رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
تدمير منازلهم ومدارسهم بزعم «أسباب بيئية» «الإخلاء العسكرى» أزمة إنسانية تواجه «الكينيين الأصليين»
صورة أرشيفية
تقرير: سلمى أمجد
ادت التوترات طويلة الأمد بين سكان «الأوجيك» الأصليين والحكومة الكينية إلى الظهور مرة أخرى هذا الشهر، عندما بدأ حراس الحياة البرية وخدمات الغابات بإجبار الأوجيك على الخروج من منازلهم فى غابة «ماو» بالوادى المتصدع فى انتهاك مباشر للمحكمة الإفريقية. ويقدر قادة المجتمع المحلى أن ما يقرب من 400 منزل قد تم هدمه، مما أدى إلى نزوح الأسر والبحث عن مأوى من الأمطار الأخيرة فى مبانٍ مؤقتة.
وبدأت الحكومة الكينية فى الثانى من نوفمبر الحالى بإخلاء مجتمعات الأوجيك من غابة «ماو» - لأسباب بيئية كما زعمت مما أدى إلى تدمير منازلهم ومدارسهم. وبذلك يواجه حوالى 700 فرد من مجتمع أوجيك الأصليين فى منطقة ساسيموانى، أزمة إنسانية وشيكة. وتأتى قائمة عمليات إخلاء الأوجيك الأخيرة فى منطقتى ساسيموانى ونكاريتا فى الغابة فى أعقاب توجيهات من الرئيس الكينى ويليام روتو، الشهر الماضى، التى أمرت الأجهزة الأمنية بإزالة المستوطنين غير الشرعيين. حيث صرح روتو أن حماية موارد غابات «ماو» ضرورية لمكافحة أزمة المناخ، وسيتم تخصيص أرض لأى مستوطنين غير شرعيين يتم إجلاؤهم. كما سبق وأكدت السلطات منذ فترة طويلة أن عمليات الإخلاء ضرورية لحماية النظام البيئى فى «ماو» من إزالة الغابات بشكل كبير بسبب قطع الأشجار غير القانونى وتطهير الأراضى للزراعة. وجادلوا أيضًا بأن التعدى يعرض موارد المياه المهمة التى يعتمد عليها ملايين الكينيين للخطر.
فى حين صرح كبير محافظى الغابات الكينية أن الحكومة تريد استعادة مجمع غابات ماو، الذى يُزعم أن برج المياه الرئيسى الخاص به «يواجه تحديات التعدى والتدمير»، على الرغم من أن الحكومة قد تلقت أوامر بمنح شعوب الأوجيك سندات ملكية الأراضى الجماعية فى غابة «ماو» من قبل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACtHPR). كما قال سايروس ماو، نائب مدير اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان (KNCHR): إن «المخاوف صحيحة، لكن هذا لا يعنى أن الحفاظ على البيئة لا يمكن أن يتعايش مع حقوق الإنسان» مؤكدا أن الأمر يتعلق بالبحث عن نهج قائم على حقوق الإنسان فى الحفاظ على البيئة. وليس من الضرورى أن تكون إقصائية. فبعض أولئك الذين استقروا فى أجزاء من الغابة لديهم سندات ملكية للأراضى فى غابة ماو، والتى تم الطعن فى صحتها. مما يؤدى إلى تعقيد النزاع الطويل الأمد، والتأثير على حقوق أراضى مجتمع الأوجيك». وفى بيان لها، قالت لجنة الحقوق الوطنية فى كينيا إنها «منزعجة» من عمليات الإخلاء المستمرة، التى تتم «دون التصنيف المسبق وتحديد المجتمعات الحقيقية التى تعيش فى الغابات».
وعلى الرغم من ادعاءات الحكومة بأن الأرض مطلوبة «لأغراض الحفظ»، فإن الأدلة العلمية، وكذلك الأدلة المستمدة من تجارب الشعوب الأصلية، تبين أن تأمين حقوق الشعوب الأصلية فى العيش فى أراضيها والتحكم فيها ورعايتها هو الطريقة الأكثر فعالية للتأمين والحفاظ على البيئة.
ونشر برنامج تنمية شعب الأوجيك (OPDP) فى 26 أكتوبر الماضى بيانًا ذكر فيه أن السلطات المحلية أمرت المجتمع بإخلاء أراضى أجدادهم استعدادًا لإخلاء محتمل. كما اقترح الزعيم المحلى - بناءً على أوامر عليا - أن يأخذوا ممتلكاتهم معهم لأن منازلهم من المحتمل أن تُدمر. واتصل شيوخ من مجلس حكماء أوجيك على الفور بالسلطات المختلفة فى مقاطعة ناروك، فضلاً عن الوكالات الوطنية والدولية للمشاركة فى حوار لإيجاد حل، لكن عمليات الإخلاء تمت بعد أسبوع.
وطالبت جماعات حقوق الإنسان الحكومة الكينية بالوقف الفورى لعمليات الهدم والإخلاء القسرى المستمرة لمجتمع الأوجيك الأصليين من أراضى أجدادهم فى الوادى المتصدع. كما دعا مجتمع أوجيك فى مجمع غابة «ماو» بشكل عاجل جميع السلطات ذات الصلة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمواطنين المعنيين إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمنع الأزمة الإنسانية الوشيكة التى تهدد مجتمعهم. كما سلطوا الضوء على دور الممولين الدوليين الذين يقدمون الأموال للحكومة الكينية لحماية أبراج المياه فى كينيا وغيرها من المناطق. وضرورة إدراك الممولين الدوليين أن مساهماتهم قد تدعم دون قصد انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، بدلاً من جهود الحفظ الحقيقية. كما خشى قادة المجتمع المحلى من احتمال تدمير المنازل ذات الأهمية الثقافية. وقال دانييل كوبى، المدير التنفيذى لبرنامج تنمية شعوب الأوجيك: «هذا النوع من الدمار يمكن أن يؤدى إلى انقراض مجتمع ما».
على مدى عقود من الزمن واجه مجتمع الأوجيك باستمرار إخلاءات قسرية تعسفية من قبل الحكومة من أراضى أجدادهم فى غابة ماو. وكان لهذا النمط من الانتهاكات أثر سلبى كبير على نمط حياتهم التقليدي. فالأوجيك قد ظلوا على مر القرون يتخذون من غابات الماو مكانًا للإقامة، ومصدرًا لكسب الرزق من الصيد وقطف الثمار. ويبلغ تعداد أفراد هذا الشعب 20 ألف نسمة، يعيش نحو 15 ألفا منهم فى مجمع غابات “ماو” الكبرى، مجموعة من الأراضى تبلغ مساحتها 400 ألف هكتار. وينقسم الأوجيك إلى ثلاث عشائر، ولهم لغتهم الخاصة بهم، وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية.
وفى أكتوبر 2009، أصدرت دائرة الغابات الكينية إخطارًا بالإخلاء يطلب من الأوجيك مغادرة غابة «ماو» فى غضون 30 يومًا. وفى نوفمبر من نفس العام، أرسل برنامج تنمية شعب الأوجيك، بعدما انضم إليه مركز تنمية حقوق الأقليات ثم المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، شكوى للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، فأحالت القضية للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب عام 2012.
وكانت الحكومة الكينية على علم بأن الأوجيك يعيشون فى أراضى هذه الغابات منذ زمن بعيد، ولكنها رفضت الاعتراف بهم باعتبارهم من السكان الأصليين الذين يحتاجون للحماية. وبعد معركة قضائية مطولة بين الأوجيك والحكومة الكينية، توصلت المحكمة عام 2017 إلى قرار بشأن هذه القضية، خلصت فيه إلى أن كينيا قد انتهكت حقوق مجتمع الأوجيك، وأن لهم حقوق ملكية أراضى أجدادهم. وفى حكم التعويضات عام 2022، أمرت المحكمة الحكومة الكينية بتحديد وترسيم وتقديم سندات ملكية الأوجيك إلى المنطقة التى يعيشون فيها. وأمرت المحكمة كينيا بضمان الاعتراف الكامل بالأوجيك باعتبارهم سكانا أصليين فى كينيا، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية حقهم فى أن يتم التشاور معهم على نحو فعال بشأن جميع المشاريع الإنمائية أو البيئية أو الاستثمارية التى تجرى على أراضيهم. إلا أن تنفيذ الحكومة للأحكام التاريخية كان بطيئا وتركها عرضة لاستمرار الانتهاكات حتى يومنا هذا.