قاسم أمين.. زعيم الحركة النسائية
فيلسوف مصري، ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، من أوائل من طالبوا بحقوق المرأة، سواء في التعليم أو الحياة العملية منذ بدايات القرن الماضي، وعلى الرغم من إثارة الحركة النسوية الجدل في تلك الفترة، إلا أنه كان من أشد الداعمين لها، إنه القاضي والمفكر والفيلسوف المصري قاسم أمين، المولود في مثل هذا اليوم الأول من ديسمبر من عام 1863م.
ولد قاسم أمين في الإسكندرية و كان والده "محمد أمين بك" من أصل كردي، ينتمي إلى عائلة أرستقراطية، وكان والده قائد جيش الخديوي إسماعيل باشا بعد انتقاله إلى الإسكندرية، وامتلك عقارات إقطاعية كبيرة بها وبديار بكر بالإسكندرية.
وتلقى قاسم أمين تعليمه الابتدائي في مدرسة "رأس التين" التي كانت غالبيتها من أبناء الطبقة الارستقراطية، وبعد إتمام الدراسة الابتدائية انتقل قاسم أمين مع أسرته إلى القاهرة، وعاش في حي الحلمية، وألتحق بالمدرسة "الخديوية التجهيزية" الثانوية، ثم التحق بمدرسة الحقوق والإدارة بالقاهرة، وحصل منها على إجازة القانون عام 1881م، وكان الأول على دفعته، ثم سافر في بعثة دراسية إلى فرنسا لدراسة القانون بين عامي 1882-1885، والتحق بجامعة "مونبلييه"، وبعد دراسة استمرت لأربعة سنوات أنهى دراسته القانونية بتفوق سنة 1885م.
تأثر قاسم أمين بالحركة النسوية التي عاصرها أثناء تواجده في فرنسا، والتي كانت توازيها حركة أخرى في إنجلترا وأمريكا، كما أنه انبهر كثيرًا بالمجتمع الأوروبي سواء مشاركة المرأة للرجل في الأعمال، أو مباديء الثورة الفرنسية التحريرية الإصلاحية، وعاد قاسم أمين عام 1885م مُحملا بمباديء الإصلاح والتحرر التي عاصرها وتأثر بها في فرنسا.
قبل سفره إلى فرنسا، عمل قاسم أمين محاميًا بمكتب صديق والده "مصطفى فهمي" المحامي، وبعد عودته من فرنسا عمل وكيلاً لنيابة طنطا عام 1885م، ثم أصبح رئيسًا لنيابة بنى سويف عام 1886م، ثم عين قاضيًا عام 1892م، ثم مستشارًا بمحكمة الاستئناف بالقاهرة، عام 1894م، وهو العام الذي شهد تعيين سعد باشا زغلول بالوظيفة ذاتها.
أقام "أمين" مبدأ الحرية والتقدم على أسس من الثقافة الإسلامية بعد ما تشبع بروح الحرية الفرنسية، وبحث في نظريات وأفكار مفكريها، وكان من المؤيدين للإمام محمد عبده في الإصلاح، وكتب في جريدة المؤيد 19 مقالاً عن العلل والمشكلات الاجتماعية في مصر.
كان "أمين" يرى أن تربية النساء أساس كل شيء، وتؤدي لإقامة مجتمع مصري صالح وتنشيء أجيالًا واعية من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة، وذاعت شهرته، ولكنه تلقى بالمقابل هجومًا كبيرًا فظن البعض أن دعوته بمثابة دعوة للانحلال والسفور رغم أنه لم يدع لذلك في كتاباته.
اشتهر "أمين" بأنه زعيم الحركة النسائية في مصر كما اشتهر بدفاعه عن الحرية الاجتماعية وبدعوته لتحقيق العدالة، وبنداءه للتربية في سبيل النهضة القومية، ودعا لتحرير اللغة العربية من التكلف والسجع، حيث كان أديبًا بارعًا.
يعتبر "محرر المرأة" من أوائل الداعين لإنشاء جامعة أهلية، وجعل التعليم تحت إدارة مصرية وإتاحته للفقراء، وكان أول المساهمين في إنشاء تلك الجامعة عام 1906م، وسميت جامعة فؤاد الأول ثم الجامعة المصرية ثم جامعة القاهرة الحالية.
كتب "أمين" القليل من المؤلفات، ولكنها كانت شديدة التأثير على القراء وعقولهم، ولعلها كانت السبب وصاحبة الفضل في تحرر المرأة من القيود المجتمعية، ووصولها لإنجازات عظيمة من تلك الفترة وحتى وقتنا الحالي ومن هذه المؤلفات كتاب "المصريون" الذي نُشر بالفرنسية رادًا على كتاب الدوق داركور عام م1894، وفي عام 1899م ألف كتاب "تحرير المرأة"، الذي أحدث صدى مؤثرًا في الأوساط الفكرية والاجتماعية في مصر، وكتاب "المرأة الجديدة" في عام 1901م.
رحل قاسم أمين عن عالمنا يوم 23 أبريل عام 1908م، في عمر مبكر لم يتجاوز الخامسة والأربعين عامًا، بعد أن حقق الكثير من الإنجارات على طريق الحرية والتحرر للوطن والمواطن بشكل عام، وللمرأة بشكل خاص، ما جعله يستحق لقب محرر المرأة عن جدارة، وما تزال حتى يومنا هذا تتردد في الأوساط الثقافية نقاشات حول ما قدم للمرأة بين مؤيد ومعارض، إلا أن أعماله ستظل شاهدة على دفاعه عن حقوق المرأة في الحياة والتعليم والعمل.