تحيا جمهورية مصر العربية.. مع كل مناسبة قومية هكذا لمس المصريون حالة من ثقافة الانتماء عندما يفوز منتخب مصر على أى من المنتخبات فتتعالى أمواج الفرح عندهم، تظهر هذه الفرحة بكل كبرياء ومرح، تغمر الصغير قبل الكبير، تصنع روحًا معنوية عالية من الفرح اللا متناهي.. نشوة عارمة تذكرنا بالمحبة والسلام الاجتماعى بين الجميع وعودة المصريين بسلوكياتهم وقيمهم المشهود لها عالميا، وهذه الروح وبهذه الثقافة لا بد أن يطولنا جميعا الفرح لكى نسعد وننتج ونعيش بحب وأمان.
الانتصارات عرفتها الشعوب منذ القدم بالنصر على الإحباط والنصر بالعمل على الكسل والانتصار بعد الهزيمة، المصريون هم من يجيدون دائمًا التعبير عن مشاعر الفرح والحزن والغضب من خلال الأحوال، التى تمر بهم وكأنها عملية تفريغ لكل الطاقات الإيجابية والسلبية، ولكن بسلام بعيدة عن الدمار والحروب والتطرف.
مثل هذه الحالة التى عاشها المصريون، التى رأيناها فى شوارعها عبر فوز مصر على الكونغو فى كرة القدم، التى أهلت مصرنا إلى المونديال تهذب النفس، وتجعلها تسبح فى هذا الكون الشاسع وترضى بواقعها وتقف كتفًا بكتف مع قيادتها فى كل الانتصارات التى بدأت تؤتى ثمارها فى كل الأصعدة، بدلا من الغوص فى بعض الهزائم الإنسانية علينا أن نحولها إلى انتصارات لا يستطيع القلم أو الكلمات التعبير عنها من تفوق تأثيرها الإيجابي، فليس كل شيء نستطيع أن نترجمه إلا بالنتائج فى هذه الحالة نستطيع أن نشعر بجمال مصر وناسها.. ويتملكنا شعور بالطيران من دون أجنحة.. والحديث عن كل ما هو ايجابى، وغالبا ما تصبح النفس المصرية كواحة عذبة تتخلص لكى يتخلص المصريون من كل الشوائب التى ما زالت تصر على تعكير الصفو المصرى.
المصريون جربوا وعاشوا لحظات الألم والفرح خاصة فى السنين الأخيرة عانوا فيها كثيرا من خطر خفافيش الظلام الذين كانوا حولوا حياة المصريين إلى جحيم.
من خلال حالة فرحة المصريين تتجلى المعانى العظيمة، فتدمع العين من دون سبب ويستشعر المصرى قوته وإثبات ذاته فى تفجير طاقاته الإيجابية الهائلة، التى لا تقسم الناس إلى درجات ومراتب ألم نلاحظ جميعًا كيف أحببنا بلدنا بكل شرائحها المختلفة وشعرنا بالانتماء لأحضانها من دون عناء، وعلينا ألا نستسلم بعدها للسكون ويظل الفرح كأنه يعطينا درسًا فى الإنتاج والعمل ووحدة المعنى ووحدة الاتصال وحدة الانسجام والتكامل وحدة النغمة الواحدة على اختلافها، لتصبح الفرحة «سيمفونية» تجمع كل الأطياف وكل الاختلافات وتحرك جوهر المصرى الواضح من دون وسيط وتجمع قلوب المصريين من دون تكلف.
المبهج فى فوز مصر فى مباراة الكونغو أنه حرك جموعًا كبيرة من الشباب، وتهافتت الأصوات بصوت ونغمة واحدة، جمعت كل الأولاد والبنات والكبار من السيدات والرجال ليعزفوا بلغة واحدة هى تبقى مصر وتلغى كل الحواجز الوهمية.. تعالت أصواتهم مرددين «تحيا مصر» بنغمة واحدة، تجلت المعانى الوطنية كلها فلم تحتج إلى أكثر من ذلك الشباب فى فترة مفعمة من الطاقة والحيوية والنشاط، يحتاجون إلى مثل هذه الفعاليات الإنسانية الطبيعية ليعبروا عن كل ما يدور فى خواطرهم، وإظهار كل تلك الطاقات المخفية بشكلها ومكانها الصحيح، ويتعلمون معنى الفرح وكيف هو الفرح مع الجموع الكثيرة والمختلفة فى طباعها ومزاجها.
هذه اللحظات القومية فيها متنفس كبير لفئة الشباب، إذ سينخفض معدل العنف والاستفزاز والفراغ، وسيزيد الاحتكاك الإيجابى مع غيرهم، والقدرة على التعبير عن مشاعرهم فى وصف الفرح وتذوق جمال الانتماء والإنتاج، ستدرك عقولهم وقلوبهم معًا نغمة واحدة وهى حب الحياة.. الحياة كبيرة تحوى كل شيء، وقت العمل للعمل، ووقت الفرح للفرح، فكيف ينجز الإنسان من دون استقطاع وقت للفرح، ولكى ينتج عليه أن يستمتع ويفرح ويضحك ويكسر حاجز النمطية والروتين، فالنفس تهوى مثل هذه اللحظات والعد عن الرتابة، التى كانت تصنع عندهم حديقة من الأوهام، وشكرًا لمنتخبنا القومى لكرة القدم، الذى حرك فينا الجمال الإنسانى من جديد.
من حق مصر أن تفرح بإنجازاتها سواء فى كرة القدم أو فى المجالات الأخرى، التى يروونها على أرض الوطن لأن المصريين تحملوا الكثير منذ ثورة يناير وسددوا ضريبة عدم الاستقرار الأمنى وفاتورة الوضع الاقتصادى وفواتير الأسعار التى حرقت جيوبهم.
صحيح إنجاز كرة القدم فى هزيمة الكونغو شد عزم المصريين حرصا وخوفا على وطنيتهم ودأبا لحب مصر ودعما للرئيس عبدالفتاح السيسي، وتسليط الضوء على إنجازاته خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وأرى أنه مثلما خرج المصريون وفرحوا لفوز مصر على الكونغو عليهم أن يخرجوا فرحًا بإنجازات أقيمت فى الثلاث سنوات الماضية أعادت مصر من جديد إلى خارطة العالم الاقتصادية والتنموية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم.
ونرفع علم مصر يرفرف فى سماء الدنيا بعد إنجازها لمشروعات قومية عملاقة أقيمت فى ٣ سنوات لم تتمكن الدولة المصرية من إقامتها فى ٢٠ سنة فى السابق بعد أن كان الوضع الاقتصادى والأمنى مضطربًا فى مصر.
أتصور أنه بعد حالة فرح المصريين، التى رأيناها تملأ شوارع وميادين العاصمة وكل عواصم ومدن وقرى مصر لا أحد يستطيع العودة إلى الوراء وعليه أن يبدأ بداية جديدة، مؤديًا ما يجب عليه بكل ما فى قلبه.
نعم يشتاق المصريون للفرح بلهفة على أخبار مفرحة، نتمسك بأى فرصة حتى لو كانت تلك اللحظة، هى لحظات انتصارنا فى مباراة كرة قدم، بارقة أمل واحدة تجمعنا كمصريين من يفهم فى لعبة كرة القدم أو من لا يفهم، فقد شاهدت أطفالا و(بنات) أقل من عشر سنوات يبكون من الفرح، وأثناء نقل «أحداث مباراة مصر مع الكونغو وحينما فاز الفريق المصرى، ضاع صوت المذيع وهو يصرخ، مصر، مصر، مصر، وكاد يغشى عليه من الفرحة، ومن شدة الانتماء للبلد ومازالت الجماهير المصرية، فى انتظار الفرح فى المونديال.
لكن فرحة شعب مصر أكبر من عقدة الخوف دائمًا، فلقد سبق وأن حطم الفريق المصرين كل المصاعب والمتاعب والهزائم بعد أن كانت الفرحة فى حياة شعب مصر عملة نادرة، والنكد أصبح متوفرًا فى الأسواق وفى الصحف وفى الفضائيات لخدمة معسكرات تجيد اللعب ضد تقدم الدولة المصرية، وفى بعض القرارات الحكومية، التى لا نعلم لها أسبابا أو وجاهة اقتصادية أو اجتماعية وكأننا نحب «النكد»، ونبحث عنه، وحينما يصعب علينا إيجاد «النكد» فى الأحداث غير المتوقعة، نقوم بابتكار الأحداث والأخبار والقرارات، التى «تنكد» علينا حياتنا.
لدينا ما يزيدنا فرحا هو أن تلتف خلف قائدنا الرئيس السيسى ونؤمن باستقامته وتدينه الطبيعى غير المفتعل، وأنه يفكر دائما بقلبه وعقله لصالح هذا الشعب، ويعترف بتحمله للمعاناة معه من أجل النهوض والصعود لمستقبل واعد لقد أعاد السيسى خطاب «حسن التعبير» لبيان طبيعة أغلبية المصريين، حيث الشجاعة الشخصية والحفاظ على الكرامة الإنسانية.. ومراعاة الله والضمير فى العمل، وعدم الالتفات إلى الصغائر أو محاولات الرجوع إلى الوراء من عواجيز الفرح، الذين لا يعملون ولا يرغبون فى أن يعمل غيرهم.
ولكن تظل مشكلة البلد أن عددا من الكفاءات مازالت تنتظر.. وعدد كبير من المخلصين ليسوا متحمسين وهى مشكلتنا نحن.. علاوة على أن البعض منا لا يبذل الجهد المطلوب ويبحث عن الحقوق قبل القيام بالواجبات..
ومع ذلك لن يصح إلا الصحيح.. وسوف تفرح مصر وتنهض.. وتعود شمسها الذهبية للسطوع.