رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ببغاء مشاكس

21-2-2017 | 09:56


كاظم اللايذ

ولد عام 1946 في البصرة، وتخرج في كلية الآداب، قسم اللغة العربية بجامعة البصرة، وعمل في التعليم الثانوي. له مجموعات شعرية منها: الطريق إلى غرناطة، النزول إلى حضرة الماء، دفتر على سرير الرجل المريض، على تخوم البرية أجمع لها الكمأ.

بعين ِ ببغاء مشاكسْ..

أراقب هذي المدينة َمن كوّة ِالبرج ..

فألمحها.. كائنا يتحرّك..

وتنبض أعضاؤه بالحياة ْ

تماما

كما يفعل الفيل

أو يفعل الكلب

أو تفعل السلحفاة ْ

أراقب هذي الجسور.. وتلك المنازل

أراقب كيف البساتين تمسي قصورا

وكيف القصور تشيخ

فتغدو خرائب

وكيف الخرائب تذوي

فتهوي عليها المعاول

أراقب هذي الدكاكين..

هذي الدكاكين مثل البغايا

تبدّل أصحابَها

وتسحب أقدامَهم لظلام المصائر ْ

تبدّلهم بالوفاة ِ

أو البيع ِ

أو بالمزادات

أو بالخسائر...

أنا الآن.. في زحمة السوق ..

لا أستطيع التوقف، كي أشحذ الذاكرة:

هنا كان دكان ( زلخا)

يبيع الأواني

هو الآن َفي قبره ِ

ميّتا بالخيانة..

ـ وكنا نصدّق ما تدّعيه الحكومة.. ـ

هنا كان دكان (فرجو)

يبيع المجلات ِ والكتب َالأجنبية …

ويوم تخرجت في الثانوية ْ

ذهبت إليه ِ ليبتاعني معجما…

لقد مات فرجو

ومازال معجمه ماثلا ْبين كتْبي

وهذا المحل، قريبا من الجسر

كان يبيع التوابل

تجيء من الهند ِ

تحملها السفن الخشبية …

تبدلت ِالريح

والسفن الخشبية ضلّت ْإلينا الطريق

غداة َاعتلت ْبومة نخلة َالبيت ِ

تعوي بحرب الخليج..

هنا كان (خمّاس)

في هذه الزاوية.. يبيع العصير المثلّج

أشد إليه الرحال …

وحين َشببت عن الطوق ِ

حاولت أن أستعيد مذاق العصير المثلج

فجئت إليه ِ…

ولكنّ.. هيهات َ.. هيهات

هنا كان (طليا)

يبيع "العرَق"

هنا كان ملهى الفارابي ..

هنا (العامري) نروح إليه ِيصلّح ساعاتِنا..

هناك يمينا "سراي الحكومة"

هنالك.. في جبهة النهر

مطبعة "التايمس"

وتأتيك َمن بعدها السينما..

آه ِ يا زمن السينمات

فديتك.. كم كنت أهوى حياة َرعاة البقر!

هنا كان جسر "المغايز" جسر الخشب

ومن تحته ِ الماء مزدحما بالزوارق

وفي جنبه ِالبرج

يرفع خوذتَه في الفضاء

يؤشرّ للسفن القادمة

ومازلت أسمع.. عبر ركام ٍ من العمر ِ

دقات ِ ساعته ِ

مثل َ رشق الحصى.. تطيح على لجّة الماء

أما زلت َتحمل وهمك:

تزعم أن ّالمدينة، تلك التي رافقتك مدى العمر ِ

ذات المدينة ْ

وأن ّالأناس َالذين تصادفهم في الشوارع ِ

ذات الأناس

وأن المياه اليجيء بها النهر ذات المياه

ألست َتصدق

أنّ المدينة ليست جمادا

ولا حجرا

وإن ْهكذا خدعت ْأهلها..

وإن المدائن.. كالكائنات

لها مولد وحياة.. تجوع وتعرى.. تهون وترقى

تسرّ وتشقى …

وكالكائنات.. تموت