رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
متى نستطيع وقف المؤامرات الغربية؟
بقلـم: محمد الشافعى
تؤكد الجرائم البربرية.. التى يتم ارتكابها ضد المدنيين الفلسطينيين فى غزة منذ عدة أسابيع على أن المؤامرات الغربية ضد الوطن العربى بشكل خاص والعالم الإسلامى بشكل عام، لن تتوقف إلا إذا استفاقت الشعوب وقررت أن تضع حدًا لتلك المؤامرات التى تتوالى منذ أكثر من قرنين من الزمان ويستطيع أى قارئ للتاريخ.. أن يكتشف بسهولة شديدة.. أن مؤامرات الاستهداف لم تتوقف منذ أن بدأت مع الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)، حيث سعى نابليون بونابرت إلى إنشاء وطن قومى لليهود فى منطقتنا العربية وتم اختيار واحد من مكانين لإنشاء هذا الوطن القومى إما فى سيناء أو فى فلسطين، ولكن فشل الحملة الفرنسية على مصر أدى إلى تراجع هذه الفكرة الشيطانية وتأجيلها إلى أن يأتى الوقت المناسب لتنفيذها.. وفيما يلى سنحاول رصد أهم تلك المؤامرات.. والتى حتمًا لن تنتهى بالعدوان الإجرامى على غزة.
أولًا: انتظر الغرب مائة عام كاملة.. ليعقد المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل بسويسرا عام 1897.. وفى هذا المؤتمر قررت الحركة الصهيونية بقيادة تيودور هرتزل العودة إلى الفكرة الشيطانية التى أطلقها نابليون بونابرت بإنشاء وطن قومى لليهود فى قلب الوطن العربى، ولكن قوة الدولة العثمانية فى ذلك الوقت.. كانت تمثل الحائل الأكبر.. أمام تنفيذ هذا المخطط الإرهابى لاستهداف كل الوطن العربي.
ثانيًا: على مدى عامين كاملين من 1905 -1907 شهدت لندن العديد من الاجتماعات بين الدول الاستعمارية الكبرى بريطانيا فرنسا - هولندا - بلجيكا- إسبانيا- إيطاليا.. وانتهت هذه الاجتماعات بمؤتمر لندن عام 1907 برئاسة رئيس الوزراء البريطانى هنرى كامبل بنرمان.. وانتهى هذا المؤتمر إلى العديد من القرارات التى تشمل كل دول العالم تقريبًا يهمنا منها قرارين يخصان منطقتنا العربية.. الأول يدعو إلى إبقاء شعوب تلك المنطقة مفككة وجاهلة ومتأخرة.. أما القرار الآخر فيضع الوسيلة لتنفيذ القرار الأول ويدعو إلى إقامة دولة تابعة للغرب فى فلسطين تكون حاجزًا بشريًا قويًا ومعاديًا لشعوب هذه المنطقة.
ثالثاً: تواصلت المؤامرات الغربية ضد الوطن العربى بصدور وعد بلفور فى الثانى من نوفمبر 1917، والذى نص صراحة على إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، وجاء الرد فى الثامن من مارس 1918 من المؤتمر السورى العام بإعلان استقلال البلاد السورية واختيار الأمير فيصل بن الحسين ملكًا دستوريًا للبلاد ورفض وعد بلفور الصهيونى، ونتيجة ضغوطات الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى أعلن الأتراك تنازلهم عن أملاكهم فى الحجاز والشام والعراق ومصر، وفى المقابل رفض الفرنسيون تولى فيصل حكم سوريا.. فتم وضعه على عرش العراق، وفى مارس 1921 تم إنشاء إمارة شرق الأردن ليتولى أمرها الأمير عبدالله بن الحسين، وذلك ترضيه للشريف حسين وتوطئة للقادم من الأحداث، حيث أعلن الشريف حسين حاكم الحجاز ومعه آل الرشيد حكام باقى الجزيرة العربية برفضهم لإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، فعمل الإنجليز على التخلص منهما معًا.. والمجيء بمن يقبل بالشروط الإنجليزية.. وبالفعل انتهت دولة الشريف حسين فى الحجاز عام 1926 وتبعتها دولة آل الرشيد.
رابعاً: أعلن الإنجليز الانتداب على فلسطين وبدأوا مؤامرة كبرى لتهجير اليهود إلى الأراضى الفلسطينية لتنشأ العديد من النزاعات بين الوافدين الجدد وأصحاب الوطن، وبرز من هذه النزاعات النزاع حول حائط البراق عام 1929 ليقوم الإنجليز بإنشاء محكمة دولية جاء قرارها فى عام 1931 بأن المسجد الاقصى وكل ما حوله من أراضى القدس هى أراض فلسطينية منذ مئات السنين، ومنع قرار المحكمة اليهود من إقامة أى طقوس عند حائط البراق، وأصدر الإنجليز انطلاقًا من قرار المحكمة ما سمى (الكتاب الأبيض)، ورغم ذلك استمرت الألاعيب الإنجليزية لتمكين اليهود من أرض فلسطين، واندلعت الحرب العالمية الثانية واستغل فى الحركة الصهيونية بعض ممارسات هتلر للدفع بأكبر عدد من اليهود إلى فلسطين، وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية عمد الإنجليز بكل العنف على وأد الثورات الفلسطينية ضد ممارسات اليهود، وأشهر هذه الثورات حدثت عام 1936.
خامساً: تسارعت الأحداث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتصدر الأمم المتحدة القرار 181 فى نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة لليهود وأخرى للفلسطينيين على أن تظل مدينة القدس تحت الإشراف الدولى، وكانت العصابات الصهيونية المسلحة قد ملأت كل أرجاء فلسطين وراحت ترتكب المجازر الإرهابية ضد سكان المئات من سكان القرى الفلسطينية ليكون مصيرهم إما القتل أو التهجير القسرى، وقد برزت العشرات من المجازر الإرهابية مثل دير ياسين وكفر قاسم، وقد تباطأ العرب كثيرًا فى رد فعلهم لحماية فلسطين من الاغتصاب إلى أن تم إعلان قيام (الكيان الصهيونى) فى 15مايو 1948، وذهبت مجموعات من بعض الجيوش العربية إلى فلسطين لتفاجأ بأن العصابات الصهيونية قد توحدت فى جيش واحد، ذلك الجيش الذى كان أكثر عددًا وعتادًا وسلاحًا.. من كل الجيوش العربية التى ذهبت إلى فلسطين، كما كان كل أفراده من الذين حاربوا فى الحرب العالمية الثانية ولديهم الكثير من الخبرات العسكرية الميدانية.. وانتهت حرب فلسطين بسيطرة اليهود على 79فى المائة من مساحة فلسطين التاريخية ضاربين بعرض الحائط قرار الأمم المتحدة الذى كان يعطيهم فقط 52فى المائة.
سادساً: يظل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة فى نوفمبر 1947 هو الشرعية الوحيدة التى يقوم على أكتافها الكيان العبرى، ولذلك اشترطت الأمم المتحدة فى عام 1949 - عندما ذهب اليهود للحصول على عضوية المنظمة- تطبيق قرار التقسيم وعودة اللاجئين، وحتى عندما تراجعت طموحات العرب وأصبحوا يطالبون بدولة فلسطينية على حدود ما قبل عدوان يونيو 1967 (21فى المائة فقط من مساحة فلسطين التاريخية)، لم يلتفت إليهم الغرب ولم يسع إلى تطبيق كل القوانين الدولية بشأن إنشاء الدولة الفلسطينية.
سابعاً: كانت المؤامرة الكبرى ضد العرب وضد مصر تحديدًا فى عدوان الخامس من يونيو 1967، وقد كشف الصحفى البريطانى بيترهونام فى كتابه المهم (العملية سيانيد) العديد من وثائق ومستندات هذه المؤامرة التى كان هدفها الرئيسى الإطاحة بمشروع جمال عبدالناصر الذى يدعو إلى الوحدة العربية، ويعمل على أن تكون ثروات العرب للعرب، والأهم أنه كان يدعو إلى دولة فلسطينية من النهر للبحر، وقد انتهى عدوان يونيو 1967 بسيطرة اليهود على كامل الأراضى الفلسطينية وبعد انتصار أكتوبر كانت محاولات السادات لضم فلسطين إلى اتفاقية السلام للحصول على دولتهم، لكن عرفات رفض.
ثامناً: استطاع الأمريكان إدخال المنطقة العربية فى دوامة كبيرة من مفاوضات واتفاقيات السلام - كامب ديفيد- أوسلو - وادى عربة- الدين الإبراهيمى.. ولم تستطع تلك الدوامة أن تتوقف أبدًا عند مسألة قيام الدولة الفلسطينية ولتصبح فلسطين هى حالة الاحتلال الوحيدة فى كل العالم، رغم تجريم القوانين الدولية لكل أشكال الاحتلال، وراح الاحتلال الصهيونى خلال السنوات الماضية يعمل على تصعيد ممارساته الإجرامية ضد كل ما هو فلسطينى، البشر والشجر والحجر، مما جعل الفلسطينيين أمام خيار وحيد وهو الموت فإما الموت الصامت أمام ممارسات العدو وإما الموت ثأرًا للكرامة فى مواجهه هذا العدو، ولذلك فإن ما حدث فى السابع من أكتوبر الماضى فى منطقة غلاف غزة وطبقًا لكل المواثيق الدولية.. يُعد مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، فلو طبقنا معايير قرار التقسيم أو معايير ما قبل عدوان يونيو 1967 (21فى المائة فقط من فلسطين) أو حتى معايير أوسلو 1993 (10فى المائة فقط من فلسطين) فإن منطقة غلاف غزة طبقًا لهذه المعايير الثلاثة هى أرض فلسطينية محتلة تبيح القوانين الدولية مقاومة المحتل بكل الوسائل، ولكن الغرب لم يكتف بمساندة الكيان العبرى، ولكنه راح يشارك فى العدوان الإرهابى على غزة، وأمام كل هذه المؤامرات التى لن يتوقف الغرب عن تدبيرها ضد العرب، أعتقد أننا فى حاجة إلى أمرين يرتبط كلاهما بالآخر - الأول هو دعم ومساندة الإخوة فى فلسطين بكل الوسائل الممكنة، وذلك لمواصلة المقاومة والمواجهة مع العدو.. أما الأمر الآخر فهو ضرورة عقد مجموعة من الندوات الفكرية المتخصصة.. يشارك فيها مختلف ألوان الطيف الفكرى فى مناقشات صريحة للبحث عن آليات فعلية وحقيقية تعمل على وقف مؤامرات الغرب أو مواجهتها وإفشالها من خلال وضع (روشتة فكرية).. تمثل رؤية مستنيرة يسير على هديها أهل السياسة والاقتصاد.. لكى نتمكن من مواجهة هذه المؤامرات بكل السبل الممكنة.. وأعتقد أن مجلتنا الغراء (المصور).. قادرة على تنظيم مثل تلك الندوات الفكرية، ورفع ما تتمخض عنها من أفكار ورؤى إلى الأجهزة المسئولة.