رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


خبر سعيد انتظرته!

14-10-2017 | 00:08


بقلم – د. صفوت حاتم

 

كعادتي كل صباح.. أتصفح عناوين الصفحة الأولى من جريدة الأهرام.

وكان صباح السبت ٣٠ سبتمبر الماضي.. صباحا مختلفا  عن أي صباح آخر.
ففي هذا الصباح كان «المانشيت» الرئيسي للأهرام هو « مشروعات قومية كبرى بالمشاركة بين البنوك والإنتاج الحربي»!! 
وتملكني فضولي المعتاد عندما يتعلق الأمر بالصناعة المصرية.. قرأت الخبر مرتين.. وانتابني فرح غامر.. في زمن يعزُ فيه الفرح الصادق.

 

 

وكأنني كنت أنتظر هذا الخبر منذ سنوات وفحوى الخبر أن وزير الإنتاج الحربي الدكتور «محمد سعيد العصار» قد اجتمع برؤساء مجالس إدارات بنوكنا الوطنية: محافظ البنك المركزي.. بنك مصر.. البنك الأهلي.. بنك التنمية الصناعية وتنمية الصادرات.

في هذا اللقاء استعرض وزير الإنتاج الحربي خطة مشروعات صناعية كبرى تقوم عليها وزارة الإنتاج لتطوير خطوط إنتاجها الحالية.. وإقامة مشاريع صناعية جديدة كبرى.

ولأن تلك الخطة تحتاج توفير تمويل مالي ضخم.. فقد تم الاتفاق مع بنوكنا الوطنية على تمويل هذه المشروعات لتلبية مطالب السوق والتوسع في التصدير.
وأعترف: أنني كنت.. ومعي  كل أصدقائي من السياسيين الوطنيين نتساءل: لماذا لا تدخل بنوكنا الوطنية كشريك في تمويل المصانع المصرية المتوقفة عن العمل والخاسرة منذ أن تم تخريبها» عمداً ومع سبق الإصرار والترصد» في زمن الرئيس محمد حسني مبارك.
فالبنوك المصرية.. المملوكة للدولة.. تكتظ بودائع المصريين.. ولكنها أحجمت عن تمويل الاستثمار الصناعي.. واكتفت بالتمويل العقاري وشراء السيارات.

والمهمة الأساسية للبنوك وشركات التأمين الوطنية.. كما تعلمنا.. هى دعم الاقتصاد الوطني ومد شرايينه بالدم اللازم لاستمرار نموه.

صحيح أن تجربة البنوك والمصارف المصرية في ظل نظام مبارك .. هى تجربة سوداء. فقد تم إقراض رجال أعمال قريبين من السلطة السياسية دون ضمانات حقيقية.. وبمجرد أوامر تأتي من أحد أفراد العصابة الحاكمة آنذاك.

وهكذا تم نهب البنوك.. وتهريب أموال المصريين للخارج.. ولم نعد نعرف على وجه الدقة  حجم الأموال «المعدومة».. مما جعل البنوك المصرية  تعيش.. بعد ثورة يناير ٢٠١١..  هواجس ومخاوف الإقراض.. خوفا من ضياع أموالها.

وكانت فضائح وانحرافات البنوك قد بدأت تظهر منذ عام ١٩٨٣.. بدءاً من قضية «عبدالرحمن بركة» وقضية «الجمال ترست»..

ولم تنقطع  الفضائح خلال حكم مبارك.. فقد كانت الصحف والأجهزة الرقابية تكشف فضائح رجال الأعمال وكبار المصرفيين..

وهكذا  أُهدرت مئات الملايين من الجنيهات في صفقات مشبوهة وعمليات منظمة تديرها «مافيات» من رجال السلطة السياسية ورجال المال والأعمال المعروفين وزوجاتهم وأقاربهم.. ويديرها من أعلى «الشلة» المحيطة بنجلى الرئيس مبارك وأصهارهما.

تفجرت عام ١٩٩٥ قضية «نواب القروض» التي أنبأت عن تشكيل عصابي «مافيوزي» يهدف إلى الاستيلاء على أموال البنوك وبحماية أربعة من نواب مجلس الشعب.. وبعضهم شغل مناصب وزارية عدة.. والتي راح من جرائها أكثر من مليار جنيه!!.

ثم تفجرت عام ٢٠٠٢ عمليات هروب بعض رجال الأعمال المقترضين من البنوك المصرية بأكثر من ٤٠ مليار جنيه!!  وما صاحبه من شلل كامل في النظام المصرفي نتيجة توقف غالبية المقترضين عن السداد بحجة التعثر.. على أمل أن تتنازل الدولة والبنوك عن الفوائد أو أصول الديون. ( راجع عبدالخالق فاروق.. اقتصاديات الفساد في مصر.. مكتبة الشروق الدولية.. ص ٨٣ ). 

لقد آن الأوان حقا لتقييم تجربة الرأسمالية المصرية التي بدأت عمليا بصدور قانون استثمار المال العربي والأجنبي عام ١٩٧٤ والمعروف بقانون الانفتاح الاقتصادي.

فخلال ٤٣ عاما من صدور هذا القانون أثبتت الرأسمالية المصرية عجزها.. مرة أخرى.. عن تطوير الصناعة المصرية.. لسد احتياجات السوق والمنافسة مع غيرها في التصدير للخارج.

واكتفت الرأسمالية المصرية بصناعات غذائية غير مهمة كالشيبسي والآيس كريم وصناعات تعليب اللحوم.. وتجميع الأجهزة المنزلية والسيارات.. وهى الصناعات التي تعتمد في معظمها على المكون الأجنبي بنسبة غالبة.
وكان استثمارها الأعظم في مجال الاتصالات وشبكات المحمول والقرى السياحية.. المجالات الأكثر ربحا.. والأقل مخاطرة واستخداماً للعمالة.. والقليل منها في مجالات صناعة الحديد والصلب والإسمنت لسد احتياجات البناء الفاخر في المنتجعات والشواطئ السياحية.

ووصلنا لحالة أصبح فيها المنتج المحلي سيئ السمعة.. وغير قادر على منافسة نظيره الكوري والتركي والتايلاندي والصيني!!

تمتعت الرأسمالية المصرية.. بكل وسائل الدعم والتشجيع والتدليل.

وتمتعت ضمن ما تمتعت بكل وسائل الفساد والإفساد السياسي. وفشلت !!!

وﻷنها رأسمالية قامت على قواعد الفساد.. فلم تعد قادرة على الوقوف في دولة جديدة تكافح الفساد وتقاومه في كل مكان، بدءاً  من الاستيلاء على أراضى الدولة دون وجه حق.. أو تحويل نشاط الأراضي من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار العقاري وتربح المليارات في ثوان.

انتهاءً  بتهريب العملة الأجنبية للخارج أو للسوق السوداء بادعاء استيراد مواد لازمة للتصنيع. هذا هو الحصاد المر للرأسمالية المصرية خلال ما يقرب من أكثر من أربعين عاما.

والأمر يحتاج فعلا لدراسة دقيقة عن تركيبة طبقة رجال المال والأعمال«الرأسماليين» ودورهم في انهيار مؤسسات الدولة المدنية من بنوك ومصارف وخصخصة.. وتحطيم سمعة الصناعة المصرية.. لدى المصريين أنفسهم!! 
نصف قرن من الفساد الرأسمالي.

ولكن.. ها هى الدولة الوطنية تعود تدريجيا لمعالجة التخريب والعفن الذي خلفه الرأسماليون الفاسدون. وها هى مؤسستنا العسكرية الوطنية تتدخل لإنقاذ الصناعة المصرية.. كما تدخلت لإنقاذ الدولة المدنية من غزو المغول الإرهابيين.

إن القطاع العام المصري ومصانعنا تشهد نهوضا بطيئا.. وتحولت بعض شركاته من الخسارة للربح هذا العام.. رغم مديونياتها للبنوك والمشاكل القانونية العالقة بسبب الخصخصة وعودة المصانع للدولة.. وكيفية تعويض المستثمرين الذين اشتروا تلك الشركات.. ومعظمها صاحبه فساد بين .. وكذلك فوضى «التحكيم الدولي» بسبب العقود الملتبسة والمشبوهة التي تم بها بيع تلك الشركات في زمن مبارك وأنجاله وأصهاره ووزرائه ورجال حكمه.

اليوم تدخل وزارة الإنتاج الحربي.. كمؤسسة وطنية.. بمشروعات كبرى مع البنوك الوطنية..

وأتوقع ان تبدأ  في الأيام  القادمة حملة إعلامية مضادة ينفذها «خدام» رجال الأعمال من إعلاميين وإعلاميات تعودوا على «خدمة» هؤلاء الرأسماليين دون وازع من ضمير أو شرف وطنى.

لكنه في البداية والنهاية خبر يستحق التقدير.. ويفسح للأمل طريقا.. ويملأ قلوبنا بهجة.

ونتمنى أن تطرح تلك المشروعات للاكتتاب العام للمواطنين.. وتشجيعهم على شراء أسهم الشركات الجديدة.. كما حدث مع مشروع قناة السويس الجديدة.

وعمار يا مصر...