زيادة أسعار الوقود.. إجراء وجوبي في ظل ارتفاع أسعار النفط والاضطرابات الدولية
زيادة الأسعار هي بلا ريب واحدة من أصعب الإجراءات التي يضطر إليها متخذ القرار، في ضوء الاضطرابات الدولية والإقليمية التي تلقي بثقلها على اقتصاديات جميع دول العالم، ومن بينها اقتصاد مصر بطبيعة الحال، في سبيل الاستجابة لاحتياجات المواطنين وضمان استمراريتها وإتاحتها في الأسواق بشكل طبيعي كأولوية أولى، إلى جانب دفع عجلة الاقتصاد وضمان توجيه الدعم لمستحقيه على حد سواء.
ورغم الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين ، ما زالت مصر تقدم واحدة من أدنى أسعار البنزين في العالم، حيث يبلغ متوسط السعر العالمي لبنزين 95 حوالي 56.92 جنيه، مقارنة بـ 12.50 جنيه في مصر، كما أن الحكومة تقدم دعماً ضخمًا للمنتجات البترولية يقدر بنحو 100 مليار جنيه سنوياً وهو ما يستنزف قرابة 6% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، فالحكومة ما زالت تدعم السولار والمازوت واسطوانات البوتاجاز، وهي منتجات ضرورية ولا غنى عنها خاصة للأسر الفقيرة.
وقد أثبتت الدراسات والتجارب الدولية، عدم جدوى خطط دعم الاستهلاك في التخفيف من الضغوط المادية على الفقراء، كما هو الحال في إندونيسيا، حيث كشفت البيانات أن الأسر الغنية استهلكت 40% من البنزين المدعوم، في حين استهلكت الأسر الأفقر أقل من 1%.
في المقابل، لم تترك الحكومة المواطنين دون بدائل فعالة وعملية، فقد أعلنت وزارة البترول الشهر الماضي تيسيرات وأنظمة تقسيط غير مسبوقة لتشجيع المواطنين على استخدام الغاز الطبيعي كوقود بديل في سياراتهم، ويبلغ سعر المتر المكعب من الغاز الطبيعي للسيارات 5ر4 جنيه ويعادل لترا من البنزين، وبذلك تكون تكلفة الغاز أقل بنسبة 56% من لتر البنزين 92، وأقل بنسبة 48% من لتر البنزين 80 بما يعكس أهميته كوقود موفر مالياً للمواطن، وكذلك موفر لاستخدام البنزين لتخفيف الأعباء عن كاهل الموازنة العامة للدولة من خلال تقليص جانب من فاتورتي الدعم والاستيراد للمنتجات البترولية، علاوة على تحقيق الأهداف البيئية لكون الغاز الطبيعي انظف أنواع الوقود.
ويرى خبراء الاقتصاد أن ارتفاع أسعار النفط العالمية يفرض ضغوطًا كبيرة على الدول المستهلكة، مما يجعل زيادة أسعار الوقود أمرًا ضروريًا لتحقيق التوازن المالي.. ويقول أيهان كوس، نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إن ارتفاع أسعار النفط، إذا استمر، يعني حتما ارتفاع أسعار المواد الغذائية. "إذا حدثت صدمة حادة في أسعار النفط، فإنها ستؤدي إلى ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية الذي ارتفع بالفعل في العديد من البلدان النامية".
ويعد تقليص العجز المالي أمرًا ضروريًا لاستدامة الاقتصاد المصري، وزيادة أسعار الوقود واحدة من السياسات الضرورية للحكومة لتحقيق الاستدامة المالية وتقليل العجز المالي، في الوقت الذي تبلغ فيه تكلفة استيراد الوقود في مصر حوالي 20 مليار دولار سنوياً، وهو ما يزيد من أعباء الموازنة العامة للدولة.
وبحسب تحليل لصندوق النقد الدولي في يوليو من العام الماضي، إن تحديد أسعار الوقود بحيث تعكس تكلفتها الحقيقية من شأنه أن يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بأكثر من الثلث، كما يساهم في تعزيز الاستدامة البيئية وتقليل التأثيرات البيئية السلبية.
كل ذلك يعكس الواقع المالي لمصر وضرورة تحسينه لضمان تحقيق الاستدامة المالية، وضبط التضخم وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والرفاهية الاجتماعية للمواطنين، ويوضح أيضًا أن زيادة أسعار الوقود تعد قرارًا ضروريًا للحكومة للتصدي لهذا التحدي وتحقيق الأهداف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.