رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


معاقبة الوسيط «غير النزيه»

5-11-2023 | 12:57


عمرو سهل,

أكدت كلمة وزير الخارجية في الاجتماع التشاوري مع وزير الخارجية الأمريكي أن مصر تدرك أنه لم يعد للتشاور محل وأن المؤتمر محكوم عليه بالفشل قبل أن تبدأ لكن كانت الكلمة شهادة للتاريخ على أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا نزيها يمكن أن يؤسس على تحركه مسار بناء أو حل للأزمة الجارية فإن الولايات المتحدة تصطف مع إسرائيل بأنه لا سبيل إلا بالقضاء على حماس وأن العودة إلى أوضاع ما قبل 7 أكتوبر مستحيلة وهو ما يعن إقرار ضمنيا منها باستمرار آلة الحرب في العمل حتي تتغير المعادلة على الأرض ولو كان ذلك على حساب المدنيين الفلسطينيين .

جاءت رسائل وزير الخارجية واضحة لا يقبل اللبس فيتأكيد ذلك بدءا من إسقاط التبرير الذي تروجه الإدارة الأمريكية الشريكة في إراقة دماء الفلسطينيين مشاركة كاملة وتامة بدءا من مد إسرائيل بما يلزم من أموال وعتاد ولوجستيات لتقتل وتعربد وانتهاء بحشد عسكرى هائل في المنطقة يمنع مساندة أي طرف للشعب الفلسطيني بقوة السلاح والتلويح به كما أعاد على مسامع حليفة إسرائيل أن سياسة العقاب الجماعي، واستهداف إسرائيل للمدنيين والأبرياء والمنشآت المدنية والطبية وفرق الإنقاذ، بالإضافة إلى محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون دفاعا شرعيا عن النفس وبلغة واضحة لا تقبل تأويلا أو التفافا شدد على حتمية تحقيق وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة، دون قيد أو شرط وأن تقلع إسرائيل عن مخالفاتها المتبجحة للقانون الدولي الإنساني والحرب كاشفا إزدواجية سافرة في التعامل مع القضايا والأزمات التي تهدد السلم والأمن الدوليين والكف عن إرسال الرسائل للشعوب العربية ومفادها أن دم الإنسان العربي، أقل قيمة من دم أخيه الإنسان في أماكن أخرى.

كانت الرسالة واضحة وأن هذا الاجتماع لم يكن محاولة جادة ممن يزعم أنه وسيط نزيه راغب في حل لأزمة بل جاء كممثل لإسرائيل ينقل وجهة نظرها ويسوق مبرراتها واستخدم عبارات عاطفية تظهر تعاطفا كاذبا مع الضحايا المدنيين.

ورب ضارة نافعة فبعد أن تكشفت النوايا الغربية من تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية وهو ما أسقطته مصر مبكرا حين حذرت أن تصفية القضية لن يكون أبدا على حسابها فلعل هذا المؤتمر أن يكون ملهما للقادة العرب في اجتماعهم الطارئ بالرياض حيث بات من الواجب الانتقال من خانة التوضيح والتحذير إلى خانة الأفعال وطوال التاريخ لا يتحرك الأمريكيين إلا حماية لمصالحهم وقد حان الوقت لوضع المصالح الأمريكية محل اختيار ومساومة فإما أن تختاروا الانحياز السافر إلى إسرائيل وغض الطرف عن كبح جماحه وتوفير شرعنة البلطجة حماية لها وإما أن تختاروا العرب وأن تعودوا وسيطا نزيها وبسرعة.

لن تتحرك الولايات المتحدة إلا إن شعرت بفداحة بقائها على هذا الموقف المخزي ولابد أن تدفع ثمنا لهذا الموقف وأن إسرائيل عبء ثقيل خاصة في مرحلة تصدعت فيها شرعية الولايات المتحدة كقطب أوحد تبين أنه غير جدير وغير أمين بمنحه وصاية لا يستحقها وأنه قد حان الوقت للبحث عن مسار جديد يعيد التوازن ويسمح بعودة لغة العقل للعمل مرة أخرى خاصة بعد أن بلغ الصلف والغرور بحكومة الاحتلال أن يصرح أحد أعضاء حومتها بأن إلقاء قنبلة نووية على غزة مطروح على الطاولة.

وكما قال الرئيس السيسي طارحا استفهاما توبيخيا في كلمته أمام مؤتمر القاهرة للسلام حين تساءل إلى متى تعيش منطقتنا أسيرة هذا الصراع وهو تساؤل يلهم أطراف القضية بأنه حان الوقت لمواجهة فرضت علينا ولم نخترها بعد أن استنفدت إسرائيل كل المحاولات الممكنة لتعيش بجوار الفلسطينيين دون رغبة في إقصاء أو دائرة مفرغة من العنف.

إن القمة العربية المقبلة لابد أن تكون حدا فاصلا بين لغة دبلوماسية استخدمها كل الأطراف لعقود مضت خاصة أن الولايات المتحدة قد أسقطت تلك اللغة التي كانت تتستر بها خلف مصطلح الوسيط النزيه لتتبنى اليوم كل أطروحات الاحتلال وتحولت إدارة الخارجية الأمريكية إلى "ممثل سامي" لحكومة الاحتلال وشططها.

إن الحرب هي آخر الحلول وليس أولها ولا أحد يطالب بها خاصة مع هذا التشظي العربي لكن خطوات عديدة مؤثرة تسبق الانخراط في القتال أو الدعوة إليه وإن أرادت إسرائيل القتال وتمسكت به فليس من المقبول أن يكتويه بنيرانه الفلسطينيين وحدهم بل يجب أن يستشعر لهيب هذه النيران الولايات المتحدة ومصالحها فقد حان وقت إعادة النظر في شراكتها في حل القضية الفلسطينية بل وإعادة صياغة علاقة الدول العربية بها ولا شئ غير ذلك يمكن أن يفضي بنا إلى إجبار الاحتلال على العودة عن جنونه.. إن الوقت هو وقت فك الارتباط بالولايات المتحدة ولا قيمة للتفكير في الثمن فخسارة العرب مسار ثابت سواء كانت هذه العلاقة موجودة أو غائبة ولم يعد مجديا رهن حاضر العرب ومستقبلهم لدى هذه الإدارات التي لم تتوحد على أمر يوما إلا موالاة إسرائيل وحمايتها ولابد من ثمن مستدام تدفعه الولايات المتحدة نظير إدارة ظهرها لحق المنطقة في الاستقرار والتنمية والرخاء فلا تكترثوا كثيرا بما يصدر عن إسرائيل وضعوا الولايات المتحدة أمام الخيار الصعب إما أن تكون في المنطقة بشراكة محترمة أو تغادر الحسابات العربية ولو مؤقتا حتى تدرك تبعات انحيازها ومخاطره ولعل تلك الخطوة هي المربع الناقص في بناء نظام دولي متعدد الأقطاب يمكن بميلاده أن تتغير المعادلة فإن لم نبدأ اليوم فلا مكان لنا في المستقبل.