د. نبيل رشوان,
القمة حضرتها حوالى 140 دولة بمشاركة مصرية
مبادرة الحزام والطريق تعيد إحياء واكتشاف قناة السويس وسيكون على مصر المشاركة بنشاط فيها
روسيا وقعت أكبر اتفاق فى التاريخ لتصدير الحبوب للصين على مدى 12 عاماً
موسكو سحبت البساط من تحت أقدام أوكرانيا التى كانت أكبر مصر للحبوب للصين.
الصين ترفض إنشاء خط أنابيب غاز جديد لتصدير الغاز الروسى.
قام الرئيس الروسى بزيارة هامة للصين، تعتبر الزيارة الثانية خلال هذا العام التى يقوم بها الرئيس الروسى خارج البلاد، وذلك بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على الرئيس الروسى فى 15 مارس 2023، بتهمة تهريب الأطفال الأوكران من الأراضى التى تسيطر عليها روسيا إلى بلاده.
فى 15 أكتوبر حضر الرئيس بوتين قمة الكومنولث التى انعقدت فى بيشكيك عاصمة قيرجيزستان، ثم توجه إلى بكين لحضور قمة "حزام واحد ـ طريق واحد"، وهى مبادرة صينية لتنمية الشراكة الاقتصادية والبنية التحتية لدول أوروآسيا. ألقى الرئيس الروسى كلمة فى القمة وأجرى مباحثات مع الرئيس الصينى ورئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، لكن الأهم هنا هو ما أدلى به الرئيس الروسى بعد هذه اللقاءات فى المؤتمر الصحفى الذى عقده، فى نهاية الزيارة.
أثناء المؤتمر الصحفى تطرق الرئيس بوتين إلى الوضع فى أوكرانيا الذى طغى على موضوعات القمة، وفى سؤال حول تزويد الولايات المتحدة مؤخراً أوكرانيا بصواريخ أرض ـ أرض مداها حوالى 160 كم من طراز "أتاكمس" قال الرئيس بوتين إنها تشكل تهديد إضافى لنا، لكننا نستطيع صد هذه هجمات هذه الصواريخ وأضاف "الحرب هى الحرب" ( من المعروف أنه فى روسيا يعتبر نوع من ترويج الإشاعات إذا وصف العملية العسكرية فى أوكرانيا بالحرب، وقد أصدرت إحدى المحاكم على نائب فى المجلس المحلى لمدينة موسكو أليكسي جورينوف حكما بسبع سنوات سجن بسبب ذلك) واستطرد الرئيس بوتين لكن هذا لا يمكن بصفة عامة أن يغير من الأوضاع على خطوط التماس، وأعتبر الرئيس الروسى هذا خطأ من قبل الولايات المتحدة مشيراً إلى أنها تنغمس أكثر فأكثر فى النزاع هذا واضح جداً، ورغم نفيهم لأى علاقة بالنزاع إلا أننا نعتبر أن لهم علاقة.
بالنسبة لأوكرانيا ليس هناك أى شئ جيد فى استمرار الحرب، فهم يمددون فترة بقاءهم فى النيران، وبعد ذلك تحدث الرئيس الروسى عن الهجوم المضاد الأوكرانى الذى أعلنوا عنه باتجاه خيرسون والنتيجة لا شئ مع وجود خسائر، وفى اتجاه زابوروجيا أيضاً واتجاهات أخرى. وفى سؤال من أحد الصحفيين حول ما يردده الغرب عن أن روسيا خسرت الحرب قال الرئيس بوتين، إذا كانت روسيا قد خسرت الحرب فلماذا يقدم الغرب لأوكرانيا صواريخ "أتاكمس"؟ لتأخذ الولايات المتحدة "أتاكمس" وكل الأسلحة الأخرى، لندع بايدن يجلس على ("الكريب" ويأتى إلينا لشرب الشاى). أضاف الرئيس الروسى إلى أنه كان يسمع لأصوات مسئولين منذ فترة كانوا يتمنون هزيمة استراتيجية لروسيا على أرض المعركة، هم أنفسهم الآن يقترحون فى الوقت الحالى حل النزاع عن طريق مفاوضات سلام وأشار الرئيس بوتين إلى أن هذا تحول فى الاتجاه الصحيح، واعترف الرئيس الروسى إلى أن السيد جوزيب بوريل مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى هو من دعى لذلك وهو يستحق المدح على التحول فى موقفه. نصح الرئيس بوتين الجانب الأوكرانى بأنه إذا أراد فعلياً التفاوض فعليه إلغاء قرار الرئيس الأوكرانى بمنع التفاوض مع روسيا ويبدأ بالفعل فى التفاوض دون شروط مسبقة.
وعن مباحثاته مع الرئيس الصينى قال الرئيس بوتين لقد تحدثنا ما يقرب من ساعة ونصف ـ ساعتين وناقشنا بعض القضايا الخاصة بالبلدين ذات الطابع السرى. لكن فى اعتقادى أهم اتفاق تم توقيعه بين الصين وروسيا فى هذه الزيارة هو اتفاق لتوريد الحبوب الروسية للصين والذى يعتبر الاتفاق الأضخم فى التاريخ، الاتفاق لمدة 12 عاماً ستحصل موسكو خلال هذه الفترة على 25,7 مليار دولار (2,5 تريليون روبل)، خلال هذه الفترة ستصدر روسيا للصين 70 مليون طن من الحبوب والغلال وبذور عباد الشمس، لكن أهم ما فى هذا التعاقد أن روسيا ستنشئ ممر برى يصل للصين مستغلة الحدود المشتركة مع الصين، وهذا سيعفى موسكو نفسها من المخاطر التى تتعرض لها الموانى الروسية بالبحر الاسود، لكن الأهم من ذلك أن روسيا سحبت بساط توريد الحبوب الأوكرانية من كييف، والتى كانت أكبر مورد للحبوب للصين حتى وقت قريب، ويأتى هذا فى إطار الحرب الاقتصادية التى تشنها روسيا على أوكرانيا، حيث تعتبر هذه الأخيرة من كبار دول العالم المصدرة للحاصلات الزراعية، ويبدو أن روسيا أرادت ألا تخضع لعملية السوق والعرض والطلب، وأن تضمن تصدير الحبوب والغلال للصين وعلى مدى 12 عاماً، وهذا مفيد أيضاً للصين التى ربما جاءتها فرصة ذهبية لشراء الحبوب بسعر ثابت لمدة 12 عاماً على الأقل، هل معنى ذلك أن روسيا تركت المجال الأفريقى لأوكرانيا لا أتصور لكنه لن يكون المجال الرئيس.
لكن بقدر ما حققت روسيا من نجاح فى صفقة الحبوب والغلال مع الصين، إلا أنها فشلت فى إقناع الصين بإنشاء خط أنابيب غاز "سيبيريان باور ـ 2" لتصدير الغاز للصين، تجدر الإشار إلى أن هناك خط أنابيب "سيبيريان باور ـ 1" وتصدر من خلاله روسيا ما بين 10 ـ 15 مليار متر مكعب من الغاز، وكانت روسيا تريد أن تعوض ولو جزئياً خسارتها من رفض الاتحاد الأوروبى الذى كان يستورد حوالى 155 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً هذا بخلاف النفط بالطبع، وكانت روسيا تطمح لتعويض خسارتها من وقف تصدير الغاز للاتحاد الأوروبى، لكنها من ناحية أخرى تصدر كميات من الغاز المسال لكن هذا لم يعوض بالطبع ما كان يصدر للاتحاد الأوروبى. لكن الصين فى نفس الوقت لا تريد أن تضع البيض كله فى سلة واحدة فيما يتعلق بالغاز فهى تستورد من الولايات المتحدة حيث استوردت فى يوليو من العام الجارى 14,12 مليار متر مكعب من الغاز الأمريكى المسال وهذا يؤكد أن الصين لا تريد أن تكون مقيدة فى استيراد سلعة استراتيجية مثل الغاز، بالإضافة لأنها لديها كشف غازى فى بحر الصين من الممكن أن يسد بعضاً من احتياجاتها.
هذا من جانب العلاقات الصينية ـ الروسية وكما نشاهد هناك نجاح فى ناحية (القمح والغلال بصفة عامة) وإخفاق فيما يتعلق بزيادة كمية الغاز المصدر للصين، التى لا تريد الاعتماد كلية على الغاز الروسى وتفضل مصادر أخرى بالمناسبة منها الأمريكية وذلك لعلاقات تجارية خاصة بواشنطن وقطر بالطبع لها دور مهم فى تصدير الغاز لجنوب شرق آسيا بصفة عامة ومنها الصين. لكن فى هذا الجزء من الحديث سنركز على ما يتعلق بميادرة "حزام واحد ـ طريق واحد" وهى المبادرة التى تتبناها الصين ببناء بنية تحتية من الصين إلى أوروبا، بالنسبة لنا فى مصر هذه المبادرة مهمة لأنها تمر من خلال قناة السويس، وهذا من شأنه أن يفتح آفاق جديد لتنمية منطقة القناة، من هذا المنطلق حضر رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى القمة لما لها من أهمية فى الإطار الذى ذكرته.
من المعروف أن الولايات المتحدة وفى أطار صراعها من الصين وروسيا، كانت قد اقترحت طريق جديد، الهند ـ جبل على (الإمارات) المملكة العربية السعودية ـ إسرائيل ـ البحر المتوسط ـ أوروبا، وهذا من شأنه أن يبعث الحياة فى الاقتصاد الهندى الصاعد، وتسعى واشنطن لتعميق جذور الخلاف بين نيودلهى وبكين، خاصة وأن كلتاهما عضو فى البريكس الذى كانت المبادر به روسيا والصين. على أى حال مشاركة مصر فى مبادرة الحزام والطريق وبصرف النظر عن ما إذا كان هذا سيغضب البعض، إلى أنه أكثر أهمية لمصر من الطريق الذى اقترحته واشنطن فى قمة العشرين بالهند لأن فيه ضرر كبير لقناة السويس عكس "الحزام والطريق" الذى تدخل القناة فى جوهره، ولا ننسى أن هناك محاولات لإنشاء الطريق الشمالى الذى قد يصل وروبا بجنوب شرق آسيا فى المستقبل بعد التطور الذى حدث لكاسحات الجليد، لكن الحزام والطريق هو بلا شك سيسهم فى تنمية محور قناة السويس، لأنه الحزام والطريق ستكون القناة ومصر بحكم الجغرافيا معبر هام، ومن هذا المنطلق وبصرف النظر من الهدف الروسى ـ الصينى لعقد القمة، نجد أن مشاركة مصر فى القمة غاية فى الأهمية.
من ناحية أخرى فإن عقد القمة التى حضرها الرئيس بوتين كانت تهدف كذلك لتكوين تحالف دولى للعملية العسكرية الروسية بأوكرانيا واكتساب تأييد بعض دول العالم التى حضرت، خاصة من دول جنوب شرق آسيا، حيث تلعب الصين دور مهم فى تلك المنطقة، والأهم أن القمة حضرها ممثلون لمائة وأربعين دولة منها مصر، وهذا كان فرصة هامة للرئيسين الروسى والصينى لشرح وجهة نظرهم من الأحداث التى تجرى فى العالم وليس أخرها النزاع الأوكرانى ـ الروسى أو الفلسطينى ـ الإسرائيلى، تجمع ضخم بلا شك، وكان يمثل الاتحاد الأوروبى رئيس وزراء المجر، وعدد من المسئولين الأوروبيين.