وكانت القوات الإسرائيلية تتقهقر في وجه هجوم الدبابات السورية واسع النطاق في الساعة ٢٢ يوم 8 أكتوبر، أخبر القائد الإسرائيلي على الجهة الشمالية اللواء يتسحاق حوثى رئيسه : إننى لست متأكدا من أننا نستطيع أن نصمد وقتا أطول بكثير، وبعد منتصف الليل حذر وزير الأمن موشی ديان رئيسة الحكومة جولدا مائير تحذيرا جادا ( هذه هي نهاية الهيكل الثالث ، وعلى ذلك أعطت السيدة مائير ديان ترخيصا بتشغيل أسلحة يوم الحساب ، الإسرائيلية ) لعل الترجمة الأدق هي : يوم القيامة !) وبعد تركيب كل قنبلة نقلت بسرعة إلى وحدات القوة الجوية المنتظرة بيد أنه قبل القيام بأي إطلاق، تحولت المعركة على الجبهتين في صالح إسرائيل.
ولكن الشيء الذي لم تناقشه تايم ولا الدكتور الناشف هو : إذا كان في استطاعة إسرائيل استخدام القنبلة النووية على منطقة بعيدة عنها نسبيا من البلدان العربية ، فهل تستطيع استخدامها في منطقة الشام التى تقع الدولة الصهيونية على جزء منـه مجاورًا لبقيتها أشد الجوار، دون أن تضع في اعتبارها أخطار الغبار النووى على مواطنيها من الصهاينة؟
إن الحرب الشعبية في منطقة الشام من أجل استرداد حقوق الشعب الفلسطيني قد تكون أشد فعالية من الحروب النظامية، وتكون الأسلحة النووية غير صالحة لوقفها ، ولعل الضراوة التي تعاقب بها الدولة الصهيونية مخيمات الفلسطينيين في لبنان: ردا على أعمال الفدائيين وآخرها الغارات الأخيرة على مخيمات عين الحلوة والميتة ميه في منطقة صيدا دليلا على ذلك .
وعلى كل لا يزال عرب الشام أكثر عددا ممن جلبتهم الصهيونية من يهود العالم لبسط سيطرتها على تلك المنطقة : ونضالهم من أجل استرداد الحقوق العربية ، بمختلف أشكال المؤازرة من جانب مجموع الأمة العربية، هو الذي سوف يحسم الصراع التاريخي في المنطقة ، شريطة ان تكون صفوفهـم أكثر تنظيما وأقل انقساما في مواجهة العدو التاريخي ، وذلك بدوره بحث آخر، يخرج عن حدود البحث عن احتمالات التهديد النووى من جانب الصهيونية.
نشر في عدد مجلة الهلال - أكتوبر 2023