بلا ذنب .. دخل عبد الحليم حافظ السجن
كتب ــ خليل زيدان
من الطبيعي أن يكون كل من خلف القضبان مُدان، لكن لا يجب أن ننسى أنه أولاً وأخيراً إنسان ، فيهم من اقترف جريمته دون إرادته وفيهم من يشعر بالندم على فعلته .. ومن المؤكد أن إدارة السجون بها برامج للترفيه عن السجناء .. وبمناسبة إرساء حجر أساس السد العالي في 9 يناير 1960 أقيم حفلاً للترفيه عن السجناء يوم الأحد 17 يناير 1960 أحياه الفنان عبد الحليم حافظ ونخبة من نجوم الفن ، في السطور التالية التفاصيل كاملة .
عبد الحليم حافظ دخل السجن ، فتحت له أبواب ليمان طره ليدخل منها عبد الحليم ووراءه أفراد الفرقة الماسية يوم الأحد الماضي ، دخل ليغني لنزلاء الليمان "احنا الشعب" و"فوق الشوك" و"بتلوموني ليه" ، كان عبد الحليم ضيف الشرف في الحفل الذي أقامه المساجين بمناسبة السد العالي ، وأسرع بعض الفنانين الذين علموا بالنبأ ليشاركوا عبد الحليم ترفيهه عن نزلاء الليمان .. شكوكو ومحمد جمال وعادل مأمون وبعض أفراد فرقة ساعة لقلبك وحسين الفار والجزار ومصطفى عزمي وبليغ حبشي وفريد شوقي الذي حضر جانباً من الحفل وقدم عبد الحليم على المسرح .
يوم الأحد الأسبق في الثانية عشرة ظهراً ، وقف عبد الحليم حافظ داخل ساحة ليمان طره ليغني على مسرح صغير أقامه نزلاء الليمان ، واستغرقت إقامته أسبوعاً ، وظلوا ساهرين ليلة الحفل لكي ينتهوا من إعداده كما يقول النقيب محسن طلعت، وحفل الترفيه عن المساجين هذا لعب الزميل إبراهيم البعثي دوراً في تنظيمه وكان حلقه الإتصال بين عبد الحليم حافظ وإدارة السجن .
واستقبل النزلاء الفنانين الذين أحيوا الحفل إستقبالاً ودياً يعبر عن فرحتهم بلقاء لم يكن ينتظر أن يتحقق لهم وهم خلف القضبان ، لقاء تحقق وهم يحتفلون ببناء السد العالي ، ويبلغ عدد النزلاء ستة آلاف نزيل عاشوا جميعاً يوماً مشهوداً .. ولقد بدأ الحفل بتلاوة من آي الذكر الحكيم من أحد النزلاء، ثم تلاه نزيل فألقى قصيدة من الشعر نظمها خصيصاً في مناسبة السد العالي ، ثم اعتلى فريد شوقي المسرح، وهلل النزلاء وصفقوا خاصة عندماً بدأ فريد كلمته قائلاً : "إخواني وزملائي" .. طبعاً أنتم هنا في الليمان ، وأنا بظهر على الشاشة في الليمان كمان ، وأظن إننا اتقابلنا كتير هنا ، ولكن ربنا يتوب علينا جميعاً ، فقد قررت ألا أدخل السجن أبداً حتى ولا في السينما ..
ثم قدم فريد شوقي عبد الحليم حافظ ووجد حليم أن عليه أن يقول شيئاً لهؤلاء الذين يعيشون خلف القضبان فقال : إخواني ، أنا سعيد لأنني استطعت أن أشاهدكم اليوم ولأنكم تحتفلون بمناسبة عزيزة علي كل عربي وهي البدء السد العالي ، وإن شاء الله نشوفكم كتير ، وفأنا أشعر أن هناك مناسبات عديدة سيتيحها رئيسنا المحبوب جمال عبد الناصر لشعبنا العربي ليحتفل بها .. ثم بدأ حليم يغنى إحنا الشعب وبدأ المساجين يرددون وراءه مقاطع الأغنية ، وبعدها شدى عبد الحليم بأغنية فوق الشوق ثم بتلوموني ليه .
وجاء دور شكوكو فألقى بعض فكاهاته وأغانيه بلا موسيقى اللهم إلا طبلة وأوكرديون ولعب دوراً هاماً في إضحاك نزلاء الليمتن من قلوبهم ، واختتم شكوكو فاصله الفكاهيبمنولوج قال فيه " ربنا يتوب عليكم" ثم توقف وهو يضحك ليقول : ــ دلوقت بعضكم يقول ويتوب علينا ليه مادام حليم وشكوكو بييجوا السجن عشان يغنوا لنا .. وارتفعت ضجة من الضحك .
كانت مناسبة طيبة شعر فيها هؤلاء الذين قست عليهم ظروف الحياة وفقدوا حرياتهم وراء القضبان ، أن المجتمع مازال يذكرهم ، ومازال شعر أن عليه حقاً تجاههم وهو أن يهبهم فرص السعادة ولو لحضات قصار تفتح طريق التوبة إلى قلوبهم ، وقد قام المساجين بإهداء تمثال نصفي لفتاة لعبد الحليم وأهدوه أيضاً مصحفاً وغرفة نوم صغيرة لإبنة أخيه ، وأهداه أحد النزلاء المسيحيين صليباً على سبيل الإعتراف بالجميل.