رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تأثير الأحداث في غزة على الحرب في أوكرانيا

14-10-2023 | 11:07


د. نبيل رشوان,

عندما أعلن الرئيس السادات رحمه الله عن أن عام 1971 هو عام الحسم فيما يتعلق بالحرب مع إسرائيل وتحرير سيناء، ثم قامت الحرب بين الهند وباكستان والتى أدت فى النهاية إلى ميلاد بنجلاديش، تحدث الرئيس عن أن قيام هذه الحرب هى التى أجلت عام الحسم. والآن نحن أمام نفس الموقف لكن الحرب قائمة بالفعل بين روسيا وأوكرانيا، وفجأة وبدون مقدمات وبينما كان الرئيس بوتين يحتفل بعيد ميلاده الواحد والسبعين، إذا بحرب تنشأ بين حركة حماس وإسرائيل، قلبت موازين القوى بين الطرفين المتصارعين على الأرض الأوكرانية، باعتبار أن أمريكا طرف رئيسى فيها وهى الداعم لإسرائيل.

سواء الطرف الروسى أو الأوكرانى اتهم خصمه بأنه وراء هذه الحرب، وروايات كثيرة رويت من الجانب الروسى حول مثلاً أن أوكرانيا هى التى شجعت حماس على القيام بالحرب، وذهبت الدعاية الروسية لأبعد من ذلك ونشرت صوراً لأسلحةغربية تمتلكها حماس، لا أحد يدرى هل استولت عليها القوات الروسية أثناء المعارك بأوكرانيا كغنائم أم كما يقول الجانب الروسى باعها قادة أوكران لحركة حماس ضمن عمليات فساد متوغل فى الجيش الأوكرانى تم على أثره إقالة وزير الدفاع الأوكرانى مؤخراً، بينما الجانب الأوكرانى اتهم اتهم روسيا بأنها هى من أعطى مقاتلى حماس هذه الأسلحة الغربية التى حصلت عليها القوات الروسية كغنائم أثناء المعارك، وأن أفراد من فاجنر هم من دربوا مقاتلى حماس على استخدام الأسلحة فى مناطق من التى تتواجد فيها فاجنر فى أفريقيا بل والتخطيط للعمليات العسكرية داخل إسرائيل.

لكن ظهر هناك طرف ثالث على الخط وهو إيران، وهى صديق قديم لحركة حماس، وهى صديقة لروسيا وهنا يطور  الجانب الأوكرانى من فرضياته بأن إيران صديقة روسيا وبالتالى فإن روسيا هى الضالعة فى إشعال هذه الحرب عن طريق إيران، والهدف كما يقول الأوكران هو توسيع الجبهة أمام الأمريكيين والأوروبيين الذين قد يتورطون فى فى عمليات عسكرية فى قطاع غزة على الأقل لتحرير الرهائن والذين من بينهم أمريكيين وأوروبيين، ويدركون كذلك أن أمراً كهذا من الممكن أن يجعل الغرب يحجم أو على الأقل يقلل من الدعم العسكرى لأوكرانيا وتوجيه الدعم لإسرائيل، وذهب السيناتور الروسى أليكسى أوشاكوف إلى أن هذه الحرب ستقلل من أولوية أوكرانيا فى السياسة الخارجية الأمريكية وسينصب جل اهتمامها بإسرائيل.

وأضاف أن الولايات المتحدة ستعمل الآن على جبهتين الأوكرانية والإسرائيلية، وإلا فإن العالم سينظر لقيادة الولايات المتحدة للعالم بشكوك، بينما أشار السيد سيرجى سيرجيتشيف المؤرخ الأوكرانى والمتخصص فى شئون الشرق الأوسط إلى أن تطور الأحداث بهذا الشكل فى صالح روسيا معتبراً أن زيادة الاهتمام بإسرائيل سيكون على حساب أوكرانيا حسب قوله وأضاف إن الأسلحة التى كان من المفترض أن تأتى لأوكرانيا سيتم إرسالها لإسرائيل، الرئيس البولندى أنجى دودا أيد فكرة أن الحرب بين حماس وإسرائيل هى بلا شك فى صالح روسيا، ناهيك بالطبع عن أن عمليات غزة سوف تخطف الأضواء من العملية العسكرية الروسية فى أوكرانية وستتجه أنظار العالم إلى قطاع غزة وهذا ما تريده روسيا، وحذر منه الرئيس الأوكرانى الذى توقع على حد قوله قيام روسيا بأى "عملية استفزازية" روسية، تحت غطاء حرب إسرائيل على حركة حماس.

لكن لو تعمقنا فى الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط بعض الشئ سنجد أن كلا الطرفين الروسى والأوكرانى يحاول أن يلصق بالآخر تهمة مساعدة حماس وأن هذه الحرب مفيدة له وتؤدى دور مهم لخدمة أهدافه، فعلى سبيل المثال أوردت قناة 24 الأوكرانية خمسة أسباب لكى تقوم روسيا بمساعدة حماس وتشجيعها على ما قمت به، ووفقاً للقناة أن روسيا فى الوقت الحالى هى الشر الأكبر فى العالم من وجهة نظر العالم المتحضر حسب القناة، وأنها تقوم بعمليات إبادة وغيرها من الجرائم، وللتغطية على ذلك شجعت حماس على ارتكاب جرائم وحشية للتغطية على جرائمها، وهذا بالطبع تفسير بعيد عن المنطق، وذكرت القناة أن روسيا ربما تكون قد حاولت إبعاد الأنظار على العملية العسكرية التى تقوم بها فى أوكرانيا، لأن وسائل الإعلام فى العالم ستركز جل اهتمامها على الحرب الدائرة فى قطاع غزة، أما السبب الثالث فهو أن الولايات المتحدة حليف لإسرائيل ولأوكرانيا فى نفس الوقت وعدوان حماس واشتباك إسرائيل فيه سيجعل الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتقلل من دعمها لأوكرانيا مما سيخفف الضغط على روسيا فى أوكرانيا.

وبصرف النظر عن ضعف الأسباب، فإن الرئيس بوتين الذى سيستقبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى موسكو صرح بأن سبب التوتر والنزاع الحالى هو احتكار الولايات المتحدة لعملية التسوية فى الشرق الأوسط وعدم الحيادية عند تناول القضية. لكن الذى لا شك فيه أن النزاع الشرق أوسطى الحالى يصب فى صالح موسكو نظراً للتعاون الوثيق بين كييف وتل أبيب فى قضايا عديدة ربما ليس أخرها محاولات أوكرانيا الحصول على وسائل دفاع جوى إسرائيلية ممثلة  فى القبة الحديدية والتعاون فى مجال صناعة المسيرات.

وعلى الجانب الأوكرانى تواترت أنباء عن أن الرئيس زيلينسكى قد يقوم بزيارة لإسرائيل، وكل طرف من طرفى النزاع يحاول بقدر المستطاع إلصاق التهمة بالطرف الآخر إلا أن الثابت أن هناك احتمال لأن تجعل النزاع الأوكرانى ـ الروسى يحتل المرتبة الثانية وربما الثالثة مما يهدد بجعله نزاع مزمن على طريقة النزاع الفلسطينى ـ الإسرائيلى. هناك من يحاول التقرب من تل أبيب، في هذا النزاع، مثل أوكرانيا ورئيسها لأنها تدرك أن التعاون والتقارب مع تل أبيب هو تقارب مع واشنطن بالدرجة الأولى ومع الغرب. لكن من ناحية أخرى تراهن موسكو على تعاطف العالم العربى والإسلامى معها فى حال انحيازها لحركة حماس رغم أن العرب مواقفهم تقريباً حيادية فى النزاع، خاصة وأن القصف الإسرائيلى العنيف لقطاع غزة فاق الحدود، فى الوقت ذاته يتساءل البعض لماذا لا تقدم موسكو الدعم لحركة حماس ولقطاع غزة على الطريقة التى تقوم بها الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل، كما ساعدت روسيا من قبل، فقد هبطت أول طائرة محملة بذخائر لاختراق الأنفاق فى إسرائيل وأرسلت واشنطن حاملة الطائرات جيرالد فورد لسواحل غزة بخلاف السفن الحربية، وموسكو لديها إمكانيات وقواعد وجزء من أسطولها على بعد خطوات فى سوريا.

صحيفة الإزفيتسيا الجديدة تحدثت عن النزاع الحالى الفلسطينى ـ الإسرائيلى وتساءلت هل ستكسب روسيا أم ستخسر نتيجة هذا النزاع، وقالت الصحيفة إن روسيا اتخذت موقف متحفظ من النزاع المسلح الحالى فى قطاع غزة، فقد أعربت الخارجية الروسية عن دعمها لإسرائيل، لكن خلافاً لمواقف بعض الدول الإسلامية مثل قطر وإيران لم تعرب عن تأييدها للفلسطينيين وحركة حماس، ودعت روسيا للحوار دون قيد أو شرط باعتبار أن الهجمات الإسرائيلية ستؤدى إلى ضحايا كثيرين من المدنيين، لكن فى نفس الوقت هذا لا يعنى أن النزاع الشرق أوسطى لا يؤثر على روسيا، بالمناسبة روسيا كانت من أوائل الدول التى اعترفت بحركة حماس عندما فازت بالانتخابات فى قطاع غزة وسافر وفد من الحركة إلى موسكو، واعتبر الرئيس بوتين حينها عام 2006 أن حركة خكاس قوة سياسية موجودة على الأرض ويجب التعامل معها، على الرغم من أنه استنكر الأعمال الإرهابية التى تقوم على حد قوله.

 وذهب البعض إلى تأثير الحرب بين حماس وإسرائيل وتأثيره على أوكرانيا بشكل أكثر تفصيلاً، عندما أشار الكاتب الكسندر يلسييف إلى أن العجز فى الذخيرة من عيار ـ 155 مم سوف يزداد بالنسبة لأوكرانيا، هذه الذخيرة ستذهب للقوات الإسرائيلية نفس الشئ ينطبق على وسائل الدفاع الجوى التى ستكون إسرائيل فى أمس الحاجة إليها بسبب صواريخ حماس الغزيرة التى تطلق عليها على مدار اليوم.

بالنسبة لروسيا فقد فوجئت بالحرب كما يقول بعض المراقبين وليس هى من ساعد على إشعال النزاع كما يتهمها الغرب والجانب الأوكرانى، بل على العكس وجدت روسيا نفسها فى وضع حرج فهى لا تستطيع دعم حماس بعد هكذا عملية وبهذا الحجم خاصة وأن من بين من أسرتهم حماس مواطنين روس، وصرح نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الروسى دميترى نوفيكوف بأن بلاده تحاول بقدر المستطاع اتخاذ موقف متوازن، نحن ندعو للتسوية على أساس قرارات الأمم المتحدة.

أما السيد دميترى ميدفيديف نائب رئيس رئيس مجلس الأمن القومى الروسى والرئيس السابق وأحد صقور القيادة الروسية فى الفترة الأخيرة فقد أشار إلى أن "بداية العملية العسكرية لحماس جاء فى الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، واعتبر الحدث بأنه كان من الممكن توقعه، ثم انتقل السيد ميدفيديف إلى انتقاد الولايات المتحدة قائلاً هذا ما يجب أن تهتم به الولايات المتحدة وحلفائها هو هذا النزاع، وكان يعنى الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأشار إلى أن واشنطن فى هذا النزاع لاعب رئيس، ولكنه عاد وقال إن الولايات المتحدة بدلاً من تقوم بذلك تدخلوا عندنا وشرعوا فى مساعدة النازيين (يقصد أوكرانيا) وجعلوا شعبين مقربين يصطدموا ببعضهما البعض، من يمكنه وقف الهوس الأمريكى ـ وفق السيد ميدفيديف ـ فى إشعال النزاعات فى كل مكان بالعالم، واختتم ربما فقط يوقف أمريكا عن ذلك حرب أهلية بداخل أمريكا نفسها".

موقف سواء روسيا أو أوكرانيا أو الولايات المتحدة وحلفائها فى المجمل هو السعى لإرضاء إسرائيل ووتشجيعها على أن تحقق أهدافها فى غزة، بينما اكتفت أوكرانيا بالدعم المعنوى و الإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس الأوكرانى لإسرائيل، نجد أن الأوربييون يسعون لدعم إسرائيل عسكرياً ومعنوياً وبإرسال متطوعين، أما الولايات المتحدة فقد أرسلت وزير الخارجية بيلنكن ثم وزير الدفاع، وزير الخارجية الأمريكى الذى أعلن أنه "أتى لإسرائيل كيهودى" وكان ينقصه أن يقول إنه سيتطوع فى جيش الدفاع،  بينما اكتفت روسيا بالدعوة للتهدئة وإيجاد حل على أساس قرارات الأمم المتحدة، لكن فى نهاية المطاف الكل يسعى لنيل رضى إسرائيل بأى شكل، والجميع يسعى لشيطنة حماس التى تعيش تحت الحصار لما يقرب من عشرين عاماً، وذلك من خلال حملة إعلامية كلمة شرسة تتضاءل أما قوتها، كلمة أنها إرهاب إعلامى.

لا أعتقد أن هذه المواقف ستتغير كثيراً، لكن إسرائيل ستحاول القضاء على حماس هذه المرة بمساعدة أمريكية وغربية، وروسيا ستبقى على موقفها الداعى لحل سلمى تريد هى نفسها المشاركة فيه إلى جانب حماس، والعرب غائبين عن قضيتهم الأم، على أى حال أنا كنت أدعو منذ فترة لأن نترك الفلسطينيين يتفاهموا مع الإسرئيليين كل بطريقته، ورغم العنف البادى إلا أنهم يستطيعون إيجاد حل فيما بينهم