رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لماذا يخشى الفلسطينيون التهجير الدائم من غزة؟

6-11-2023 | 16:52


غزة

دار الهلال
لماذا يخشى الفلسطينيون التهجير الدائم من غزة؟ أكدت مجلة التايم البريطانية ، في تقرير تم نشره خلالها أن التهجير القصري للفلسطينيين من وطنهم يشكل خوفًا دائمًا، والذي بدآ منذ حرب 1948 والتي ادت بعدها لقيام إسرائيل وطرد خلالها نحو 700 ألف فلسطيني أو أجبروا على الفرار من منازلهم وقراهم الأصلية فيما يطلقون عليه اسم النكبة، أو "الكارثة". والآن، يلوح في الأفق شبح الطرد الجماعي القسري لسكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، حيث يجبرهم القصف الإسرائيلي للقطاع الذي أودى بحياة اكثر من 9000 فلسطيني على الفرار جنوباً بعد تدمير منازلهم وقراهم. وأدى حجم الموت والدمار، إلى جانب الأزمة الإنسانية الرهيبة، إلى زيادة الضغوط الدولية على الدول العربية - وخاصة مصر - لفتح حدودها مع غزة أمام اللاجئين الفلسطينيين. رفضت مصر ذلك بشكل قاطع، باستثناء المئات من حاملي جوازات السفر الاجنبية وعشرات الجرحى الفلسطينيين الذين سُمح لهم بالخروج من غزة عبر معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية هذا الأسبوع. هذا الرفض له أسباب متعددة، ليس الاقتصادية والأمنية فحسب، بل تشمل أيضًا المخاوف التاريخية بشأن السابقة التي قد تشكلها مثل هذه الخطوة - خاصة إذا لم يُسمح لهؤلاء اللاجئين بالعودة إلى ديارهم للابد، وهو ما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي. في قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبرالماضي قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الحاضرين ، إن “مصر أكدت وتؤكد مجددا رفضها الشديد للتهجير القسري للفلسطينيين ونقلهم إلى الأراضي المصرية في سيناء”، مشيرا إلى أن مثل هذه النتيجة “ستكون بمثابة الرمق الأخير في تصفية القضية الفلسطينية”. لدى مصر كل الأسباب التي تجعلها متشككة، فيكفي أن ننظر إلى تجربة الأردن ولبنان المجاورتين، اللتين اضطرتا إلى استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين خلال حروب سابقة (لم يُسمح لأي منهم بالعودة)، ونعلم أن أي حلول توصف بأنها إجراء إنساني مؤقت قد يتبين أنها غير ذلك. إن الخطاب الإقصائي للحكومة الإسرائيلية، قبل وبعد احداث 7 أكتوبر، لم ينجح في تهدئة هذه المخاوف. والواقع أن الوثيقة المسربة مؤخراً من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، بتاريخ 13 أكتوبر، تحدد الخطوط العريضة لاقتراح يقضي بنقل الفلسطينيين في غزة قسراً وبشكل دائم إلى شبه جزيرة سيناء في مصر. جاء في الوثيقة، التي نشرتها مجلة (972+) لأول مرة، ونشر بعد ذلك في موقع (Local Call) الناطق باللغة العبرية أنه ينبغي ان "تتمحور الرسائل حول فقدان الأرض، وأن توضح أنه لا أمل في العودة إلى الأراضي التي ستحتلها إسرائيل قريباً، سواء كان ذلك صحيحاً أم لا.”، "يجب أن تكون الصورة كما يلي: لقد جعلكم الله تخسرون هذه الأرض بسبب قيادة حماس – ليس هناك خيار سوى الانتقال إلى مكان آخر بمساعدة إخوانكم المسلمين." يقول إتش.أ. هيلير، باحث في شئون الشرق الأوسط مقيم في لندن في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي "في حين انه لا يوجد دليل على أن هذه الخطة قد تم تبنيها كسياسة، فإن وجودها في حد ذاته يشير إلى أنه تم مناقشة هذا الأمر كخيار على أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية. من غير المنطقي أن تعتقد [مصر] أن هذا قد يكون هو الحال." مثل هذه النتيجة ستكون لها آثار كارثية على مصر، خاصة وأن البلاد لا تستطيع تحمل ذلك، حيث تعاني مصر من أزمة اقتصادية، وانخفضت عملتها. وحتى لو تم إعفاء مصر من ديونها - كما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية كحافز للقاهرة لاستقبال اللاجئين - فهناك مخاوف أمنية يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضًا. حيث كانت شبه جزيرة سيناء منذ فترة طويلة معقلاً للعنف من قبل المتشددين، بما في ذلك أولئك المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية. يقول يوسف منير، زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن وخبير في الشئون الإسرائيلية والفلسطينية “لقد ناضل المصريون، طوال العقد ونصف العقد الماضيين، للحفاظ على سيطرتهم الأمنية داخل شبه جزيرة سيناء” يضيف بينما الحكومة المصرية حققت تقدما في هذا الصدد، لكن نقل سكان غزة إلى هناك سيؤثر وبشكل شبه مؤكد علي هذا التقدم، خاصة إذا أدى ذلك إلى توترات بين إسرائيل وحماس على الأراضي المصرية. ويقول: "من وجهة نظر مصر، لن تختفي هذه المظالم إذا جاء سكان غزة إلى أراضيها". "وبالتالي فإن ذلك يدعو إلى صراع مباشر مع إسرائيل في سيناء" مثل هذه النتيجة تخاطر بتعرض اتفاق السلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل منذ 40 عاما للخطر، وكان جزء من الطريقة التي تمكن بها القادة المصريون من إقناع الجمهور بالمعاهدة هو التأكيد على دورها في مساعدة مصر على استعادة السيادة على سيناء، التي استولت عليها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967 حتى اتفاق السلام مع مصر في عام 1979. المفارقة، كما يقول منير، هي أن “إجبار مصر قبول ملايين الفلسطينيين الذين لا تريد قبولهم على أراضيها، هو نفي لفكرة أن مصر تتمتع بالسيادة الوطنية على سيناء”. لكن ربما يكون السبب الأكبر وراء رفض مصر للضغوط من أجل استقبال اللاجئين الفلسطينيين هو الغضب الذي قد يسببه التعاون مع تهجيرهم، ليس فقط بين سكانها، ولكن في جميع أنحاء المنطقة. يقول هيلير: "لا توجد حالة تسمح فيها السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم بالعودة"، مشيراً إلى أنه على الرغم من انسحاب إسرائيل من قواتها ومستوطناتها من القطاع عام 2005، إلا أنها لا تزال تتمتع "بالسيطرة الفعلية على غزة". "، بما في ذلك حدودها البرية والجوية والبحرية. إن الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 16 عامًا، يقيد بشدة حركة البضائع والأشخاص داخل القطاع وخارجه. لم تبتعد هذه المخاوف من اهتمام الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث ناقش مع الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أهمية "ضمان عدم تهجير الفلسطينيين في غزة إلى مصر أو أي دولة أخرى". لكن المخاوف لا تزال قائمة من أن إسرائيل قد تستمر في السعي إلى إخلاء غزة من السكان بدعم من الولايات المتحدة. وقد طلب البيت الأبيض الحصول على تمويل إضافي لإسرائيل، والذي يدعي إن "هذه الموارد... ستلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة". و يرى منير، "لا يمكنك وضع ميزانية لهذه الأشياء إلا إذا كنت تعتقد أن هناك احتمالًا حقيقيًا بحدوث ذلك". إن الكيفية التي تختار بها إسرائيل ومصر والولايات المتحدة التصرف في هذه اللحظة لن يكون لها تأثير عميق على الحرب فحسب، بل على مستقبل تقرير المصير الفلسطيني بشكل عام. ويحذر كل من منير وهيلير من أن الترحيل القسري للفلسطينيين في غزة يمكن اعتباره بمثابة تجربة لتهجير مماثل للفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين واجه الكثير منهم بالفعل تصاعدًا في أعمال العنف والترهيب من قبل المستوطنين الإسرائيليين. وفي الواقع، أفاد الفلسطينيون في الضفة الغربية أنهم تلقوا منشورات تطالبهم بالفرار إلى الأردن أو مواجهة نكبة أخرى.