سيناريوهات تحركات القوات العراقية في «كركوك».. وبغداد وأربيل على حافة «هاوية الحرب»
كتبت- أماني محمد
أستاذ علاقات دولية عراقي: البيشمركة سيطرت على كركوك بعد تحريرها من داعش
مساعد وزير الخارجية الأسبق: المواجهة العسكرية تعقد الأمور
الدكتور محمد حسين: استخدام القوة مطلوبة بعد الانفصال
شهدت محافظة كركوك، خلال الساعات الأخيرة، تحركات عسكرية من قبل قوات الجيش العراقي لبسط سيطرة الحكومة الفيدرالية عليها بعدما حاولت القوات الكردية ضمها إلى الإقليم الراغب في الانفصال والذي أجري الشهر الماضي، أعلن فيه موافقة غالية الأكراد على الانفصال من الدولة العراقية وإقامة دولة مستقلة في أقليم كردستان.
ورأى سياسيون، أن تحركات الجيش العراقي هي جزء من سلطتها وشرعيتها للمحافظة على وحدة الدولة وردع الإقليم الذي يحاول تشتيت وحدة الأرض، مؤكدين أن كركوك هي واحدة من المناطق المتنازع عليها مثل ديالي ونينوي وصلاح الدين ولم تكن جزءا من الإقليم الكردستاني لكن دخلتها قوات البيشمركة عقب خروج مقاتلي داعش من المحافظة.
ماذا يحدث على أرض الواقع؟
وقال الدكتور عبد المطلب النقيب، أستاذ العلاقات الدولية العراقي، إن ما حدث اليوم هو استرداد لمحافظة كركوك التي كانت مأخوذة بالقوة منذ وقوعها تحت سيطرة قوات داعش منذ عام 2014، موضحا أنه بعد خروج داعش من كركوك سيطرت قوات البيشمركة الكردية على المحافظة وأعلنتها تابعة لها رغم أنها كانت تحت حكم بغداد قبل اقتحام داعش لها.
وأوضح أن الجيش العراقي بأمر من رئيس الوزراء حيدر العبادي تحرك مساء أمس لاسترداد كركوك لإعادة الوضع لم كان عليه لأن المحافظة ومحافظات أخرى مثل ديالي ونينوي وصلاح الدين هي مناطق متنازع عليها بين الحكومة العراقية والأكراد الذي يريدون ضمهم إلى الإقليم واستغلوا معارك الجيش العراقي ضد داعش لبسط سيطرتهم عليها.
وأضاف النقيب أن الاتحاد الوطني الكردستاني جماعة جلال طالباني انسحبت من كركوك قبل وصول قوات الجيش العراقي إليها أمس، مضيفا أن خلافا واقع بين الأكراد أنفسهم متمثلين في قوتي جلال طالباني التي تحكم السليمانية والجانب الآخر الحزب الديمقراطي الكردستاني وقائده مسعود برزاني في أربيل بسبب هذا الانسحاب.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية العراقي إلى أن قوات البيشمركة الموجودة داخل كركوك يبلغون نحو 6 آلا مقاتل ووقعت مناوشات بسيطة بينهم وبين الجيش العراقي الذي أعطاهم إنذارا للخروج من المدينة لأنها ليست تابعة للإقليم وإنما هي من المناطق المتنازع عليها، مضيفا أن الجيش العراقي الآن يسيطر على المحافظة من كل الجهات وتبقى قوات البيشمركة في الداخل ومن المنتظر خلال الساعات القادمة أن يخرجوا.
بغداد تتمهل
"إن لم يخرجوا بالمحبة سيخرجون منها بالقوة، بغداد لا تريد استخدام القوى لأنهم أخوات والشعب العراقي مكون من أكراد وتركمان وعرب فجميعهم نسيج واحد" يضيف النقيب، موضحا أنه يتمنى ألا يصل الأمر إلى صدام عسكري بين الطرفين وأن يحكم العقل والمنطق وينسحبوا من كركوك إلى الوضع ما قبل حزيران 2014 قبل دخول داعش.
وأشار إلى التحركات العسكرية لا تهدف إلى الصدام مع الأكراد لأنهم جزء من النسيج العراقي وصدرت أوامر من بغداد بالحفاظ على المدنيين وقوات البيشمركة أيضا من القوة وعدم التصادم معها ونتمنى أن نجد ذلك في الأكراد، مؤكدا أن شرط بغداد هو أن يلغي الأكراد الاستفتاء الذي أجروه الشهر الماضي وأعلنوا الانفصال عن العراق واللجوء إلى التفاوض لحل المشاكل العالقة.
وقال إنه رغم وجود أصوات داخل الأكراد تطالب بالتفاوض إلا أن مسعود برزاني زعيمهم لا يريد التنازل رغم أن الحكمة تقول له أن يقبل بالتفاوض فهو مقابل بمعارضة من الداخل متمثلا في الحكومة العراقية وإقليميا من إيران وتركيا واللتان إن طلبت بغداد مساعدتهم سيوافقوا على الاشتراك معهم ضد الأكراد.
وعن الوضع داخل كركوك الآن، قال إن الجيش العراقي سيطر بالفعل عليها ونجح في رفع العلم العراقي على مبنى المحافظة وأنزل العلم الكردي ودخل إلى مناطق عديدة بها، قائلا "إن الجيش العراقي حريص على عدم الصدام مع الأكراد إلا أن الأزمة في أوجها الآن والولايات المتحدة طلبت تهدئة الأمور ورغم الأصوات المطالبة بالتفاوض في العراق إلا أن هناك متشددين من الأكراد لا يريدون ذلك.
مؤشرات خطيرة
وعن احتمالية تصاعد الأحداث عسكريا بين الطرفين، قال السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن لا يوجد التحام بين الجيش العراقي والكردي أو حرب عسكرية لأن الحكومة العراقية متنبهة لهذا الأمر ويجب ألا يصل الأمر للاقتتال بين الطرفين وألا يصعد الجانب الكردي الأمور أكثر من ذلك بمزيد من العناد وتصلب الموقف.
وأضاف أنه قبل أيام وقعت اشتباكات بين الجيش الكردي وقوات تركمانية وهو مؤشر خطير لأن العراق ليس في حاجة إلى أزمة جديدة فهناك العديد من المناطق لم يتم تحريرها من قوات داعش، مضيفا أن مشاكل الإقليم لا تحل بالحروب والتدخل العسكري.
وأوضح أن الاستفتاء الكردستاني شمل مناطق متنازع عليها منها كركوك ونينوي وهو أمر غير مفهوم، مضيفا أنهم "الاستفتاء برمته خاطئ لأنه مخالف للدستور العراقي وجاء من طرف واحد، ليس لهم الحق الانسلاخ من أراضي الدولة العراقية لأنه مهما وقعت خلافات وغضبوا تجاه الدولة المركزية فالأمر لا يحل بقرار انفرادي انفصالي".
وأضاف أن الاتجاه لإنشاء دولة كردية يقابل بمعارضة من تركيا وإيران وسوريا والعراق قطعا، موضحا أن الإقليم ليس له شواطئ أو منافذ بحرية وإعلانه الانفصال وسط دول محيطة به تناصبه الاعتراض على إنشاء دولة كردية سيحارب في أكثر من جهة لذلك عليه اللجوء إلى التفاوض ويعرض كل طرف وجهة نظره للوصول إلى ما يرضي الطرفين.
وأشار إلى أن الأكراد يجب أن يعرضوا مشاكلهم وقائمة مطالبهم أمام الحكومة العراقية على مائدة تفاوض، موضحا أن اللجوء إلى تدويل الأزمة وعرضها في الأمم المتحدة ليس حلا لأن المشاكل والنزاعات الداخلية إذا تم بحثها دوليا فلن تنته ولن تصل إلى حل.
استخدام القوة والحل
وقال الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن استخدام القوة في التعامل مع الأكراد مطلوب لأنهم يشكلون نحو 20% من الشعب العراقي ولا يعقل أن يحدث تمزيق للدولة الواحدة وتمزيق أوصالها، مضيفا أنه اليوم التقى قاسم سليماني بمسعود بارزاني ولم يتضح بعد تفاصيل المقابلة هل أقنعه بالقبول بالتفاوض وعدم الانفصال؟.
وأشار إلى أن القوة هي التي ستجربهم بعدم الانفصال لكنها ليست الخيار الأول لكنها حاسمة، مستشهدا بما حدث في الستينيات من القرن الماضي في نيجريا حينما أراد إقليم بيافرا الانفصال عن الدولة وأجبرتهم على التخلي عن تلك الفكرة بالتدخل العسكري فضربتهم بالطائرات حين ذاك.
ووصف القبول بالحكم الفيدرالي داخل العراق بأنه كان خاطئا من البداية لأن الفيدرالية مطلوبة في حالة تجميع أكبر من دولة وليس تقسيم الدولة الواحدة إلى مركزيات، مضيفا أنه إذا تم القبول بدولة كردية يفتح الباب أمام دول أخرى أمازيغية وأقباط وبربر وأكراد الدول المحيطة أيضا، لذلك يجب أن تظهر الدولة قوتها للحفاظ على الدولة الموحدة.
وأوضح أن السيناريوهات المقبلة تحسمها القوة وتدخلات القوى الإقليمية الكبرى، قائلا "أمريكا كانت تستقبل مسعود برزاني زعيم الأكراد استقبال الرؤساء كأنه رئيس دولة وكان يجب أن يسجل العرب وتركيا موقف حازما ضد ذلك كما إن إسرائيل مؤيدة للانفصال الكردي وعلمها مرفوع وهذا يؤكد أن الانفصال أمر مرفوض يضر مصالحنا".
وقال إن العرب يجب أن يعترضوا على ما يحدث لكي لا نكون أما "سايكس بيكو" جديدة تقسم الدول إلى دويلات صغيرة، مضيفا أن الأكراد عانوا من قبل من تهميش وعدم الحصول على امتيازات في توزيع المناصب أو عوائد البترول واستخدم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين القوة ضدهم وضربهم بالأسلحة الكيماوية.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن الحكومة العراقية عندها أدواتها لاسترضاء الأطراف ويجب أن تعطيهم امتيازات تمحي شعورهم بالمظلومية.