رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
«روجينا حلقت شعرها ع الزيرو» دفاعًا عن نساء الصعيد
صورة أرشيفية
بقلم: محمد رمضان
«عمامة القهر»..رمز توارثته بعض أجيال قرى الصعيد كموروث شعبى ترسخ داخل أذهان أبنائها كنوع من الردة الفكرية بقهر نسائهن، بعدم حصولهن على حقهن فى الميراث الشرعى بمرجعية تراثية سيطرت على أفكار معظمهم بمبررات،فحواها أنه لا إرث لديهم لامرأة قط.
هذا على عكس ما حظيت به المرأة فى مهد الحضارة المصرية القديمة من تكريم بلغ منتهاه بظهور الملكة المؤلهة، وما تحكيه أساطيرقدمائناعلى جدران المعابد من أمجاد كانت تتحلى بها المرأة حينذاك، وعلى رأسها أسطورة الحب الخالدة «إيزيس وأوزوريس»، التى أخلصت لزوجها بجمع أشلائه من أقاليم المحروسة كافة، تعبيرًا عن إخلاصها لما بينهما من ميثاق غليظ.
بلاشك أننى لمست أثناء مشاهدتى للمسلسل الرائع «ستهم» للنجمة الكبيرة روجينا والمخرج المتميز مدير تصويرأعماله الفنية رؤوف عبدالعزيز مدى إخلاصها لزوجها المقتول «عامر الرفاعى» الذى جسده الفنان إياد نصار، حيث استشعرت تلك الصلة الوثيقة بينها وبين إخلاص «إيزيس» لزوجها أوزوريس قتيل الغدر والغيرة والطمع فى العرش.
المسلسل يستعرض كم المعاناة والأوجاع التى تتكبدها نساء صعيد مصر وما تشقه جباههن من تجاعيد الظلم الجائر عليهن..فهن نساء يتنفسن شهيق العناء، ويتحدين بزفير الإصرار والعناد مصائروأد ورثهن بين مخالب أطماع الرجال.
رغم أن عنوان مسلسل «ستهم» يحمل نوعًا من التقدير والاحترام للمرأة التى باتت تُلقب بعدة ألقاب منذ عهد المماليك كنوع من التكريم لها ومنها «ست الكل»،»ست الستات»، «ست الأهل»، «ست العيال»، وغيرها من الألقاب التى ذكرها المؤرخون عن تلك المرحلة الزمنية تعبيرًا عن الاحتفاء والثناء بالمرأة المصرية، إلا أننى أرى أن أحداث هذا المسلسل جعلت لعنوانه مغزى آخر يتماشى مع المثل القائل: «ارحموا عزيز قوم ذل»، لأنه أظهر بطلته بمظاهر الانكسار، لكنها باءت أن تستسلم لظلم أخيها الكبير الذى جسده باقتدار الفنان جهاد سعد من خلال شخصية «رماح»، حيث باتت أحداث المسلسل أشبه بــ«حلبة» تتصارع داخلها أقدار «ستهم» مع خبث نوايا وأهواء أخيها «رماح»، مما جعل الدموع ترفض السقوط فى شموخ من عينيها، فأستشعر المُشاهد ملحمة ما تعايشه هذه المرأة العنيدة من الصمود فى مواجهة الصعاب، وما تعانيه من صراع نفسى بين ما تطمح إليه وما تناله من صدمات.
بالإضافة إلى أن هذا المسلسل رفع شعار «الإتقان سر الإبداع»، حيث جسدت النجمة روجينا دورها، ليس فقط من واقع الورق المكتوب لدورها فيه ولكنها أصرت على أن تعيش المعاناة الفعلية لهؤلاء النساء، حيث حرصت على مقابلتهن لكى تقف على حجم معاناتهن، فقابلت إحدى السيدات ممن يعملن فى مجال بيع أنابيب البوتاجاز، والتى صعدت بالأنبوبة مكتملة الوزن إلى الدورالسابع أثناء ممارستهالهذه المهنة الشاقة، مما جعل روجينا تلمس بشكل واقعى تلك المصاعب التى تواجهها هذه السيدة التى تمتهن مهنة يصعب على بعض الرجال مزاولتها، لذلك أصرت روجينا أن تخوض هذه التجربة بنفسها، حيث رفضت أن تحمل أنبوبة مصنوعةمن الإسفنج كما هو المعتاد فى الأعمال الفنية الأخرى،ولكنها أصرت على حمل أنبوبة حقيقية مثلما تفعل تلك المرأة الكادحة من أجل نيلها لقمة العيش الحلال، لكى تشاركها روجينا قسطًا من معاناتها أثناء أدائها لهذا المشهد، حيث طلبت من فريق عمل المسلسل أن يفرغوا لها نصف كمية الغاز بهذه الأنبوبة،كى تستطيع حملها والصعود بها للدور الخامس، كما ظهرت بالمسلسل. لذلك كُتب لهذا المسلسل الذى عبَّر عن واقع المرأة المعيلة النجاح لأنه استحضر صورًا لنساء عدة يعملن فى مهن شاقة، مثل حمل الحجارة فى الجبل داخل المحاجر.
رغم أن المتابع لهذا المسلسل يلمس أن به جرعة مكثفة من الأحداث المتلاحقة البائسة التى عبرت عن الحال المرير لبعض النساء، إلا أن أداء روجينا البارع فى تقديمها عدة وجوه لسيدات مكافحات اتخذن من العمل والاعتماد على أنفسهن درعًا لحمايتهن من النزوات الضالة داخل المجتمع قد نجح فى تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة له داخل الماراثون الرمضانى.
بل إنها استطاعت أن تكسب تعاطف المشاهدين لــ «ستهم» التى لم تنَل من الدنيا سوى إرث من الأحزان المتتالية التىبدأت بقتل زوجها، ثم غدر إخوتها بها، وعلى رأسهم أخوها الأكبر «رماح»الذى طمع فى اقتناص زينة الحياة الدنيا المال والبنون بأداء حاد كاد يفقدها حياتها عندما تجرأت لمطالبتها بحقها.
بلاشك أن تخلى «ستهم» عن مفردات أنوثتها يمثل تحدياً فنيا لروجينا، ويؤكد للجميع أنها ممثلة من العيار الثقيل تستطيع توظيف أدواتها الفنية على الوجه الأكمل، فليس من السهل على أية امرأة أن تتشبه بالرجال، وترتدى ملابسهم، وتتخلى عن تاج أنوثتها بقص شعرها «ع الزيرو»، وتعتزل معايشة أحاسيسها كأنثى تسعى إلى الاستحواذ على نظرات إعجاب الآخرين بها.
فيالها من امرأة جسورة اتخذت مع صيام العفة «العزوبية» عهدًا حتى لا ينالها رجل غير زوجها الراحل «عامر» التى تنكرت فى شخصه لكى تحتمى من نزوات المحيطين بها فى الشارع، محاولة أن تتظاهر بأنها تمتلك حظًاً من عزم الرجال،لكن طبيعتها كأنثى ترضع ابنتها غلبت كل طموحها فى التخفى وكشفت سرها؛فدخلت فى صراع جديد بالبحث عن فرصة عمل أخرىمن أجل بقائها فى مسيرة التحدى.
يبدو أن روجينا عادت للتنكر فى هذا العام بروح الضحية عكس ما قدمته فى العام الماضى من خلال مسلسل «انحراف» مع المخرج رؤوف عبدالعزيز من خلال شخصية «حور»، التى كانت تنتقم من الرجال للدفاع عن ضحاياهم من النساء، إلا أنها فى هذه المرة تنكرت فى زى الرجال، لكى تحتمى من مفاهيم الغدرالخاطئة التى تختزل عقول البعض بأفكارظالمة باتت تحرسها خلفية ثقافية تتعلق بطبيعة النشأة داخل هذه المجتمعات.. لذا أرى أن روجينا أو «ستهم» ما هى إلا بصيص أمل جديد لتحرير عقول بعض الصعايدة من تلك العقيدة الفكرية البائسة التى تئد حقوق النساء بالعودة إلى زمن جاهلية الفهم الخاطئ لأمور الدين.. مما جعل هذا المسلسل يندرج تحت مبادرة تجديد الخطاب الدينى بوحى استخدام سلاح الأعمال الفنية والقوى الناعمة الذى يفوق تأثيره ما تعجزعنه الخطب والكلمات الرنانة، لأن هذه المسلسلات الهادفة تجرد الواقع من مثاليته الزائفة وتكشف اللثام عن حقيقته الشنعاء.
فضلًا عن أن هذا المسلسل كتبه بحرفية المؤلف ناصر عبدالرحمن، مؤكدًا أن حال بعض النساء يندى له الجبين من خلال امرأة تودع أنوثتها بارتدائها زى الرجال، فتخوض مغامرة أخرى بالعمل كـ«تباع» على سيارة ميكروباص فى الإسكندرية، لأنها ترفض أن تعيش عالة على نفقة أخيها.. العجيب أن روجينا كانت تتنقل بأدائها السلس لكى تستعرض معاناة كل هذه الوجوه النسائية، كأن لسان حالها يؤكد لنا قدرتها الهائلة على تغيير جلدها فنيًا بسهولة ويسر فى كل مرة، لكى تجعلنا نتوحد مع معاناتها فى كل لقطة داخل المسلسل.
من اللافت للنظر ظهور الفنانة الواعدة مريم أشرف زكى فى هذا المسلسل والتى حظيت بتلقائيتها على استحسان وقبول المشاهدين لها، حيث لاحظوا مدى اقترابها من أداء عمتها الفنانة الكبيرة ماجدة زكى التى نالت إعجاب الجمهور عند ظهورها من قبل فى مسلسل «أحلام الفتى الطائر» أمام الزعيم عادل إمام أثناء دراستها بمعهد الفنون المسرحية، مما جعل البعض يشبه مريم أشرف زكى بأنها امتداد لعمتها ماجدة زكى فى أولى تجاربها الفنية بعد نجاحها فى أدائها لأول مشهد لها بالمسلسل.
كما أن إتقان جميع الفنانين للهجة الصعيدية من خلال مصححها حسن الشناوى الذى ساعدهم فى إجادة مخارج ألفاظها بشكل أقنع الجميع بأن جذورهم صعيدية مما انعكس أيضًا على أداء الممثل السورى جهاد سعد فى أدائه لشخصية «رماح»، وهذا ما لمسناه أيضًا من خلال أداء الممثلة المتميزة نانسى صلاح لدور «نجاة» أخت ستهم، التى كانت تسعى فقط لنيل رضا أخيها «رماح» فباعت وليدها له من أجل الحصول على المال لضيق ذات يد زوجها «عجايبى» النجم الشاب أحمد الرافعى الذى كان يعزف الناى فى الموالد خلف عميد المنشدين الشيخ ياسين التهامى الذى أضفى بأناشيده صورة تعبيرية عن الواقع الحقيقى لمجتمع الجنوب، مما جعل إيقاع المسلسل سريعًا، ومن ثمَّ لم يشعر الجمهور بالملل.
كما تفوق على نفسه الفنان الشاب محمد عبدالحافظ فى تجسيده لشخصية «جبر»،وبرعت الفنانة غادة طلعت زوجته «بخيتة» فى الاستحواذ على إعجاب الجمهور بأدائها الصادق، بينما تحرر الفنان إبراهيم السمان من ارتباط اسمه ببرنامجه الشهير «كريزى تاكسى» بأدائه المتفرد لشخصية مصطفى، كما أبهرتنا الفنانة الكبيرة سلوى عثمان برصيدها من الخبرة فى تجسيدها لدور «سعادات»،وفى المقابل فاجأتنا الفنانة الكبيرة عايدة فهمى بحنكتها الفنية فى أدائها دور «أم بركات» الذى لعبه الفنان أمير صلاح الذى جمع ما بين الجدية والفكاهة أثناء تعامله مع كيد نسا زوجتيه، «ماشا» الأجنبية التى تميزت بخفة ظلها وزوجته الصعيدية.
من الواضح أن المخرج رؤوف عبدالعزيز صاحب فكرة هذا المسلسل نجح فى اختياره أماكن التصوير بعين مدير التصوير. تلك المهنة التى بدأ بها فى الوسط الفنى مما يميز أعماله لأنه يمتلك الحرفية فى اختيار زوايا تصوير كل مشاهده بإتقان ينعكس على لغة الصورة فى أعماله الفنية، وهذا ما لمسته أثناء مشاهدتى لفيلمه «الباب الأخضر» بطولة النجمة المتألقة دائمًا سهر الصايغ، والذى يعد آخر ما كتبه الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة، والذى شارك به فى الدورة السابقة لمهرجان الإسكندرية السنيمائى.
نجاح مسلسل «ستهم» واقترابه من هموم وقضايا المرأة الصعيدية جعل الدكتورة مايا مرسى رئيس المجلس القومى للمرأة تشيد بأداء النجمة روجينا والموهوبة الواعدة مريم أشرف زكى، مؤكدة أن الأعمال الدرامية التى تتعلق بمشكلات المرأة تحظى باهتمام الجميع مما أسعد روجينا وفريق عمل المسلسل.