د. نبيل رشوان,
ربما تعكس الخلافات التى ظهرت بين الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى والقائد الأعلى للجيش الأوكرانى فاليرى زالوجنى فى الفترة الأخيرة حول سير العمليات العسكرية فى أوكرانيا الحالة العامة التى وصلت إليها القوات الأوكرانية فى هجومها المضاد، وهنا سوف أشير إلى خلاف وجدل حدث فى الشهر الماضى بين الرئيس زيلينسكى والقائد الأعلى زالوجنى، فقد أشارت صحيفة "صنداى تايمز" البريطانية إلى خلاف بين الرئيس الأوكرانى وقائد الجيش حول إنهاء الهجوم المضاد الذى تشنه القوات الأوكرانية على القوات الروسية منذ مطلع الصيف الماضى.
ووفق الصحيفة البريطانية فإن الخلاف بين الرئيس زيلينسكى وقائد الجيش الأوكرانى كان حول الهجوم المضاد وجدوى الاستمر فيه، وكما تقول الصحيفة من وجهة نظر قائد الجيش الأوكرانى زالوجنى أن هجوم القوات الأوكرانية المضاد يقترب من نهايته وأن يجب فى الوقت الحالى التمسك بما هو تحت سيطرة أوكرانيا والاستعداد لفصل جديد من العمليات فى العام القادم. وبينما من وجهة نظر الرئيس الأوكرانى لا يجب التوقف فى المرحلة الحالية، لأن صبر الحلفاء الغربيين من الممكن أن ينفذ، ومن الممكن أن يشك الغرب فى قدرة كييف على تحقيق أهدافها بالعمل العسكرى وهذا ما يريده الغرب، الذى كان يراهن على أن تحقق القوات الأوكرانية نصراً عسكريا فى الصيف المنصرم لكن هذا لم يحدث. الرئيس الأوكرانى أعرب عن خيبة أمله فى أن القوات الأوكرانية لم تحقق تقدماً كبيراً فى الهجوم المضاد على القوات الروسية الذى شنته فى الصيف المنصرم.
يذكر أن أوكرانيا أعلنت عن شنها للهجوم المضاد على القوات الروسية فى بداية يونيو من العام الجارى، وكان الجانب الروسى والرئيس بوتين قد أعلنا أكثر من مرة عن أن الهجوم المضاد لم يحقق لأوكرانيا النتائج المرجوة منه، وفى الرابع من سبتمر أكد الرئيس بوتين على أن الهجوم الأوكرانى المضاد ليس فقط بطئ، ولكنه فشل، وذهب الرئيس بوتين لأبعد من ذلك عندما أعلن لوسائل إعلام صينية أن الخسائر التى تكبدها الجيش الأوكرانى أثناء الهجوم المضاد تفوق الخسائر الروسية ثمانى مرات، بينما أعلن وزير الدفاع الروسى فى نفس اليوم أن الهجوم الأوكرانى المضاد لم يحقق أهدافه فى أى اتجاه.
كان الصحفى الأمريكى دانى هايفون قد أشار فى 27 أكتوبر الماضى إلى أن فشل الهجوم الأوكرانى المضاد لا تستطيع وسائل الإعلام الغربية نفيه، بل بالإضافة إلى ذلك تميل أكثر إلى عدم إمكانية هزيمة القوات الروسية فى النزاع الحالى، وبرر الصحفى الأمريكى الفشل بأنه حدث بسبب تصديق أوكرانيا لخيالات الولايات المتحدة والناتو. فى نفس السياق تحدثت صحيفة "لو موند" الفرنسية يوم 26 أكتوبر، معلقة على فشل الهجوم الأوكرانى المضاد، وقالت إن القوات الأوكرانية لم تحقق نجاح فى الهجوم المضاد وهى غير قادرة على اختراق خطوط الدفاع الروسية. ويؤكد المقال على أن روسيا تمتلك قدرات تسمح لها بمواجهات طويلة رغم العقوبات المفروضة عليها.
كان من الممكن أن تمر الأمور فى إطار السجال الدائر سواء بين الرئيس وقائد الجيش أو بين الصحافة الغربية وقيادات الغرب الممول الرئيس لأوكرانيا لولا المقال الذى نشرته مجلة "إكونوميست" للجنرال فاليرى زالوجنى القائد الأعلى للجيش الأوكرانى اعترف فيها بأن الحرب وصلت لطريق مسدود، وأشار الجنرال الأوكرانى إلى أنه وعلى مدى خمسة أشهر هى عمر الهجوم المضاد لم نتقدم سوى 17 كم، وأشار إلى أن روسيا قاتلت على مدار 9 أشهر لتسيطر على مدينة فقط "باخموت" التى لا تزيد مساحتها عن 6×6 كم. فى هذه المقابلة ولأول مرة أعطى الجنرال الأوكرانى تقييم مفصل للعمليات العسكرية الدائرة الآن دون أى رتوش وقال إن ساحة الحرب تذكره بالحرب العالمية الأولى منذ مائة عام وقال "نحن كما فى الحرب العالمية الأولى وصلنا لمستوى من التكنولوجيا، يضعنا فى طريق مسدود"، ويقول الجنرال إنه للخروج من المأزق الحالى فإن الأمر يتطلب نقلة تكنولوجية نوعية وعلى الأرجح، حتى فى هذه الحالة، وفق زالوجنى "لن يكون هناك تحول عميق ونوعى". حالة يأس واضحة من الجنرال الأوكرانى.
أشار الجنرال الأوكرانى كذلك إلى أن سير الهجوم المضاد حطم آمال الغرب فى أن أوكرانيا تستطيع استخدامه لإظهار عدم أمكانية الانتصار فى الحرب بالنسبة لروسيا مما يجبر الرئيس بوتين على إعادة حساباته وطلب المفاوضات، وحطم الهجوم المضاد فرضية الجنرال الأوكرانى عن أنه يستطيع وقف روسيا وكشف ضعف قواتها، ويعترف بأن "هذا كان خطأ من جانبى، فقد فقدت روسيا حوالى 150 ألف جندى، واشار إلى أنه لو حدث هذا فى أى دولة أخرى لتوقفت هذه الدولة عن الحرب، لكن فى روسيا حيث حياة الإنسان رخيصة مازالت مستمرة، وأن الرئيس بوتين يرى روسيا فى الحربين العالميتين الأولى والثانية كمثال له، حيث فقدت روسيا عشرات الملايين". وتحدث زالوجنى عن الجيش الأوكرانى وقال "جيش بهذا المستوى يتحرك بسرعة 30 كم فى اليوم مخترقاً الدفاعات الروسية، وأعترف الجنرال زالوجنى بأنه "إذا نظرنا إلى كتب حلف الناتو وبالحسابات الرياضية التى قمنا بها (عند القيام بالهجوم المضاد) فإننا خلال الأربع أشهر من الهجوم كان يجب أن تكون كافية لكى نصل إلى القرم والقتال فيه ثم العودة، والذهاب مرة أخرى وأخرى".
وفى إطار المأزق الحالى كان للقائد الأعلى عدة مقترحات أهمها الإسراع فى تقديم الدعم العسكرى لبلاده، وأشار فى هذا الخصوص إلى الدبابات والصواريخ البعيدة المدى والتى كانت من المفترض أن نحصل عليها فى صيف العام الماضى، وتحدث عن تزويد بلاجه بطائرات إف ـ 16 ووسائل الحرب الإليكترونية، لم يكنف الجنرال بانتقاد الغرب فى التأخر عن توريد السلاح النوعى الذى تحتاجه أوكرانيا بل أشار إلى أن السبب الرئيس الذى وضع بلاده فى الموقف الصعب الحالى وفجر قنبلة من العيار الثقيل عندما قال "أنه من غير الممكن كسب الحرب بأسلحة من الأجيال السابقة وبموديلات قديمة". وأ‘رب الجنرال زالوجنى، فى اعتقادى، عن يأسه عندما قال "ليس هناك أى إشارة إلى طفرة تكنولوجية سواء كان هذا فى الطائرات المسيرة أو أو فى الحرب الإليكترونية".