رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فى ندوة «المصور» هذا الأسبوع المهندس أسامة كمال.. وزير البترول الأسبق يكشف بالأرقام والحقائق

12-11-2023 | 15:17


المهندس أسامة كمال وزير البترول الأسبق

أعد ورقة الحوار: رانيا سالم - أعد الحوار للنشر: منار عصام - عدسة: إبراهيم بشير
يصف المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق قرار إعادة هيكلة أسعار البنزين بأنه كان ضروريًا وفى الوقت نفسه عاقل، لأنه لم يمس أسعار السولار التى تؤثر على المواطن بشكل مباشر. «كمال» فى ندوة «المصور» أكد أنه رغم الأسعار الجديدة، فمازالت منتجات البترول بكل أنواعها مدعومة من الدولة عدا الغاز، مشيرًا إلى ضرورة الإسراع فى التوجه نحو الطاقة الشمسية لأنها الأوفر وتحافظ على ثروتنا من البترول. كما كشف تفاصيل السوق العالمى للغاز الآن وشكل ومستقبل الصراع الدائر بين القوى الكبرى وتأثيره على دول المنطقة، ولكنه أكد أن إدارة القيادة السياسية فى مصر لملف الطاقة ساهمت فى الوصول إلى نتائج كان من الصعب تحقيقها. المصور: بداية هذا الأسبوع صدرت قرارات لجنة تسعير الطاقة بإعادة هيكلة لأسعار الطاقة، وتحديدًا البنزين، وكان هناك حرص من الرئيس عبدالفتاح السيسى على بقاء سعر السولار مراعاة لمحدودى الدخل.. ما الذى دفع اللجنة إلى هذا القرار؟ لا يمكن أن نقارن بين أسعار الطاقة فى مصر مع دول أخرى بسبب اختلافات مستوى المعيشة، ففى القارة الأوربية لتر البنزين من 1,5 إلى 1,75 يورو، لأن هذه الدول تعتمد تحميل الجمارك والضرائب على أسعار البنزين بالنسبة للسيارات، وبالتالى وسيلة النقل الخاصة فى هذه الدول ليست شائعة سواء سيارة خاصة أو تاكسى، فى ظل وجود بدائل مواصلات عامة على مستوى عالٍ. وفى مصر بدأ الاهتمام خلال السنوات الماضية بشكل مرحلى بوجود وسائل مواصلات ونقل عامة ذات كفاءة مرتفعة، بتشغيل بعض أجزاء من شبكات المترو، وبعض أجزاء من القطار السريع، ولمس الجميع تطورا ملحوظا فى منظومة النقل الجماعى، وهنا أصبح لديك الحق فى تغيير الأسعار قليلًا نحو هذا الاتجاه خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة عالميا وكلنا نلاحظ هذا، كما يعرف المتخصصون أنه رغم رفع أسعار البنزين فإنه ما زال مدعوما بنسبة، لكن لم يكن ممكنا أن تظل الأسعار كما هى دون تحريك فى ظل الوضع العالمى والتزايد الواضح فى الأسعار. المصور: هذا يدعونا لسؤالك عن حجم الاستهلاك المصرى من الوقود؟ عند النظر إلى الاستهلاك، نجد أننا نستهلك 80 مليون طن من المنتجات البترولية سنويا، 60 فى المائة منها غاز، و40 فى المائة منتجات سائلة، بإجمالى يومى يبلغ نحو 220 ألف طن منتجات بترولية، منها 130 ألف غاز و90 ألف منتجات بترولية سائلة، مثل البنزين بأنواعه 80، 92، 95، والسولار، والمازوت، والبوتاجاز. والسولار يتم ضخ يوميًا حوالى 50 مليون لتر، بما يوازى نحو 45 ألف طن سولار، وتكلفة لتر السولار من 13 إلى 15 جنيهًا، لكن يتم بيعه للمستهلك بـ 8,50 جنيه، بما يعنى أن هناك أكثر من 5 جنيهات دعما، أى نحو 250 مليون جنيه فى اليوم دعما للسولار، بما يعادل 7,5 مليار جنيه فى الشهر، أى 90 مليار جنيه دعما للسولار فى السنة. أيضا أنبوبة البوتاجاز تتكون من ثلاثة أجزاء، جزء من معامل التكرير يتم الحصول عليه بـ300 دولار، وجزء من الشركات الاستثمارية يتم الحصول عليه بـ 500 دولار، ونستورد جزءًا من الخارج بسعر ألف دولار للطن، وحجم الاستهلاك من البوتاجاز نحو 4,3 مليون طن، نصفها قادم من السوق المحلى بمتوسط 400، والنصف الآخر قادم من الخارج بـ1000، بما يعادل متوسط 700، فى حين أن طن البوتاجاز يكفى 80 أسطوانة، وبالتالى تبلغ تكلفة الأنبوبة 8,50 دولار، أى ما يعادل 250 جنيهًا، فى حين يتم بيعها بـ75 جنيها بالسعر الرسمى فى المخازن، 80 جنيهاً بالتوصيل للمنازل، أى أن هناك 170 جنيها دعمًا فى الأنبوبة، وهناك حوالى 1.1 مليون أسطوانة استهلاك فى اليوم، بما يعنى أن دعم البوتاجاز يصل إلى 200 مليون جنيه فى اليوم، 6 مليارات شهريًا، و72 مليار جنيه فى السنة. كل هذا يعنى أن هناك دعمًا ضخمًا تقدمه الدولة على منتجات البترول، ونحن لم نتحدث حتى الآن عن دعم كل أنواع البنزين. المصور: كيف يتم دعم البنزين؟ الغاز هو المنتج الوحيد الذى لا يتم دعمه، ويتم بيع المتر المكعب من الغاز للاستهلاك المنزلى بـ4 جنيهات وللسيارات بـ5 جنيهات، ودون دعم، لكنه الأكثر فائدة لأن المتر المكعب من الغاز يكافئ لتر بنزين، وبالتالى 20 لتر بنزين بقيمة 250 جنيها يُكافئها 20 متر غاز بـ 80 جنيها غاز. الفارق هو أن لتر البنزين رغم ارتفاع السعر الذى يُباع به للمستهلك فهو ليس السعر الحقيقى لأنه مدعوم أيضا، لأن لتر البنزين الذى يبلغ 12,50 جنيه ثمنه الحقيقى، نصف دولار على الأقل، أى ما يعادل 15 جنيها على الأقل، أى أن هناك 250 قرشًا دعمًا لكل لتر بنزين أى حوالى 50 جنيها تدفعها الحكومة فى كل صفيحة بنزين، فيتم ضخّ البنزين بأنواعه بما يعادل 7 آلاف طن يوميا، أى 7 ملايين لتر فى 2,50 جنيه، أى أن حجم الدعم اليومى للبنزين 20 مليون جنيه يوميا. والمازوت أيضا ننتج منه ما يتراوح من 6 إلى 7 آلاف طن تقريبًا، وكل هذه الكمية تذهب إلى محطات الكهرباء بسعر 4 آلاف جنيه، رغم أن المازوت سعره 300 دولار، أى 10 آلاف جنيه، والفارق هو دعم من الدولة. المصور: هذا معناه أن كل منتجات البترول مدعومة من الدولة دون استثناء؟ طبعا.. وهذه الأسعار تجعل من الضرورى أن نعرف ما هو المنتج الذى له بديل والمنتج الذى لا يتوفر له بديل، ففى البنزين تم الحديث عن إمكانية تحويل السيارات إلى غاز، لأن البنزين يَسهُل تحويله إلى غاز وهذا يحقق وفرا لقائد السيارة وللحكومة، وبالتالى عند تحريك سعر البنزين فلدينا البديل لتحويل السيارة إلى غاز، وهناك مبادرة من وزارة البترول بتقسيط تكلفة التحويل ووضعها على تكلفة الوقود. لكن عند تحريك سعر المازوت، فمستخدموه الكبار هم الكهرباء وبعض الأفران، وهم لن يتحملوا أى زيادة وبالتالى لا يتم تحريك السعر، ويتم الحفاظ على بقاء سعره ثابتا، أيضاً السولار تستخدمه سيارات النقل ونصف النقل، وأى زيادة فى سعره تنعكس مباشرة على مناحى الحياة فى أسعار الخضراوات والفاكهة والمواصلات، وبالتالى تنعكس مباشرة على تكلفة الحياة على المواطن، لأن وسائل النقل منفردة تُسيطر على 60 فى المائة من إجمالى استهلاك الطاقة بوجه عام. أيضا الكهرباء تحصل على حصة مصر تقريبًا من الغاز، فمصر تنتج 6,2 مليار مكعب من الغاز يوميا منها 4,5 مليار مكعب إنتاج مصرى، 1,7 مليار إنتاج شريك أجنبى، الكهرباء تحصل من 3,8 إلى 4 مليارات قدم مكعب، والاستهلاك المنزلى يستهلك ما يقارب 500 ألف قدم مكعب يوميًا، المصانع بكل أنواعها تحصل على ما يقارب 1,5 مليار قدم مكعب، وهذه هى المصانع التى تحصل على الغاز كمادة تلقين أو مادة تغذية ولديها الوحدات الخاصة بها، فالاستهلاكات اليومية يُفترض أن تكون فى حدود 6 مليارات مكعب، وحصتنا من الغاز 4,5 مليار، وبالتالى يتم أخذ حصة الشريك. والمفترض أنه فى الظروف العادية الكهرباء لديها طاقة إنتاجية 35 جيجا، والاستهلاك الفعلى لا يزيد على 30 إلى 32 جيجا، أى أن الطاقة تكفى. لكن لو ارتفعت درجة الحرارة فوق 35 درجة مئوية، فكل درجة حرارة زيادة يحصل أمامها انخفاض فى كفاءة المحطات الكهربائية بنسبة 1 فى المائة حتى تصل لـ 45 درجة، بعدها كل درجة حرارة تنخفض أمامها الكفاءة بنسبة 5 فى المائة، وفى مصر لا نتعدى الـ45 درجة حرارة، رغم أنه حدث خلال موسم الصيف لهذا العام ارتفاع فى درجة الحرارة أكثر من ذلك، لكن نتحدث عن الوضع الطبيعى وهو 45 درجة على أقصى تقدير، وهذا يعنى أن كفاءة محطات الكهرباء تقل 10 فى المائة، أى أن المحطات تحتاج إلى 10 فى المائة وقودا إضافيا من أجل أن ينتج نفس الكهرباء المنتجة، وهنا لو وضعناه على 4 مليارات فيعنى أن الاستهلاك يصل إلى 4,4 مليار قدم مكعب غاز، ومع الاستهلاكات الأخرى نصل إلى 6,50 مليار قدم مكعب غاز، وهو ما يعنى استهلاك كل كمية الحصة المصرية وحصة الشريك الأجنبى، ونلجأ أيضا لمصدر خارجى، وينحصر هذا المصدر فى غاز أو مازوت. لو حصلنا على غاز مسال ففى أدناه يصل إلى 8 دولارات عن مليون وحدة حرارية، ولو غازًا عبر الأنابيب تصل التكلفة 4 دولارات فى الظروف العادية. وفى العام الماضى 2021/2022 وقت الحرب الأوكرانية وصل سعر الغاز المسال فى المتوسط إلى 40 دولارًا وفى شمال أوربا وصل إلى 72 دولارًا، بينما كان سعر المازوت فى ظروفه العادية 17 دولارًا على المليون وحدة حرارية. ولذلك فى العام الماضى تمت المقارنة بالمازوت 17 دولارًا والغاز 40 دولارًا، فتم تصدير الغاز وعملت كافة المحطات بالمازوت، وهذا كان قرارًا صائبًا ووقتها تدخل الرئيس السيسى وحسم الأمر بعمل المحطات بالمازوت، وهو ما وفر 800 مليون دولار شهريًا، فى فترة الصيف ولمدة وصلت من 6 إلى 7 أشهر، وهو ما تسبب فى تحقيق حصيلة جيدة. لكن هذا العام ومع حرب غزة، أوقفت إسرائيل حقل «تمار»، لأنه أمام عسقلان وفى مرمى المواجهة فتم وقفه والعمل على حقل «ليفياثان» لوحده، وبدأ الجانب الإسرائيلى يصدر فكرة للعالم أنه تم وقف حقل الغاز وهو ما سيؤثر على احتياجات مصر من الغاز المستورد، وسيؤثر على احتياجات منطقة المتوسط بالكامل ليسبب حالة من الهلع، لأنك لو طلبت الغاز المسال فإن كبار منتجى ومصدرى الغاز فى العالم لن يسعفوك حتى لو أخذت منهم الغاز بسعر 10 دولارات، وهو أمر مفهوم لأن هناك رغبة من البعض فى تضييق الخناق على الدولة المصرية، لكن الدولة المصرية أظهرت براعة وأعلنت تحملها للنقص فى كمية الغاز، من خلال خطة ترشيد معلنة بشكل شفاف، وأكدت أن الغاز لن يتحول لوسيلة ضغط على الدولة المصرية، وهو ما أكده تقرير رسمى لـ«بلومبرج» أن تأثيرات ضخ الغاز الإسرائيلى على مصر وأوربا غير ملحوظ بشكل واضح وصريح. المصور: لكن يبقى السؤال: هل الدولة المصرية مطالبة أن تسير على نفس النهج خلال السنوات القادمة؟ بالطبع لا، فلا يجوز أن نظل نحرق هذا القدر من المحروقات من غاز وبنزين فى محطات الكهرباء، فلدى مصر البدائل وهى الطاقة الشمسية والرياح والنووى، لا بد أن تمتلك المصادر الثلاثة، وحتى الهيدوجين الأخضر لا بدّ أن ينتج من مصادر طاقات متجددة، فالأصل هى الطاقات المتجددة، وأن يكون لدىّ محطة طاقة شمسية أيًا كانت الوسيلة الخاصة بها حتى تنتج طاقة كهرباء. والدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، صرح بأن لدينا فرصًا لتوليد 630 جيجاوات كهرباء من الرياح وهو يعادل 12 ضعف ما ننتجه حاليًا، ولدينا فرص لتوليد 2300 جيجاوات كهرباء من الشمس وهو ما يعادل 40 ضعف ما ننتجه حاليًا، وهذا يعنى أننا نمتلك مصادر طبيعية من الرياح والشمس تكفى لإنتاج هذا القدر من الكهرباء، وهو أمر هام، وعلينا أن نتحرك فيه بسرعة وإن تم النجاح فى إنتاج هذا القدر من الكهرباء من الطاقات المتجددة، فهذا يعنى التحول من دولة تعتمد على المحروقات البترولية إلى دولة تستخدم المصادر الطبيعية لإنتاج الكهرباء وهذا سيوفر المليارات لمصر، كما سيحافظ على حصة الأجيال القادمة، فدائما نقول كخبراء فى البترول إن 30 فى المائة من رصيدنا للاستهلاك، و30 فى المائة للتصدير، و30 فى المائة للأجيال القادمة، لكننا الآن غير قادرين على بقاء نسبة الأجيال القادمة، فعندما بدأ حقل «ظُهر» قلنا الاحتياطى المحلى وصل 90 تريليون قدم مكعب غاز، بإضافة «ظهر» لأن الاحتياطى كان 30 تريليون قدم مكعب، وكان لدينا احتياطى 60 فأصبح الإجمالى الاحتياطى 90 تريليونا، والاحتياطى رقم ديناميكى كل يوم يتحرك فى ضوء ما يتم اكتشافه وإضافته ومعدلات الاستهلاك الخاصة بك، لو استمرت معدلات الاستهلاك الحالية ولم تكتشف حقولا جديدة فهذا الرقم 3 تريليونات فى السنة سيكفينى 22 سنة، وإذا أُضيفت اكتشافات وحقول جديدة سيتم تحريك الاحتياطى. فعلى سبيل المثال تم الإعلان سنة 1983 بأننا لدينا بترول يكفينا 12 سنة، ووفقًا لهذا كان المفترض أن البترول ينتهى سنة 1995، لكن هذا لم يحدث، والحمد لله أننا فى 2023 ولم ينتهِ البترول أو الغاز المصرى، ولدينا احتياطى لسنوات والرقم قابل للزيادة لأن الاحتياطى ديناميكى. المصور: هل كانت قرارات إعادة هيكلة أسعار الوقود ضرورية ومهمة؟ طبعًا، هى قرارات ضرورية والأهم أنها عاقلة، فلم تقترب من السولار والمازوت والبوتاجاز، وهى المنتجات الثلاثة التى ليست لها بدائل، وهى الأكثر ملامسة للشارع، وتُحدث انعكاسا فوريا على المواطن، فلو رفعت السولار ربع جنيه فقط سترتفع أجرة الميكروباص جنيهًا، وبالتالى كان قرار الرئيس عدم المساس بالسولار والمازوت صائبا تماما. المصور: ولماذا تم إدخال بنزين 80 هذه المرة ورفع سعره؟ بنزين 80 لا ينتج فى أى دولة فى العالم، ولا تستهلكه أى سيارات فى العالم أجمع غير مصر، بسبب العربات القديمة و«التكاتك»، ورغم ذلك فى العادة لم يكن يتم الاقتراب منه، لكن التجربة أثبتت أن مصانع البويات تستخدمه بدلا من المذيبات، لأن لتر المذيبات ثمنه 25 جنيها، ولتر البنزين 80 يصل إلى 8,50 جنيه فقط، ولذلك كان لازمًا تحريكه من أجل تقليل الفجوة فى الأسعار، كما أنه ثبت أن تحريك أسعار البنزينات لابد أن يُدرس وألا يتم تحريك نوع بنزين دون الآخر حتى لا يتسبب ذلك فى العزوف عن استهلاكه والتوجه للبديل الأقل، وبالتالى فإعادة الهيكلة لن تصبح ذات جدوى، بل على العكس سيكون القرار مشوهًا، وهذا يفسر سر عدم رفع بنزين 95 بنسبة أعلى لأن هذا لن يكون قرارا سليما كما يروج البعض، بل سيفشل قرار الهيكلة تماما. المصور: وكيف ترى سوق الطاقة فى العالم؟ سوق الطاقة فى العالم متنوع، فالدول الغربية كلها تحاول إيجاد بدائل للوقود الأحفورى الذى تسيطر عليه مجموعة الدول العربية أو روسيا، وبالتالى تحاول دائما إيجاد بدائل والتقليل من أهمية الطاقة الأحفورية العادية، إلا أنه مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وعندما قطعت روسيا الغاز عن القارة الأوربية كان هناك ذعر حقيقى. ورغم أن دولًا مثل فرنسا وألمانيا كانت قد أوقفت المحطات النووية ومحطات الفحم، لكن عندما توقف الغاز الروسى تمت إعادة كافة هذه المحطات للعمل مرة أخرى، وبدأوا يتحدثون عن إعادة النظر فى خطة الطاقة الخضراء، فهناك حاجات يمكننا استبدالها بالطاقات المتجددة والكهرباء وحاجات يستحيل معها استبداله. الهمّ الأكبر ليس فى الوقود نفسه، فطن الأمونيا يستهلك 40 مليون وحدة حرارية غازا، عندما كان ثمن الوحدة الحرارية 4 دولارات من خط الغاز الروسى، فيتم وضع فى طن الأمونيا 60 دولارا من الغاز لتحويله ليوريا أو سماد نترات نضع عليه 80 دولارًا يصل الطن إلى 140 دولارًا، وعندما بدأ وقف الغاز الروسى وبلغ سعر الغاز 40 دولارًا، بقى طن الأمونيا فيه غاز 1600 دولار لتحويله ليوريا دخلت فى 1800 دولار، وهذا تأثيره على سلاسل إمداد الغذاء بالكامل هو رفع جنونى لأسعارها، فهو يهدد بمجاعة عالمية. الخلاصة أن العالم اكتشف أنه غير قادر على الاستغناء عن الوقود البترولى، قد يمكنه أن يستخدم الطاقة الشمسية فى السماد وفى النقل البرى والمراكب وفى الخلايا المستخدمة فى العربيات، لكن يصعب الاستغناء عن البترول فى البتروكيماويات أو فى الطائرات. عندما نتحدث عن 8 مليارات إنسان فى العالم، ومن المرجح أن يصل العدد إلى 10 مليارات فى 2050، هنا يكون السؤال: هل الموارد الطبيعة من الأقطان والأخشاب والحديد والأصواف والنحاس والأصماغ تكفى للاحتياجات البشرية؟! والإجابة بالتأكيد لا، والبديل هو البتروكيماويات التى لا يفيد معها الهيدروجين منفردا، لأن هذه الصناعة فى حاجة إلى ذرة الكربون والهيدروجين ملتحمة من أجل إجراء عمليات كيميائية تغير من شكلها، وتحول لسلاسل طويلة من البتروكيماويات لتدخل فى الصناعات المختلفة، فـ80 من المائة من احتياجاتنا تتطلب بتروكيماويات، وبالتالى نحن لا نزال فى حاجة كبيرة للوقود الأحفورى. المصور: ماذا عن وضعنا كدولة فى هذا الصراع على الطاقة؟ الصراع العالمى ينحصر ما بين خطى طول 40 و80 غرب جرنيتش، هى المنطقة التى تضم 60 فى المائة من احتياطى العالم من البترول والغاز والثروة المعدنية، بداية من الجزائر وحتى موسكو شاملة المنطقة العربية التى تضم مصر، ولهذا نجد أن روسيا أكبر منتج ومصدر للبترول فى العالم، والاتحاد الأوربى يعتمد على روسيا فى توريد 40 فى المائة من احتياجاته من الغاز، واستهلاك أوربا 210 مليارات قدم مكعب فى السنة منها 40 فى المائة على الأقل من روسيا والباقى من العالم كله، فهل نتخيل ماذا يمكن أن تفعل روسيا، لهذا عندما تم عمل الحظر الاقتصادى على روسيا خرج بيان بعدم التعامل بالبيع والشراء وفى النهاية تمت كتابة فيما عدا اليورانيوم، لأن روسيا هى أكبر منتج ومصدر لليورانيوم على مستوى العالم، وهى من تمد اليورانيوم للمحطات النووية فى أوربا كلها، لكن هل تأمن أوربا لروسيا التى قطعت عنها الغاز، لذلك بدأ البحث عن بدائل، وكانت النيجر التى سيطرت عليها فرنسا منفردة، ولذلك تم العمل على إخراج فرنسا منها وبالفعل خرجت، هذا هو صراع أو حرب الطاقة. ومصر فى وسط منطقة الصراعات بأكملها، وبكل تأكيد الموقف صعب جدًا لأن القوى العظمى متمثلة فى أمريكا وروسيا تخوض حربًا باستخدام دول هذه المنطقة. ولهذا يتم استفزاز مصر للدخول فى حرب، فالروس لن يدخلوا فى مواجهة مع الأمريكان، وكذلك الصينيون، فكل الشعوب التى بين خطوط 40 إلى 80 وضعها صعب، هى كالقابض على جمرة من النار. المصور: ومصر كيف تدير هذا الملف؟ من دون مبالغة مصر تتعامل مع ملف الطاقة باحترافية وفهم، والرئيس يدير هذا الملف بمهارة شديدة. وعلينا أن نعلم أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة اسمها القوة، مَن لديه اقتصاد قوى يستطِع أن يفرض سياسته، وإحدى دعائم وركائز الاقتصاد القوى هى الطاقة، فلا اقتصاد بلا طاقة، فالهند وكوريا واليابان الدول الثلاث ليس لديها بترول ولا غاز باستثناء الهند تخرج 50 ألف برميل فى اليوم، لكن فى المقابل عدد سكانها 1500 مليون، وكوريا واليابان ليس لديهما بترول نهائى، لكن هذه البلاد تحتل رقم ثلاثة وأربعة وخمسة فى الاقتصاد العالمى، بسبب الاقتصاد والصناعة، فهى تستورد البترول والغاز وتدخله فى صناعات القيمة المضافة. المصور: إذًا هل الاعتماد على الطاقة الشمسية يقلل من الدعم الخاص بالوقود؟ بالطبع، فإنتاج كيلو وات الكهرباء يحتاج إلى 200 جرام من الوقود بتكلفة 10 سنتات بخلاف بقية المصاريف الأخرى من الكيماويات والمرتبات ونسب الإهلاك والمعدات لتصل التكلفة فى الأخير ما بين 14و16 سنتًا, فى الوقت الذى تبلغ قيمة كيلو وات الطاقة الشمسية 8: 10 سنتات، فى ظل الاعتماد على أحدث تكنولوجيا فى الطاقة الشمسية وهى المركزات الشمسية التى تعتمد على أبراج مثبت أعلاها كتل من الملح المنصهر الذى يعمل على تركيز الطاقة الشمسية ومن ثم توليد درجات عالية من الحرارة تصل إلى 600 درجة مئوية لتستخدم فى إنتاج كميات كبيرة من البخار قادرة على تشغيل توربينات إنتاج الطاقة الكهربائية المستمرة لـ24 ساعة وتعتمد الكثير من الدول على تطبيق تلك التكنولوجيا مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة, وحاليا يتم إنشاء أول محطة طاقة شمسية تعتمد على المركزات الشمسية فى مصر لإنتاج 250 ميجا وات من الكهرباء النظيفة، ونأمل أن تتوسع الدولة فى إنتاج تلك المحطات وصولا إلى نسبة 20 جيجا من الكهرباء النظيفة، فى ظل اتجاه الدولة لتقليل الاعتماد على حرق الوقود لإنتاج الكهرباء وتخصيصه فقط للاحتياجات الأكثر احتياجا للوقود. المصور: وكيف ترى مستقبل صناعة الطاقة فى مصر؟ لا بديل عن الاهتمام بالتعليم وجودته طبقا للمواصفات العالمية فى مختلف التخصصات، ولنا فى ماليزيا خير مثال فقد اهتمت ماليزيا بتطوير التعليم الأساسى والفنى والجامعى خلال 12 عامًا لتحصد بعد ذلك أول دفعة من الخريجين المؤهلين طبقا لأحدث المعايير العالمية الذين حملوا على عاتقهم إلى الآن نهضة ماليزيا الصناعية، وقد تطرق الرئيس السيسى فى أهمية تأهيل ورعاية مهندسين فى مجال تكنولوجيا المعلومات لمواجهة متطلبات السوق العالمية فى هذا المجال. المصور: وإلى أن يحدث ذلك.. فى رأيك ما هو الإجراء العاجل الذى يجب أن نطبقه فى مجال الطاقة؟ لا بدّ من فتح الباب للاستثمار الأجنبى والخاص، فعلى سبيل المثال ما المانع من تطبيق نظام العمل المطبق فى مجال البترول باستقدام شركات متخصصة فى إنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة, سواء من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح, مع تخصيص مساحة من الأراضى لهم لإقامة مشروعاتهم عليها والسماح لهم بتصدير جزء من الإنتاج، مقابل الاستحواذ على نسبة تكفى احتياجات الدولة من الطاقة دون مقابل. المصور: ولماذا لا نفكر فى البحث عن اكتشافات جديدة للوقود؟ الدولة المصرية تسعى للبحث عن اكتشافات جديدة وتبذل جهدًا كبيرًا فى هذا الاتجاه، لكن الأمر أيضا مرتبط بالشركات الأجنبية المستثمرة وهى شركات كبرى لها أولوياتها وحساباتها وبعضها قد يتأثر برؤية الدول التى تنتمى إليها، مما يؤثر على مدى تسارع معدلات الاستثمار بالمنطقة ومعدلات الكشوفات. المصور: إذًا فهناك علاقة بين عمل شركات البترول والسياسة؟ بالطبع، هناك 10 شركات كبرى بالعالم تعمل فى مجال اكتشاف واستخراج البترول والوقود، وهى وحدها التى تملك سر قراءة الخرائط الجيولوجية والتى تدل على وجود اكتشافات بترولية بها، وكل شركة لها حساباتها. صحيح الدولة المصرية تمتل قوة تجعلها قادرة على التعامل مع هذه الشركات بشكل متميز وتجعل هذه الشركات «تعمل حساب» لمصر، لكن الأمور فى العالم الآن لها حسابات أخرى معقدة، وفى الوقت نفسه الدول لا تستطيع تحمل تكلفة البحث لأنها مكلفة للغاية غير مضمونة النتائج. المصور: ومَن المسيطر على هذه الشركات العشر؟ الولايات المتحدة الأمريكية لها النصيب الأكبر من أسهمها بجانب إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا. المصور: يُقال إن شرق المتوسط حتى الآن منذ 4 سنوات لم يتحقق كشف كبير فى مصر أو قبرص أو حتى إسرائيل.. هل ذاك يعتبر سوء تقدير للمساحة الجيولوجية الأمريكية أم لعبا سياسيا بدول المنطقة؟ الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أن منطقة شرق المتوسط تحتوى على أكثر من 230 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى يتركز 40 فى المائة منها على سواحل سوريا، وهو الأمر الذى كان سيجعل من سوريا ثانى أكبر منتج من الغاز الطبيعى فى العالم بعد روسيا، ولهذا انجرفت سوريا إلى حرب منذ عام 2011 لم تفق منها إلى الآن، أما عن قبرص فهى توجد لديها اكتشافات من الغاز الطبيعى ولكن الاقتصاد القبرصى ليس قويًا بدرجة كافية لإقامة بنية تحتية قوية تخدم على تلك الاكتشافات لذلك كان الحل الأمثل لها هو الربط مع مصر لإسالة الغاز الطبيعى عبر محطات الإسالة المصرية، وهذا «جون» حققته مصر. المصور: وهل لمصر نظرة مستقبلية تجاه غاز شرق المتوسط؟ بالطبع فقد قامت مصر بطرح كل المناطق الحدودية الواقعة فى نهاية المياه الاقتصادية الخاصة بنا، وذلك عن طريق ترسيم الحدود مع دول الجوار، ونعمل حاليا فى مناطق الجزء الغربى بداية من قبرص وحتى سواحل ليبيا، وكذلك الحال فى البحر الأحمر الذى لم نكن نستطيع أن نقوم بعمل أى استكشفات به إلا بعد اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية والتى أتاحت لنا حتى الآن إقامة 4 مناطق للحفر بالمياه الاقتصادية المصرية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي. المصور: إذًا هل يمكن أن نقول إن الغاز الطبيعى هو مستقبل مصر؟ لا يمكن الجزم بهذا القول وذلك لأنه فى الأول والأخير هى منحة من الله (عز وجل)، وآبار البترول أو الغاز الطبيعى لها نهاية، ولا بدّ أن تتوقف عندها، إنما الشمس وطاقتها لن تتوقف حتى قيام الساعة. المصور: هل تؤثر الحرب الحالية التى تشنها إسرائيل على غزة على وضع مصر بالنسبة للطاقة؟ لا، لن تؤثر فى وضع مصر بالنسبة للطاقة، ولكن ستؤثر بالتأكيد على الاقتصاد المصرى بحكم الجوار الجغرافى والمسئولية العربية والتاريخية تجاه الأشقاء الفلسطينيين، خاصة فى ظل التوقعات العالمية بارتفاع أسعار النفط خلال الفترة القادمة ليصل إلى 100 أو 150 دولارًا للبرميل حال استمرار الحرب على نفس الوتيرة الموجودة حاليا وهو أمر لا نتمناه، وأنا لا أتوقع أن تستمر الحرب فى ظل الشواهد الحالية، ونزيف الدولارات التى تتكبدها إسرائيل نفسها، فالاقتصاد الإسرائيلى يفقد يوميا مليار دولار نظير تكلفة تلك الحرب. المصور: كيف ترى إدارة القيادة السياسية لملف الطاقة أثناء الفترة الأخيرة؟ لولا تدخل الرئيس السيسى فى العديد من الملفات الخاصة بالطاقة والوقود، لأصبح وضع مصر فى الطاقة لا نُحسد عليه حاليًا، فقد ساهمت القيادة السياسية رغم أنه ليس من دورها فى إدارة جيدة ورشيدة لملف الطاقة. المصور: ما الذى تحتاجه مصر لتلعب دور المركز الإقليمى للطاقة المتجددة فى الشرق الأوسط وإفريقيا؟ يجب اتباع الفكر الاستثمارى الذى ذكرته مسبقا والمتبع فى قطاع البترول، مع تسهيل كافة العقبات أمام المستثمرين الراغبين فى الاستثمار فى قطاع الطاقة المتجددة فى مصر، حتى تصبح مصر قبلة الطاقة المتجددة فى الشرق الأوسط وإفريقيا.